من كتاب (الخدمة) للأب متي المسكين
تقديم الكاتب والمفكر الكبير - كمال زاخر
* فالمدعو للكهنوت والخدمة بين الناس يبنى قلبه وفكره وكل حياته علي سيرة الرسل القديسين، واضعاً أمام عينيه باستمرار سيرتهم في الجهاد المتواصل لخدمة المؤمنين ليلاً ونهاراً، في وقت مناسب وغير مناسب، وما يلزم لذلك من قطع المشيئة والتنازل الكامل عن كل الحقوق الشخصية، والأمنيات والأحلام التي تتعارض مع جهاد الخدمة، حتى ما بدا منها صالحاً في حد ذاته، كالإستغراق في الوحدة والبعد عن الناس والعزوف عن الكلام، إلا إذا كان بالقدر الذى يزيد الخدمة قوة ونجاحاً، أى أن يكون ذلك لا بدافع مجرد استرضاء النفس، بل لإصلاح عجزها، وبالنهاية لزيادة كفاءتها للخدمة."
* فيما يرى أن المدعو للرهبنة "عليه أن يبنى قلبه وفكره وكل حياته علي سيرة الآباء القديسين واضعاً أمام عينيه باستمرار وصيتهم الأولي والعظمى أن يبتعد عن العالم والرئاسات، وأن لا تستهويه الخدمة بين الناس مهما كانت الإلحاحات، وهكذا عليه أن يتمسك بتعإلىمهم تمسكاً لا هوادة فيه وإلا سيجد نفسه في النهاية راهباً بلا رهبنة يعيش تحت إسمها ولا يحمل نيرها، يتكلم باسمها وهو غريب عن دعوتها."
ويضع الأب متى المسكين اصحاب الدعوتين أمام خطر يتهددهما: "فكما يحارب الراهب بحب الخدمة، يحارب الكاهن والخادم بحب الوحدة، وكلا الحربين هما إلحاح من اللاشعور للهروب من الواقع، وذلك إنما يكون بسبب إخفاقات عارضة لا ينبغي أن ينهزم الإنسان أمامها، إذ بمجرد أن يتشدد الإنسان بالله ويقف أمامه مجدداً عهده متشجعاً بالأمثلة الحية التي سبقته، فإنه يُقبِل علي دعوته بغيرة ونشاط ويعود فيرى فيها كل راحته وسلامه وإكليله."
ويختتم نصيحته للكاهن وللراهب بقوله "ليس هذا معناه أن لا يتثقف الراهب بكلمة الإنجيل كل يوم وبكل عمق وإخلاص، ولا أن يمتنع الكاهن وخادم الإنجيل أن يتربى تحت أقدام الآباء وتعإلىمهم وعفتهم وزهدهم، علي الراهب أن يجعل من الكلمة نوراً للسيرة الرهبانية الزاهدة المتعففة، وعلي الكاهن أن يجعل من سيرة الآباء وزهدهم برهاناً لصدق الكلمة التي يخدمها ويبشر بها، مشجعاً له وللذين يجاهدون معه للشهادة وسط العالم ضد العالم."