بقلم : القمص أثناسيوس چورچ.
عيد النيروز هو بداية أعياد الكنيسة القبطية وإعلان بدأ تتابعها البهيج، وبدأ السنة الطقسية الليتورچية. اتخذت الكنيسة من تذكار الشهداء بدأ تقويمها المعروف بتقويم الشهداء، وهو التقويم الذي اتخذ من سنة اعتلاء الطاغية دقلديانوس عرش الامبراطورية بداية له، تخليدًا لشهداء الكنيسة القبطية الذين حفظوا الإيمان ولم يحبوا حياتهم حتى الموت في سبيل الحفاظ عليه.
وكلمة نيروز هي فارسية الأصل وتعني اليوم الجديد، وعيد النيروز هو بداية التقويم الكنسي ووضع الأچندة الطقسية الليتورچية، والتي وفقًا لها يتم ترتيب وضبط الدورات الطقسية كي تكون السنة - كل سنة – مقبولة... سنة للرب.
فتقويمنا مرتبط بخلاصنا ومستقبلنا الأبدي، ليس كعودة إلى الماضي، بل كحياة حاضرة نحياها معاشة الآن. وفلسفة التقويم القبطي تجعل من شخص ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح محور الزمن، وهو الذي يجعل للتاريخ معنىً، هو بدايته ووسطه ومحتواه وغايته ونهايته المطلَقة، فتاريخنا وتقويمنا يعتمد على عهد الله الخلاصي وعلى عمل نعمته.
فالأقباط هم أول من قسَّم الزمن وأرَّخ للسنين، بعد أن برعوا في دراسة العلوم الفلكية التي تميز بها الفراعنة. وقد جاء حساب الأبقطي لتحديد عيد الفصح وفقًا لجداول فلكية قننها البطريرك "البابا ديمتريوس الكرام"، ثم وُضعت الأعياد والمناسبات والتذكارات في أطُر التقويم، لتكون شهادة مستمرة ودائمة بأن عمانوئيل إلهنا معنا إلى انقضاء الدهر، عمانوئيل اسمه النبوي، ويسوع اسم تجسده، والمسيح اسم عمله الخلاصي، وأعمال تدابيره الخلاصية من أجل خلاصنا هي فعل حاضر ودائم ومستمر في الكنيسة؛ لأن كل عيد في الكنيسة شاهد لهذا الفعل الإلهي الخلاصي.
فالعيد في الكنيسة يأتي في التقويم لا كذكرَى لحدث أو تكرار له، بل هو شهادة لفعل دائم ولحياة خلاص أبدي، كذلك تكريم الشهداء وأبرار الكنيسة هو شركتنا ووحدتنا معهم رزقنا الله صلواتهم. تقويمنا القبطي في عمقه يوحِّد ما يجزِّئه الزمان وما ينساه أو يتجاهله التاريخ، فيوقِّع التقويم تاريخ خلاصنا حاضرًا ومتجهًا للأبدية، مدموجًا وحيًا طول الأيام ومدى السنين وإلى الانقضاء؛ لأن (المسيح هو هو أمس واليوم وإلى الأبد) تتبارك السنة بجوده وآثاره تقطر دسمًا، حاضرًا في حياتنا وأيامنا وشهورنا وسنينا وأعمارنا... فنلمس معاصرة السيد الرب الإله لنا، حاضرًا في وسطنا ونحن نتبعه بكل قلوبنا ونسير معه مقتفين الطريق.
إنها ليست مجرد وصية خُلُقية لكنها مسيرة تتضمن تطابقًا كيانيًا بين الأعضاء والرأس. إنه تحقيق الكنيسة كحقيقة الملء النامي، مجتمعة في المسيح المخلص، حيث نحصل على الغنىَ والشبع والسرور في عزم واحد وانسجام سر الوحدة الإلهية، ونشهد لمقاصد الله الفادية ونرسمها في كل أطوار تحقيقها التدريجي، على اعتبار أن العريس حاضر دائمًا، وإن كان غير منظور. نذوق جمال وفرح ملكوته وتدبيره الخلاصي الثمين (بشارته، ميلاده، ختانه، دخوله إلى الهيكل، عماده، صومه، تجربته على الجبل، تجلِّيه، دخوله إلى أورشليم، عشاؤه السري، تسليمه، آلامه وصليبه، دفنه، نزوله إلى الجحيم، قيامته، ظهوره ببراهين لا تُقاوَم، صعوده، حلول روحه القدوس...).
التقويم يحقق عمليًا حقيقة أن الخليقة الجديدة واقع في الزمن، تتحقق عمليًا عبر المناسبات والأعياد والتذكارات الليتورچية؛ حيث يتجدد العالم والزمن، وتصير مسيرتنا خَطّية مستمرة ممتدة نحو المجيء وانقضاء الزمان، إنه زمن الخلاص والخبرة التعبُّدية الكنسية (الآن) في معايشة وصيرورة حاضرة لأحداث التدبير الإلهي.
إن أبعاد الزمن الثلاثة تتوحد في تقويمنا لتكون حاضرة ومتحركة إلى الأمام، زمن الله... زمن مقدس... زمن الكنيسة... زمن الخلاص... حيث يتحول الزمن المادي والسنة الزمنية إلى سنة روحية مقبولة، نبدأها بالطلبة إلى الله كي يبارك إكليل السنة بصلاحه، وأن يصوِّر في نفوسنا جمال صورته، وهو الذي يهدينا إلى استقامته بالروح المدبر؛ لأن قوة الله هي سلاح عظيم لضعفنا.
ونحن نطلب من صلاحك يا رب أن تسترنا، وأن تنجي نفوس عبيدك، وأن تُنعم علينا بالسلامة التي من السموات، وأن تملأنا من رضاك ومن مواهبك الإلهية لنُثمر ثمارًا مقبولة أمامك في يوم الخلاص.