الأقباط متحدون - مصر تحتفل بعودة الزمن نصف قرن للوراء
أخر تحديث ٠٣:٥٣ | الاثنين ٦ مايو ٢٠١٣ | ٢٨ برمودة ١٧٢٩ ش | العدد ٣١١٨ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

مصر تحتفل بعودة الزمن نصف قرن للوراء

بدأت أشعر بالاستياء من الحكومة المصرية، لأنها تحولنى رغماً عنى إلى «كاتب معارض» طوال الوقت. هكذا أُحرم من مهنتى، وهى «كاتب» فقط، تلك المهنة التى تحتم على سماع أصوات الكون الجميلة، وتأمل أفعال الناس الطيبة والتنبيه إليها، والتبشير بها. يعلم الله أننى كنت أقاوم بشدة طوال الوقت لكى أحافظ على مهنتى جميلة كما عرفتها وكما تعلمتها، وأعتقد أننى كنت أنجح أحياناً، أما الآن فيجب علىّ الاعتراف بأننى قد هزمت، وأنه لم يعد أمامى إلا أن أتلقى كل يوم ضربات هذه الحكومة، وأن يكون ردى الوحيد هو أن أصرخ ألماً.. ولك الله يا مهنة الكتابة فى مصر.
 
احتفال مصر بعيد العمال هذا العام يتميز بأنه عيد عمال فقط بغير عمل أو عمالة، بل هو أول عيد عمال يمر على مصر، وقد أغلقت عشرات المصانع أبوابها، بسبب الانفلات الأمنى أو العمالى، أو كساد حركة البيع والشراء، هو عيد بأثر رجعى أى أنه يحتفل بالعمال عندما كانوا يعملون منذ نصف قرن، إنه عيد الاحتفال بإنجازات ستينيات القرن الماضى، وهو ــ وهذا هو الأهم ــ وعد من الحكومة بالسير أو بمواصلة السير على طريق الستينيات وطريق عبد الناصر. لقد جاءت لحظات فى خطاب الرئيس محمد مرسى، التى كان يمجد فيها تراث الستينيات الناصرية، تصورت معها أنه سيعلن مواصلة مطاردته الجماعة المحظورة.
 
لو كنت كاتباً لخطاب الرئيس فى هذا العيد، لقلت لهم: أيها السادة.. عدد قليل فقط منكم من قرأ كتاب الرئيس جورباتشوف (البيروستريكا) غير أنى قرأته بحكم اهتمامى بالسياسة، ولأنه ذكر فيه بإخلاص وشجاعة عيوب النظام فى الاتحاد السوفيتى، التى أدت لانهياره وانهيار المنظومة الاشتراكية كلها، كل الأخطاء التى ذكرها جورباتشوف هى نفسها ما نحتفل به الآن.. عمال لا يعملون ويطالبون بالحوافز، مصانع تخسر خسائر فادحة، ويتظاهر عمالها مطالبين بالأرباح.. الضخامة هى ما كان يميز الصناعة فى روسيا السوفيتية، إحساسهم بالخوف من الغرب جعلهم يتمسكون بالقلاع ويا حبذا لو كانت قلاعاً صناعية، ما ليس هائل الحجم فهو ردىء، الآن فى هذا العصر، أقصد فى الألفية الثالثة، توجد مصانع تحتل فيلات صغيرة أو شقة بها خمسة عاملين فقط يعملون فى الإلكترونيات، والمصنع الواحد منها قادر على أن يكسب فى ساعة أكثر مما يكسبه فى عام هذا المصنع، الذى نتشرف بالجلوس فيه الآن.
 
لقد أتيتكم مصارحاً لأننى أعرف أن الله سبحانه وتعالى لن يغفر لى إن أخفيت عنكم الحقيقة.. هل تسمحون لى أن أصارحكم؟ (أصوات هتافات.. صارحنا يا ريس.. صارحنا.. صارحنا.. حناخد المنحة إمتى؟) ملكية الشعب وسائل الإنتاج خدعة من خدع التاريخ شارك فيها بعض المثقفين والفلاسفة الرومانسيين، لأننا عندما نفحص الأمر نكتشف أن المقصود بكلمة الشعب هو الحكومة، من الناحية العملية كانت الحكومة هنا وفى بلاد المنظومة الاشتراكية كلها هى من يملك ويتحكم فى كل شىء، هذا المصنع عظيم لأنه يجسد قدرة المصريين على البناء، ورغبتهم الأكيدة فى التطور، ولكن الحكومة المصرية وأى حكومة أخرى على وجه الأرض عاجزة عن إدارته بما يحقق أرباحاً، نحن نستطيع إدارته فقط بطريقة تحقق لنا أكبر خسائر ممكنة، وبالمناسبة هذا الأمر قديم جداً، لقد كانت هناك أسهم بالدولارات لملكية هذا المصنع انخفض فيها سعر السهم إلى أقل من قرش واحد، وضاعت فلوس الناس الذين كانوا يصدقون ما يسمعونه فى التليفزيون، وما يقرأونه فى الجرائد. الستينيات نبع للذكريات الجميلة والسيئة، بل السيئة جدا، لا تنسوا أن هزيمة يونيو حدثت فى الستينيات أيضا. هناك برنامج ثابت فى عقل الإنسان، ربما يكون أقوى برامجه، وهو المكان والزمان، تستطيع أن تنتقل بحرية وسهولة من مكان إلى آخر، إلى الأمام وإلى الخلف، أما الزمان فمسموح لك فقط الانتقال إلى الأمام، لا أحد على وجه الأرض قادر على أن ينام فى سريره اليوم ويستيقظ بالأمس. لابد أن يستيقظ فى الغد.
 
