(1860- 1934 )

إعداد / ماجد كامل
من بين الشخصيات القبطية التي لعبت دورا كبيرا ومؤثرا في خلال النصف الأول من القرن العشرين ؛نذكر تادرس بك وهبي ( 1860- 1934 ) . فهو يعتبر من أوائل المؤسسين للمسرح المصري في مصر كما سوف نري في ذلك المقال . أما عن تادرس بك وهبي نفسه ؛فلقد ولد في حارة زويلة خلال عام 1856 (بعض المراجع الأخري ذكرت 1860) . وفي سن الخامسة من عمره ألتحق بمدرسة الأرمن بالأزبكية ؛ وهناك تعلم مباديء الفرنسية والأرمنية . وفي العاشرة من عمره التحق بمدرسة الأقباط الكبري بالأزبكية ؛حيث تعلم اللغتين العربية والإنجليزية ؛وتقدم بعدها للأمتحان النهائي ؛وكان يرأس لجنة الأمتحان رفاعة رافع الطهطاوي ( 1801- 1873 ) ؛ولقد كتبت صحيفة الوقائع المصرية التي كان يرأس تحريرها الطهطاوي نفسه في العدد الصادر بتاريخ 5 مارس 1872 "صار افتتاح الامتحان الذي ميز تادرس وهبي بين الأقران ؛ وأشير إليه بالبنان . وكان امتحان هذا التلميذ في اللغة العربية والمنطق والبيان ؛واللغة الفرنسية والإنجليزية ؛والهندسة واللغة الطليانية . فأحسن في كل هذه الأجابة ؛وظهرت عليه إشارات النجابة " . وبعد أن تخرج من المدرسة عمل مترجما بنظارة المعارف ؛ودرس اللغة القبطية علي يد برسوم الراهب . كما ألتحق في نفس الفترة بالأزهر ؛حيث درس وتعمق في دروس اللغة العربية ؛ ثم أستقال من خدمة الحكومة ؛وعمل مدرسا للغتين العربية والفرنسية بمدرسة الأقباط الكبري بحارة السقايين ثم ناظرا لها حتي أحيل إلي المعاش عام 1916 ؛ وتوفي خلال عام 1934 عن عمر يناهز الثامنة والسبعين تقريبا .(لمزيد من التفصيل راجع : سيد علي إسماعيل _ عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق ؛ تادرس وهبي ... قبطي ازهري حافظ للقرآن الكريم ؛ تراث المسرح المصري ؛ المركز القومي لمسرح والموسيقي والفنون الشعبية ؛ سلسلة رقم 12 ؛ 2005 ) .


ولقد كتب عنه المؤرخ اللبناني الكبير فيليب دي طرازي ( 1865- 1956 ) ( أرجو أن تتاح لي الفرصة للكتابة عنه وعن دوره الثقافي الكبير في الوقت المناسب إن شاء االرب وعشنا ) فقال " أنه اثري مجلة روضة المدارس المصرية التي أسسها علي باشا مبارك ( 1823- 1893 ) عام 1870 ؛ أنه اثري المجلة بالعديد والعديد من المقالات القيمة" ( راجع فيليب دي طرازي :- تاريخ الصحافة العربية ؛ الجزء الثالث ؛ صفحة 70 ) .


ولقد أثري الأديب الكبير تادرس بك وهبي المكتبة القبطية والمصرية بالعديد والعديد من الكتب والمراجع القيمة ؛ نذكر منها في حدود ما تمكنت من التوصل إليه :-

1- العقد الأنفس في ملخص التاريخ المقدس ؛وهو ترجمة عن الفرنسية ؛وطبع في مطبعة الوطن القديمة .
2- التحفة الوهبية في تقريب اللغة الفرنسية .
3- رسالة بعنون "ارتشاف الراوي من صرف النحو الفرنساوي " .
4- الخلاصة الذهبية في علم العربية .
5- مرآة الظرف في فن الصرف .
6- عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق . (وهذه القصة قد مثلت بحضور الخديوي توفيق باشا ؛ ولنا عودة تفصيلية إليها بعد الانتهاء من عرض قائمة مؤلفاته ) .

7- الآثر النفيس في تاريخ بطرس الأكبر ومحاكمة ألكسيس ؛وقد مثلت أيضا في دار الأوبرا .
8- رواية تلماك ؛وهي مترجمة عن الفرنسية .
9- كتاب باللغة القبطية لتدريس المبتدئين . ولقد طبع عدة مرات .

