بقلم الأب يسطس الأورشليمى
أي أن الإنسان يصير باراً في عيني الله، فلا يرى خطاياه، طُوبى للذين غُفرت آثامهُم وُسترت خطاياهُم، طُوبى للرجُل الذي لا يحسب له الرّب خطية، أما في رسالة يعقُوب الرسُول، فهي لا تحدثنا عن تبرير الخاطيء أمام الله، بل تبرير المُؤمن أمام الناس، لأن الناس لا يمكن أن يرُوا الإيمان لأنه بداخل القلب، لكنهُم يرُون الأعمال التي تبرّر الشخص وتظهره باراً في أعينهُم بأعماله الصالحة..
أنت لك إيمان، وأنا لي أعمال، ارني (أنا) إيمانك بدُون أعمالك، وأنا أريك (أنت) بأعمالي إيماني فترى أن الإيمان عمل مع أعماله، وبالأعمال أكمل الإيمان، أي أنها حققت الهدف منه، وهُو تمجيد الله وليس تمجيد الذات، راجع الكتاب المقدُس (يع21:2-23)..
+ هكذا من رسالة رُومية نعلم: أن الإنسان يتبرّر أمام الله، ويتحُول من مذنب إلى بار أمامه بالإيمان، ومن رسالة يعقُوب نتعلم أن: الإيمان الذي يبرّر الإنسان أمام الله، ليس هُو الإيمان الميت، أي مُجرد معرفة ذهنية مثل إيمان الشياطين (يع19:2)، والذي لا يصاحبه تُوبة، ولا تغير اتجاه الحياة، بل الإيمان العملي النابع من القلب، قلب تحُول عن خطاياه إلى الرّب، وهُو الإيمان الذي ينمُو ويثمر ويعمل، الإيمان العامل بالمحّبة، إيمان يظهر نفسه من خلال الحُب، وبأعمال المحّبة التي يعملها الإيمان الحيّ، نكُون مثل إبراهيم الذي تبرّر أمام الله والناس..
لأنكُم بالنعمة مُخلّصُون بالإيمان، وذلك ليس منكُم، هُو عطية الله، ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد، لأننا نحنُ عمله، مخلُوقين في المسيح يسُوع لأعمال صالحة، قد سبق الله فأعدّها لكي نسلك فيها (أف8:2-10)..
إن نُوالنا الخلاص لم يكن بسبب أي أعمال قمنا بها، إنما هُو عطية وهبة الله المجانية لنا، ونحنُ الذين نلنا الخلاص، يجب أن نُمارس الأعمال الصالحة لأننا عمله، أي عملاً فنياً رائعاً، فهل تُدرك أنك عمل الله القدير الذي يتعرّف من خلاله الكثيرُون، على صانعه العظيم القدير القائل: إن لذّتي مع بني آدم، وهذا ما يحدث حين تسلك في الأعمال الصالحة التي سبق الله فأعدّها لكي نسلك فيها، (مت14:5؛ 1كو31:10)..
افعلُوا كُل شيء لمجد الله، والرّب يقُول: فليُضيء نُوركم، أي أن الرُوح القُدس هُو الذي يُضيء من خلالنا، حينما نخضع له ولا نحزنه، فهي أعمال تشهد وتمجد الرّب، (يو26:15؛ أع8:1) وتكُونُون لي شهُوداً..
+ العمل في قيمته لا يساوي شيئاً، لكن الله ينظر إلى الأعمال في معنُوياتها، وليس في قيمتها، مثال الأرملة المسكينة التي ألقت فلسين في الخزانة، وقد مدحها الرّب يسُوع، لأن من إعُوازها ألقت كُل المعيشة التي لها (لو4:21) فهي علامة محّبة، وتضحية، وبذل، وعطاء، وهي قد تشبهت بالمسيح، والمحّبة لا تقدر بثمن، وثمنها عمل إيماني..
نحنُ نقُول في القداس الإلهي: لست أنت محتاجاً إلى عبُوديتي، بل أنا المحتاج إلى ربُوبيتك، والرّب يسُوع المسيح يُريد أن يرى صُورة التواضع، والمحّبة، والعطاء، والصبر، والابن شبيه بأبيه، وبناء عليه يوّرثك، الرُوح نفسه أيضاً يشهد لأرُواحنا أننا أولاد الله فإن كنا أولاداً فإننا ورثة أيضاً، ورثة الله ووارثون مع المسيح (رو16:8)..
الرسُول يلغي الاتكال على الأعمال التي تظن أنها تخلصك، وتوّرثك وإلا مات المسيح بلا سبب، إن قلنا إنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحقّ فينا، وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب، يسُوع المسيح البار، (1يو8:1)، هل تُؤمن بالشفيع الذي بدُون وساطته لا يمكن أن نتصالح مع الله؟! هل تُؤمن بالمُخلّص الذي جاء يطلب ويُخلّص ما قد هلك؟!
+ غاية وهدف الحديث الإلهي عن إيمان إبراهيم هُو: إعلان طريق البّر الحقيقي خلال الإيمان، فقد تبرّر إبراهيم بالإيمان لكي نتبرّر نحنُ أيضاً معه كأبناء له نحمل ذات إيمانه، لأننا نُؤمن بنفس الإله الذي آمن به إبراهيم ونثق في ذات الأمُور التي وثق وآمن بها، فما حدث لإبراهيم ليس خاصاً به وحده، وإنما يحدث مع الكُل، فآمن بالرّب فحسبه له بّراً..
+ إن كان إبراهيم قد نال وعداً بخصُوص نسله، يتحقق هذا الوعد فينا بصلب المسيح وقيامته، الذي هُو من نسل إبراهيم حسب الجسد، وهُو آمن بنيل بركة مستقبلة خلال نسله، إذ يقُول الرّب يسُوع: أبُوكم إبراهيم تهلّل بأن يرى يُومي، فرأى وفرح (يو56:8)..
+ إذ يحدثنا الرسُول عن إيمان إبراهيم، ويُقدم لنا مُلخصاً لإيماننا، ألا وهُو: أنه أسلم من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا..
هذه الآية: مفتاح الإصحاح الخامس، لقد أسلم للصليب بإرادة الآب وإرادته هُو (رو32:8؛ غل20:2؛أف2:5؛1تى14:2) ليكفر عن خطايانا، الذي لم يُشفق على ابنه، بل بذله لأجلنا أجمعين، كيف لا يهبنا معه كُل شيء؟! فاسلكُوا في المحّبة كما أحبنا المسيح أيضاً وأسلم نفسه لأجلنا، قُرباناً وذبيحة لله رائحة طيبةً، وهكذا المسيح أيضاً، بعدما قُدم مرةً لكي يحمل خطايا كثيرين، سيظهر ثانية بلا خطية للخلاص للذين ينتظرُونه..
وكما قال الرسُول: أنتُم الذين به تُؤمنُون بالله الذي أقامه من الأمُوات وأعطاه مجداً، حتى أن إيمانكم ورجاءكم هما في الله، لأن كُل جسدٍ كعشب، وكُل مجد إنسان كزهر عُشب، العُشب يبس وزهره سقط..
(عب28:9؛ 1بط21:1)..