الأقباط متحدون - تنبؤات السينما المصرية والتنبؤات الشاهينية لثورة 25 يناير
أخر تحديث ٠٢:٠٣ | الجمعة ١١ مارس ٢٠١١ | ٢ برمهات ١٧٢٧ ش | العدد ٢٣٢٩ السنة السادسة
إغلاق تصغير

تنبؤات السينما المصرية والتنبؤات الشاهينية لثورة 25 يناير


بقلم: ناظم نور الدين
السينما المصرية على مدى تاريخها الطويل كانت بمثابة النبوءة لما يشهده المجتمع المصري من تغيرات، ليس على المستوى السياسي فقط بل على المستويين الاقتصادي والاجتماعي؛ حيث كشف فيلم مثل "أهل القمة" للمخرج "علي بدرخان" عن التغيرات التي من الممكن أن تحدث في المجتمع المصري بسبب سياسة الانفتاح الاقتصادي وظهور فئة طفيلية جديدة من الانتهازيين، موضحا أن مهمة السينمائيين في السنوات المقبلة ستكون أكثر صعوبة لأن التغيرات التي حدثت في "مصر" مؤخرًا كانت تفوق خيال أي مبدع.

ويبدو أن مبدعي السينما المصرية ذوي نظرة ثاقبة للمستقبل؛ لأن هناك أكثر من فيلم تنبأ بالعديد من الأحداث، مثل الكاتب "وحيد حامد" والمخرج الراحل "عاطف الطيب" في فيلمهما الشهير "البرىء"- بطولة الفنان الراحل "أحمد زكي"- حيث كان الفيلم نبوءة لأحداث الأمن المركزي، والتي وقعت بعد تصويره بأشهر قليلة، لذا لم يصرَّح بعرضه إلا بعد تغيير مشهد النهاية الذي يقوم فيه عسكري الأمن المركزي "أحمد" (أحمد زكي) بقتل زملائه والضباط الموجودين معه بالسجن الحربي، بعد أن يكتشف أنهم خدعوه، وأن المعتقلين الذين يقوم بحراستهم ليسوا أعداء الوطن كما زعموا، ولكنهم مجموعة من الشرفاء الذين رفضوا الظلم والاستبداد.

وقبل أكثر من (70) عامًا، وتحديدًا في عام 1938، تنبأت السينما المصرية بقيام ثورة 23 يوليو، من خلال فيلم "لاشين" الذي أخرجه الألماني "فريتز كرامب" وكتب له الحوار الشاعر "أحمد رامي" وقام ببطولته "حسن عزت" و"حسين رياض" و"حسن البارودي"، والذي تناول ثورة الجياع والمحرومين على الأوضاع السائدة، فيقود "لاشين"- قائد الجيش- انقلابًا على الحاكم..

لكن رؤية السينمائيين المصريين للواقع واستشرافهم للمستقبل لم تقتصر على "مصر" فقط، ولكن امتدت لواقع المجتمع العربي. ففي فيلم "عودة الابن الضال"، تنبأ المخرج "يوسف شاهين" بالحرب الأهلية في "لبنان"، حيث كشف عن حالة التمزُّق التي يعيشها المجتمع العربي من خلال أسرة تصل درجة خلافاتها إلى حد التراشق بالرصاص، لكن "شاهين" وضع أمله في الجيل الجديد، وهو ما عبَّر عنه في مشهد النهاية.

ولم يكن فيلم "دكان شحاتة"- للمخرج "خالد يوسف"- سوى نبوءة لما حدث في "مصر" مؤخرًا.. فالمخرج استطاع، بقراءة متأنية لواقع المجتمع المصري، أن يستشرف المستقبل، وكأنه بهذا المشهد- الذي اعتمد فيه على الجرافيك لاستحالة تصوير ذلك في الواقع على الأقل في ذلك الوقت، حيث تتَّجه فيه الدبابات صوب مجمع "التحرير" الشهير بوسط العاصمة- يؤكِّد أن الفن هو ضمير أي أمة، وبإمكانه التنبؤ بمصير شعب يعاني من القهر والفساد، خاصةً أنه لم يمض أكثر من عامين على "دكان شحاتة" إلا وكانت الدبابات تملأ شوارع "القاهرة" وعددًا كبيرًا من المحافظات المصرية، بعد اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير، والتي أسفرت عن تنحي الرئيس السابق "حسني مبارك" وتقديم عددًا من رموز نظامه للمحاكمة.

"دكان شحاتة" الذي يعزف على وتر السياسة من خلال الواقع الاجتماعي الحالي في "مصر" تطرَّق للعديد من أوجه الفساد، وفي مقدمتها تزوير الانتخابات، وتدخُّل رجال الشرطة لصالح مرشحي الحزب الحاكم، والاعتماد على البلطجية، وحادثة العبَّارة، وحريق قصر ثقافة "بني سويف"، والعديد من القضايا الملتهبة التي عانى منها المواطن المصري، خصوصًا في العشر سنوات الأخيرة من حكم هذا النظام.. لكن الفيلم وهو يدين فترة حكم الرئيس "مبارك"، لم ينس أن يقدِّم تحية من نوع خاص للرئيس الراحل "جمال عبدالناصر"، في مشهد بالغ الدلالة والتعبير قام فيه "محمود حميدة" بتغطية شرخ موجود بأحد حوائط منزله ببرواز به صورة "عبدالناصر"، وكأنه يريد أن يقول للمشاهد أن "عبدالناصر" بأفكاره وإنجازاته، هو الوحيد القادر على ستر عيوب المجتمع المصري وتخليصه من الفساد.