10- له أيضا عدة كتب أخري لم تطع بعد نذكر منها :- تاريخ مصر مع فلسفة التاريخ " وكتاب مطول في فنون الأدب ؛وديوان شعر ونثر .( لمزيد من التفاصيل راجع :- دير القديس أنبا مقار الكبير ؛ سلسلة من تاريخ كنيستنا ؛ السلسة رقم 167 ) .


أما عن مسرحية "عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق " يذكر عنها الدكتور سيد علي إسماعيل في دراسته الرائدة عنها ؛والصادرة عن سلسلة تراث المسرح المصري ؛المركز القومي للمسرح والموسيقي والفنون الشعبية . أن مقدمة المسرحية وضعها علي بك فهمي رفاعة رافع الطهطاوي ( 1848- 1903 ) أنه يستحسن هذا النوع من الفن الذي يتوافق في موضوعاته مع قواعد الدين الإسلامي . فقال " هذا الفن بمدلوله الأصلي إن خلا من عوارض تشينه ؛وتحلي بمباحاثات تزينه ؛ وتقلد بعلو همه ؛وتجرد من انتهاك حرمه ؛ ولم تكن آلة موصولة للنفوس الدينة ؛ إلي ارتكاب ما لا يليق بالإنسانية ؛فهو الواجب سياسة والجائز شرعا والمحلل طبعا ؛والحسيب أصلا وفرعا " راجع التصدير بالكامل في الكتاب السابق ذكره ؛ صفحة 69 ) .

ثم يقدم الشاعر حفني ناصف ( 1855- 1919 ) بقصيدة نادرة في مدح المسرحية ومؤلفها ؛نذكر منها :-
كتاب لوهبي بك عز نظيره إذا قسته بالدر يستحقر الدر
تخال إذا طالعته إن ما مضي من الأمر مشهود وهذا هو السحر
وتتظر في أسجاعه حسن يوسف فيا حبذا في حسنه السجع والشعر

وبعدها يقدم تادرس بك وهبي مقدمتان :- الأولي تشمل ملخص عن تاريخ مصر في عهد ذي القرنين ؛والبطالسة وإنشاء مكتبة الإسكندرية ؛ ثم الرومان والفتح الإسلامي والمماليك والعثمانيين والحملة الفرنسية ؛ومحمد علي باشا ؛ ثم حديث مطول عن المدارس القبطية وما وصلت إليه من تقدم ؛ثم تحدث عن نفسه ؛وظروف كتابته للمسرحية ( راجع سيد علي إسماعيل :- نفس المرجع السابق ؛ صفحة 70 و71 ) .

أما المقدمة الثانية ؛ فيعرض فيها ملخص قصة يوسف الصديق ؛واختتم المؤلف مسرحيته بخاتمة قصيرة بعنوان (خاتمة وعظية وصفية لمجمل السيرة اليوسفية ) ثم قصيدة دعائية من قصائده ؛ويرصد الدكتور سيد علي إسماعيل بعض الملاحظات في المسرحية يمكن تلخيصها في النقاط التالية :-

1- الملاحظة الأولي أن المؤلف لم يقسم مسرحيته إلي فصول ؛بل قسمها إلي عدة مقامات .
2- الملاحظة الثانية أن المؤلف لم يقسم مقاماته إلي مشاهد كما هو معروف حاليا ؛بل قسم كل مقامة إلي عدة فصول .
3- الملاحظة الثالثة أن المؤلف كان يضع عناوين لمقاماته ؛وعناوين أخري لفصوله .
4- الملاحظة الرابعة أن المؤلف كان تارة يكتب بعض الإرشادات المسرحية بصورة صحية ؛ واضعا إياها بين أقواس ؛وتارة أخري يكتبها ضمن سياق الحوار .


5- الملاحظة الخامسة تتمثل في شخصيات المسرحية وطريقة كتابتها فمثلا كان يقول " قال ممثل يوسف عليه السلام " ولم يقل "قال يوسف مباشرة ؛ علي اعتبار أن كل شخصي منهم تمثل نبيا من الأنبياء ؛ولا يحق دينيا ولا رقابيا إظهار أحدهما علي خشبة المسرح بصورة مجسدة .
6- الملاحظة السادسة والأخيرة تتمثل في شخصية امرأة العزيز حيث ذكرها هكذا "قال ممثل امرأة العزيز " حيث أن التقاليد المسرحية وقتها كان الرجال يقومون فيها بأدوار النساء في الأغلب الأعم (راجع الكتاب السابق ذكره ؛الصفحات من 77 -80 ) .

