الاب جون جبرائيل الدومنيكانى
في ظهيرة يوم الجمعة، منذ نحو ألفي عام، صرخ يسوع صرخة شقّت عنان السماء، صرخة لا تحمل فقط ألمًا فرديًّا، بل هي صرخة البشريّة كلّها في مواجهتها للألم والظلم والشر. صرخة تمثل التحدي الأكبر الذي قد يواجه الإنسان في كل لحظة معاناته.
لكن تلك الصرخة، التي بدت وكأنها موجهة في الفراغ، لم تذهب سدى. لم يكن الموت هو الكلمة الأخيرة. فالموت الذي حلَّ على يسوع لم يملك السيادة على النهاية، بل على العكس، كانت الاستجابة في القيامة التي جادت وفتحت الطريق لحياة جديدة.
لم تكن القيامة مجرد حدث تاريخي، بل كانت الجواب الأسمى لتلك الصرخة؛ الجواب الذي فيه تحول الألم إلى مجد، والدماء إلى فداء، والموت إلى حياة.
يسوع، الذي كان بريئًا، يتألم. فهل يمكن لصليبه أن يجيب على معضلة الشر؟
الإيمان المسيحي لا يقدم حلاً فلسفيًا لمعاناة الإنسان، بل يقدم شخصًا معلَّقًا على خشبة. الله لا يأتي ليشرح لنا من بعيد، بل يقتحم معاناتنا، يصبح هو نفسه الضحية، ويصرخ معنا:
"إلهي، إلهي، لِمَ تركتني؟"
في يسوع، لا يختفي الشرّ فورًا، ولا تختفي دموع الأبرياء، لكن يصبح الله حاضرًا في قلب الألم. الألم لا يزول، لكنه يُفدى. الصرخة لا تُلغى، بل تُسمع في أعماق قلب الله.
لم يأتِ المسيح ليقدّم إجابة نظرية لمعاناة الإنسان، بل ليحمل هذه المعاناة في جسده، ويفتح لنا طريق الحياة من داخل الموت نفسه.
ولهذا، آلام يسوع ليست نهاية القصة، بل هي بداية جديدة.