حمدي رزق
تابعت عبر المنصات الإلكترونية ردة فعل شعب المغرب الشقيق على توجيه الملك محمد السادس، بعدم إقامة شعيرة ذبح أضحية عيد الأضحى هذا العام، نتيجة لـ«تراجع كبير فى أعداد الماشية»..
كالعادة تكفلت الذئاب الإلكترونية فى توليف فيديو رفض شعبى للتوجيه الملكى، وعندما تحقق موقع CNN بالعربية من الفيديو تبين أن الفيديو مزيف تزييفًا عميقًا.
الثابت فى العموم تقبل المغاربة التوجيه الملكى بقبول حسن، وذبح الملك الأضحية نيابة عن الشعب وسيرا على سنة جدنا المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، عندما ذبح كبشين وقال: «هذا لنفسى وهذا عن أمتى».
دعوة العاهل المغربى، واستجابة عموم المغاربة رسالة بعلم الوصول، رسالة تنتهج منطوق «الاستطاعة» فى مفهومها الواسع، وفى ضيقة اقتصادية محتمة.
الملك سار على سنة المصطفى (صلى الله عليه وسلم)، بفهم عميق لفقه الأولويات المجتمعية، والمعانى السامية لفقه المقاصد الشرعية، فهم الغايات، والحِكم التى وضعت الأحكام لتحقيقها فى جميع أحوال التشريع، أو معظمها لتحقيق مصالح العباد، تلك المقاصد المستقرأة من النصوص تنتجها عقول العلماء بناء على واقعهم ورؤيتهم للعالم والكون، ولذلك صاغت الرؤى التجديدية المعاصرة.
تفكير الملك بترشيد أضحية هذا العام حرصا على الفقراء فى ميزان حسناته، لم يخالف الملك مقصدا شرعيًا، يصدق فى التوجيه الملكى فقه الأولويات، أو فقه الموازنات، وهو مصطلح إسلامى حديث، يُعرَف بفقه مراتب الأعمال، حيث يفاضل بين الأعمال من حيث أيها أولى بالتقديم على غيرها.
وصادفت الدعوة الملكية إجابة، جد ليس متخيلًا دولة تعانى مناخيا ما عكس ضررا اقتصاديًا، تسمح بنزف الثروة الحيوانيّة، اتكأ على الاستطاعة الشخصية دون الالتفات إلى منطوق الاستطاعة المجتمعية، وهى من أبجديات فقه الأولويات كما يقول جمهور العلماء.
اتباع مبدأ «فقه الأولويات» فى بلادنا ضرورة مستوجبة على الأفراد فضلا عن المؤسسات، وسد احتياجات المحتاجين أولى الأولويات، نعم «الأضحية» مستوجبة على القادر المستطيع، وثوابها عظيم وبركة وغفران، ولكن ثواب سد حاجات البسطاء أعظم عند الله.
المراجع الدينية على اختلاف مذاهبها، تجمع على أن «سد احتياجات المحتاجين أولى ألف مرة ومرة، وأعظم أجرًا، وأعلى ثوابًا من تكرار الحج والعمرة»، فما بالك بالأضحية التى هى شعيرة ملازمة للحج، فالأول واجب عينى أو كفائى، والآخر شعيرة توصف بالنافلة، ولا شك أن الواجب عينيًّا كان أو كفائيًّا مقدم شرعًا وفقهًا وإنسانيًا على سائر النوافل والشعائر وقربات التطوع.
ضغط وترشيد نفقات الشعائر ضرورة مرحلية، والترشيد ليس توجيها فوقيا يمكن تجاوزه تحت ذرائع فقهية ملتوية بل ضرورة واجبة.. ومستوجبة.
ملك المغرب فى رسالة عيد الأضحى يحترس من قول قائل، فيوضح ما غم على العامة نصا: «أخذا بعين الاعتبار أن عيد الأضحى هو سنة مؤكدة مع الاستطاعة، فإن القيام بها فى هذه الظروف الصعبة سيلحق ضررا محققا بفئات كبيرة من أبناء شعبنا، لا سيما ذوى الدخل المحدود».
هذا هو المدخل الصحيح لفهم التوجيه الملكى، ورسالته تفهم على نحو الاستطاعة، وليت علماء الدين بين ظهرانينا يقفون موقفًا فقهيا صحيحًا بتوسيع «فقه الاستطاعة» على نحو يجنب البلاد والعباد مغبة الضيقة الاقتصادية.
نقلا عن المصرى اليوم