أما عن مسرحية " تاريخ بطرس الأكبر " يذكر عنها الدكتور سيد علي إسماعيل أنه نشرها عام 1904 بالمطبعة الكبري ببولاق ؛ وهو يتكون من 160 صفحة ؛وفي الفصل الأول منها تحدث المؤلف عن حالة العمران بمصر منذ عهد مينيس إلي العصر الحديث ؛ وفي الفصل الثاني تحدث عن ملخص لتاريخ بطرس الأكبر من خلال الحديث عن حالة بلاد الروس قديما ؛ وما قامت به شققيقته صوفيا من الفتن والدسائس ؛وتأسيس مدينة بطرسبرج ؛وزواج بطرس من كاترين ؛ ثم الحديث عن الخلاف بين بطرس وولده الكسيس الذي وصل إلي حد إعدام الكسيس ؛أما الباب الثالث والأخير ؛ فقد خصصه المؤلف لنص المسرحية ؛ حيث قسمها إلي خمس مقامات؛ وكل مقامة تتكون من فصلين من الفصول المعنونة ؛ وفي خاتمة المسرحية قدم درسة تاريخية شغلت 43 صفحة .( راجع الفقرة بالكامل في الكتاب السابق ذكره ؛ الصفحات من 53 – 57 ) .

وفي مقالة هامة للدكتورة عايدة نصيف بعنوان " تادرس وهبي من شعراء الأقباط " نشت في جريدة "البوابة نيوز " بتاريخ يوم الجمعة 8 أبريل 2016 . جاء فيها أنه نشر العديد من القصائد ورد الكثير منها في كتاب سيد كيلاني " الأدب القبطي قديما وحديثا " بعضها نشر في جريدة الوقائع المصرية ؛وقصيدتان في رثاء "بطرس غالي " وقصيدة أخري في الذكري السنوية لوفاته عام 1911 ؛ وله قصيدة في تهنئة الخديو عباس لنجاته من مؤامرة اغتيال دبرت له عام 1912 ونشرت في مجلة روضة المدارس . كما كتب قصيدة دعا فيها الأقباط إلي نبذ ما بينهم من خلافات جرت وقائعها بين الاكليروس وخصمومهم بسبب االنزاع علي الأوقاف وغيرها من الأمور ؛ ودعوته بأهمية الوحدة المسيحية . ودعا اخيرا غلي سيادة الود والوفاء . ومن بين النماذج الشعرية التي ذكرتها ما نظمه في مقتل بطرس باشا غالي عام 1911 ؛حيث قال :

إلام تحاول طول البقاء وتنشب فينا سهام المنون .
فواحر قلباه حم القضاء وعم البلاد فأدمي العيون .
بفقد الرئيس دفنا الفخار وكان لدينا المكين الأمين .
غدرت بالوزير بطرس غالي فاندبها أيها الثقلان .

( لمزيد من التفصيل راجع :- عايدة نصيف ؛ تادرس وهبي من شعراء الأقباط ؛ البوابة نيوز ؛ الجمعة 8 أبريل 2016 ) .

بعض مراجع ومصادر المقالة :-
1- سيد علي إسماعيل :- عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق ؛ سلسلة تراث المسرح المصري ؛ المركز القومي للمسرح والموسيقي والفنوان الشعبية ؛ السلسلة رقم 12 ؛ 2005 .

2- تادرس وهبي بك 1860 : 1934 ؛صور أعلام الديار المصرية وعلمائها .
3- الدكتورة عايدة نصيف :- تادرس وهبي من شعراء الأقباط ؛ البوابة نيوز ؛ الجمعة 8 أبريل 2016 .

4- دير القديس انبا مقار الكبير :- أراخنة هذا العصر ؛وهبي بك تادرس ؛ سلسلة من تاريخ كنستنا ؛ السلسلة رقم 167 .

5- كتب ومؤلفات تادرس وهبي ؛ مؤسسة هنداوي .

6- الأثر النفيس في تاريخ بطرس الأكبر ومحاكمة ألكسيس – وهبي بك تادرس .

7- نبيل أبو القاسم – أعلام علماء مصر ؛موقع علي شبكة الأنترنت ؛ صفحة 255 ؛ الشخصية رقم 222 .

8- فيليب دي طرازي :- تاريخ الصحافة العربية ؛ الجزء الثالث ؛ صفحة 70 .

9- محمد سيد كيلاني :- الأدب القبطي قديما وحديثا ؛ الصفحات من ( 237- 250 ) .