حتى وإن كنت اختلف كثيرًا مع بعض وجهات نظر المخرج "خالد يوسف"، والتي ليس مجالها الآن، لا أستطيع إنكار أنه جاء خليفة لأستاذه المخرج العالمي الكبير "يوسف شاهين" في قراءته للواقع ومحاولة استنباط إمكانية حدوث نتائج حتمية لهذه المعطيات؛ لأنه في فيلمه "هيّ فوضى"، الذي قدَّمه مع أستاذه الراحل "يوسف شاهين"، تنبأ بثورة الشعب على النظام بسبب القهر والظلم والفساد المستشري بالمجتمع؛ فقدَّم "خالد" و"شاهين" مشهدًا من الممكن اعتباره نبوءة بخروج ملايين المصريين للشوارع مطالبين برحيل الرئيس السابق "حسني مبارك"، وهو المشهد الأخير الذي يتجمَّع فيه أهالي أحد الأحياء الشعبية أمام قسم الشرطة في محاولة لاقتحامه والإمساك بأمين الشرطة الفاسد "حاتم" الذي قام بدوره "خالد صالح" بسبب بطشه بالجميع واغتصابه للفتاة الجميلة "نور" (منة شلبي)، والتي كانت ترمز لـ"مصر". وهي دلالة أخرى على اغتصاب النظام السابق- وجهاز الشرطة تحديدًا- خلال فترة حكمه لـ"مصر" كلها، لذلك لم يخرج "هيّ فوضى" للنور إلا بعد مشاكل واعتراضات رقابية، وإن كانت في حقيقة الأمر اعتراضات أمنية، حيث شاهد الفيلم عدد من قيادات وزارة الداخلية في ذلك الوقت، وصرَّحوا بعرضه بعد حذف عدد من المشاهد، وإضافة علامة استفهام بجوار اسم الفيلم ليظهر وكأنه استفهام وليس تقريرًا للواقع.. وربما ما كان لمثل هذا الفيلم أن يرى النور لولا أنه يحمل إمضاء المخرج العالمي الراحل "يوسف شاهين".

كما عبَّر "شاهين" في أحد مشاهد فيلمه "أسكندرية كمان وكمان" عن تضخم الذات عند الدكتاتور عندما يلتصق بكرسي الحكم فترة طويلة، في مشهد من المشاهد الفنتازية الجميلة مثَّلها "محسن محي الدين" داخل الفيلم، محاولًا إرسال رسالة قصيرة إلى كل ديكتاتور بأن مصيره أن تُرفع في وجهه الأحذية، كما حدث في مشهد الفيلم، وكما حدث أيضًا في ميدان "التحرير" يوم الخميس 10 فبراير بعد خطاب "مبارك" الأخير، حيث ارتفع أكثر من مليون حذاء في مواجهة هذا الخطاب الذي كان يحمل قدرًا كبيرًا من الأنانية والتعالي ضد رغبة شعب بأكمله. فأصبح "شاهين" و"عاطف الطيب" بتنبؤاتهم، من أوائل المخرجين الذين رسموا صورة سينمائية تحقَّقت بعد ذلك بحذافيرها، وكأنهم من المنظرين للثورة، رغم أنهما ماتا قبل أن يريا الثورة التي حلما بها كثيرًا، في مجمل أعمالهم، كما في أفلام "شاهين"؛ منها الفيلم الذي كان ممنوعًا من العرض إلى فترة قريبة، وهو فيلم "العصفور" الذي كان أيضًا من الأفلام المبشِّرة بالثورة، ولكنه كان أيام نظام الرئيس الراحل "أنور السادات"، والذي رأى فيه "شاهين" أن هذا النظام كان السبب في ضياع "بهية" التي لعبت دورها الفنانة "محسنة توفيق"، وهي التي جسَّدت شخصية "مصر" أيضًا.

وفي احدى اللقاءات التلفزيونية للمخرج "خالد يوسف"، أكَّد أن أفلامًا مصرية كثيرة، وفي مقدمتها "دكان شحاتة" و"هيّ فوضى" و"البرئ"، قرأت الواقع جيدًا، وكشفت عن عورات المجتمع المصري دون خجل؛ لذلك لم يكن غريبًا أن تأتي ثورة 25 يناير لتؤكِّد أن تلك الأفلام كانت نبوءة لها. موضحًا أن دور السينمائي ألا ينقل الواقع فحسب، بل أن تكون له وجهة نظر فيما يحدث حوله من متغيرات على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وأن الفن هو ضمير الأمة، وإذا كان هذا الضمير نقيًا ولم يتلوث أو يخضع لأي غرض، فإنه قادر على أن يتجاوز حدود الواقع والعبور للمستقبل. مشيرًا إلى أن ما حدث في "مصر" خلال الفترة الماضية كان أقوى من خيال أي فنان. 

في النهاية، نستطيع أن نقول أن دور السينما الروائية ألا تنقل الواقع كما هو؛ لأن ذلك مهمة الأفلام التسجيلية، لكن على المبدع الحقيقي أن يكون صاحب وجهة نظر فيما يحدث حوله، لذلك اتسقت آراء مبدعين مثل "يوسف شاهين" و"خالد يوسف" و"ناصر عبد الرحمن" و"وحيد حامد" و"عاطف الطيب" مع الواقع، وكشفت أنهم قرأوا الواقع جيدًا، فجاء المستقبل يؤكِّد صدق رؤيتهم، وأن السينما المصرية عندما تبتعد عن الاستسهال وتتعامل مع الواقع بعمق، فإنها تستطيع أن تضع يدها على المشاكل الحقيقية التي من الممكن أن تدفع الناس إلى الثورة.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter