القمص يوحنا نصيف
سِرّ العشاء، لن أكشفه لمخاصميك أو أعدائك.
سِرّ الحُبّ، سأُخَبِّئه في قلبي، ولا أبوح به للذين يطلبونك ليصلبوك.
سِرّ بَذل الذّات حتّى الموت، سأجعله في ضميري، أن أُقَدِّم نفسي فدية لآخرين.
سِرّ قبول الآلام، سأجعله أمام نظري كلّما تَفَرَّستُ في صليبك.
+ جسثيماني..
لأنّ يسوع اجتمع هناك كثيرًا مع تلاميذه،
جاء إلى جسثيماني كالعادة.
لم تَأتِ جسثيماني مصادفةً،
ولم تكن هي المرّة الأولَى،
ولكن كانت الأخيرة في حياة التلاميذ.
بطرس وابنيّ زَبَدِي شهود خصوصيّون،
ليس للآيات والمجد فقط، بل والآلام أيضًا!
رَبِّي دَرِّبني.. خُذْ بيدي..
ذاتي ترفُض فِكرة التألُّم.. فما بالها إذا عُرِضَ عليها الصليب؟!
إنّ الألم شيء مرفوض تمامًا،
لأنّ الوجع والضعف والمعاناة صعبة.
فكيف إذن أقبَل أو أرضَى أو أرضَخ؟!
يوجد من يقع تحت وطأة الآلام ولا مَخرَج.. فيَخضَع قَسْرًا لأنّه لا مَفَرّ..
أمّا أن يَقبَل الآلام بشكر، عالِمًا أنّه يشترك في آلام يسوع، فهذا يُحَوِّل الآلام تمامًا!
تَبقَى الآلام، ولكن يسوع يتألّم معي.. يشاركني ويحمِل حملي..
هو شريكي في آلامي.. لا، بل هو حامل آلامي!
+ مدرسة الآلام:
"مع كَونِه ابنًا تَعَلَّم الطاعةَ مِمّا تألّم به" (عب5: 😎.
مدرسة الآلام دَشَّنها المسيح بآلامه، وحَوّلَ مَعنَى الألم؛
لَمّا تألّم طواعِيةً، وهو عالمٌ بكلّ ما يأتي له، وقال لأجل هذه الساعة أتيت..
لَمّا تألّم عن آخرين، بكلّ بذل الذات لأجل الذين كانوا محبوبين عنده..
لَمّا تألّم لكي يرفع الآلام والموت بالقيامة..
في رجاء ما بعد الألم، كالمرأة التي تَحزَن ساعة وَلادتها (يو16)..
وَضَعَ حَدًّا للآلام لا تتعدّاه.. "لا يَدَعكم تُجَرَّبون فوق ما تَحتَمِلون" (1كو10: 13).
وقد تخرج منها جميع القديسين:
الشهداء، دخلوا أعماق الألم..
النُسَّاك، سعوا في طريق الآلام..
المتوحّدون.. المعترفون.. البتوليّون.. المتواضعون.. المُحِبّون..
+ الحزن يتحول إلى فرح..
هو ذات الحزن بكلّ ظروفه ومسبّباته، والآلام التي تجوزها النفس والجسد على السواء.. سقطات الجسد أو المرض أو الايذاء مع كلّ أنواع العذاب الذي تُسَبِّبه الآلام.. كلّ هذا يتحوّل!
فإن كان رصيد الألم وافرًا، فإنْ تَحَوَّل إلى فرحٍ فهو بذات الكمّ أو يزيد!
إذًا الذين يتألّمون بحسب مشيئة الله، فليستودعوا أنفسهم في يد القدير صانع الخيرات (1بط4: 19)، وعندما يتألّمون معه يُحَوِّل آلامهم فَرَحًا، ويُمَجِّدهم.
لأنّه إن كُنّا نتألم معه نتمجّد أيضًا معه (رو8: 17).
أراكم فتفرح قلوبكم، ولا يستطيع أحد أن ينزع فرحكم منكم (يو16: 22).
إذًا مرحبًا بالألم إن كان هو رصيد فرحنا في السماء، لا سيّما إذا كان الألم بسماح من مشيئة الله وتدبير مسرّته.
فهو يَعرِف ضعف طبيعتي، ومقدار احتمالي، ولا يَدعني أُجَرَّب فوق ما أحتمل.
أكاليل الشهداء صنعَتْها الآلام المُرعِبة، وتقطيع الأعضاء، وكلّ الأعمال عديمة الرّحمة التي تعرّضوا لها.
باختصارٍ ما أحلى الألم من أجل الحبيب!
مَرحَبًا بالضيقات والضرورات.. بل كما قيل: أُسَر بالشتائم.. لأنّه حينما أنا ضعيف (بالآلام) فأنا قوي (في المسيح) (2كو12: 10).
لا يَعرِف هذا الأمر إلاّ مَن تَذَوَّقَ طعم المُرّ، الذي يختاره لي الربّ، إذ هو أحلى من الشهد وأطيب من الحلو الذي أختاره لنفسي!
ثُمَ مَن يدرس حياة القدّيسين، ألا يَجِد أنّ حياتهم جميعًا وبلا استثناء قد تكلّلَتْ بالآلام!
فلِماذا إذًا الهروب من الألم والضيق، إن كان من أجل الله، وبحسب تدبيره لخلاص الإنسان؟
إن كان حَمْلُ الصليبِ هو المَعبَر الوَحيد والطريق لملكوت المسيح، فماذا إذن؟!
القمص لوقا سيداروس