لا بأس من تذكر الستينيات، أما أن نبنى على إنجازاتها، ونواصل مسيرتها فهذه خرافة أنا على يقين من أنكم لن تصدقوها. هذا القطاع العام الذى تحول إلى جثة هامدة من المستحيل إحياؤه بغير مساعدة الاتحاد السوفيتى، والاتحاد السوفيتى لم يعد له وجود، لقد تأكدت من ذلك عندما كنت هناك، هناك شىء آخر اسمه روسيا، وهى لم تعد مهتمة بالعالم الثالث، هى مهتمة بمواطنيها فقط، ولذلك لابد لى من رحلة طويلة عبر دول الأرض أطلب فيها معونات وقروضاً ومنحاً لإدارة هذه القلاع الصناعية، ثم تسديد هذه القروض من أرباحها، ولكنها لن تحقق أرباحاً، أنتم تعرفون ذلك جيداً، ستخسر فقط على طول الخط وإذا كانت ستنجح فى شىء فهو زيادة أقساط الفوائد والديون التى نسددها كل عام، كان هذا هو ما حدث ويحدث طوال نصف القرن الماضى.
 
كل بطولاتنا لم تكن أكثر من خسائر عالجناها على الورق بالامتناع عن تعليم الناس، وعن علاجهم لكى نوفر لهم ما يأكلونه، وكانت النتيجة أكبر كمية من الجهل والجهلاء عرفها شعب فى العصر الحديث، والجهل لا يكتفى بأن يظل جهلا، بل هو قادر على تحويل البشر إلى كائنات متوحشة، وأنا أعتقد أنكم لا ترحبون بذلك. (أخبار المنحة إيه يا ريس..؟) اطمئنوا ستحصلون على المنحة، بل ستحصلون عليها بزيادة ٥٠% على آخر مرة (المسؤولون فى وزارة المالية فسروا قراره بأن العامل سيقبض المنحة مقسومة على خمسة ومضروبة فى ستة على ثمانية بعد خصم ما سبق له أن قبضه فى يوليو ١٩٨٩ بشرط ألا يتعارض ذلك مع ما سبق له أن قبضه فى يونيو ٢٠٠١) لا أحد قادر على العودة بالزمن إلى الستينيات أو أى زمن آخر، ولعل أول من لفت نظرنا إلى ذلك هو السيدة أم كلثوم عندما قالت: عاوزنا نرجع زى زمان.. قل للزمان ارجع يا زمان.
 
أيها السادة عمال مصر.. أنا أتحمل مطارق النقد التى تهوى على دماغى طوال الليل والنهار، اسمحوا لى أن أنتقدكم قليلا، لم تعودوا الفرخة بكشك فى المنطقة العربية لقلة تدريبكم أو انعدامه، ولأنكم أيضا ــ كما يقال ــ منتجون للمشاكل. فكروا فيما أقول، وما يقال عنكم، العالم كله على استعداد للإنفاق على تدريبكم طبقا لأحدث صيحات التكنولوجيا، ولذلك أنا أطلب منكم أن تكفوا عن إرضاع أنفسكم وأطفالكم كراهية العالم، لا أحد فى العالم يريد تفتيتنا وتقسيمنا والذهاب بنا فى داهية، هناك خيار آخر ربما يتحقق بعد زمن طويل، وهو إعطاؤنا الفرصة للنجاح فى مشروع الخلافة الإسلامية، عندها سنكون أساتذة هذا العالم، غير أننى أحذركم، حتى بعد الخلافة وبعد أن نصبح أساتذة العالم، ستظل البنوك تطالبنا بتسديد ما علينا من ديون، ولديها من الوسائل ما ترغمنا به على ذلك.. سيقولون لنا أساتذة أساتذة، بس ادفعوا اللى عليكم، فكروا واختاروا والسلام عليكم ورحمة الله.
 
نقلاً عن جريدة «الشرق الأوسط»

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع