بقلم مدحت بشاي
تفتقد المكتبة المصرية وجود إصدارات مرجعية مخلصة وعلمية ودقيقة في مجال رصد العلاقة بين مؤسسة الكنيسة والدولة خلال الحقب الأخيرة، لأكثر من سبب «من وجهة نظري»، لعل من أبرزها أن يكون الباحث محسوباً على المؤسسة الدينية، أو من هواة الكتابات السطحية غير المدعمة بدلائل وقرائن مؤيدة لما يقول، أو تلك التي تصدر في إطار إحداث تشويهات تاريخية لصالح أصحاب المواقف المضادة لبعض بطاركة الكنيسة.
وعليه، أسعدني جداً تصدي الكاتب والباحث الرائع هاني لبيب «الحائز على جائزة الدولة التشجيعية» لمحاور عدة لرصد تلك العلاقة في كتابه «الكنيسة المصرية - توازنات الدين والدولة» الذي صدر عام 2012، وقد حاولت حساب عدد المراجع التي عول الكاتب على فحواها لم أتمكن لغزارة عددها، وأتفق مع الكاتب في قوله إن هذا الكتاب عن الكنيسة المصرية والدولة، يرصد العلاقة الشائكة والملتبسة منذ ثورة يوليو 52 وإلى الآن.. وهي علاقة تأرجحت بين الشد والجذب تارة، وبين الصعود والتكامل أو الانكسار والتباين تارة أخرى.. في ظل عدم توافر بيانات واضحة أو معلومات دقيقة.. ترتب عليها شيوع بعض الشائعات التي ليس لها أساس من الصحة في علاقة باباوات الكنيسة المصرية برؤساء الدولة المصرية أو بمعنى أدق في علاقة الكنيسة القبطية بالدولة المصرية، وبالتبعية في الأزمات والتوترات الطائفية.
وأعرض هنا مثالاً على ما يتعلق بالجماعات السلفية «وهو ما يشغل الشارع المصري الأن ونحن بصدد مرحلة جديدة في تاريخنا».. يقول لبيب: تُعد الجماعات السلفية الآن هي من أخطر جماعات الإسلام السياسي تأثيراً في المجتمع المصري، وهي تأخذ الجمعيات الأهلية وسيلة للوصول إلى الشارع والسيطرة عليه.. ونموذج ذلك الدال كل من: جمعية أنصار السنة، والجمعية الشرعية..
تمتلك جمعية أنصار السنة حوالي 200 فرع وما يقرب من 2000 مسجد على مستوى الجمهورية، كما تصدر مجلة «التوحيد».. وهناك ملاحظة عابرة تحتاج إلى الرصد والتحليل حول تحول علماء وشيوخ جمعية أنصار السنة بشكل متوالٍ إلى أعضاء في هيئة كبار العلماء في السعودية، ومنهم: الشيخ عبدالرازق حمزة، والشيخ عبدالظاهر أبوالسمح «أول إمام للحرم المكي».. أما الجمعية الشرعية، فهي تصدر مجلة «التبيان» التي تحمل العديد من المقالات التي تهاجم المواطنين المسيحيين المصريين وعقيدتهم الدينية، ومن الملاحظ في الجمعية الشرعية أنها لا تعترف ضمنياً بفتاوى مجمع البحوث الإسلامية ولا دار الإفتاء، وإنما تعتمد على علمائها السلفيين.
ومن المهم أن نذكر هنا، أن الجماعات السلفية قد قادت - قبل حادث الإسكندرية الإرهابي بكنيسة القديسين في أول يناير 2011 - المظاهرات في جامع القائد إبراهيم بمحطة الرمل «في الإسكندرية» ومسجد عمرو بن العاص «في القاهرة» من خلال 14 مظاهرة خلال الربع الأخير من سنة 2010، كما قامت بتوظيف قناتي «الرحمة» و«الناس» الفضائيتين للهجوم على النظام المصري وعلى المواطنين المسيحيين المصريين وكنيستهم.. كما أذكر أن السلفيين كان لهم دور بارز في التوتر الطائفي الذي حدث بمنطقة الريفية بمحافظة مرسى مطروح الساحلية في 5 مارس 2010 بسبب بناء سور لمبنى خدمات كنسية.. تطور إلى اعتداء على المواطنين المسيحيين المصريين هناك.
ويضيف «هاني لبيب»: الملاحظ أن محافظة الإسكندرية قد تحولت إلى مركز رئيسي للجماعات السلفية من خلال وجود أحد أبرز رموزها، وهو الشيخ ياسر برهامي الذي يتخذ من مسجد الفتح بمنطقة الرمل مركزاً له، كما أنه يُصنف ضمن أهم شيوخ «مدرسة الإسكندرية الفلسفية» وقد خصص ياسر برهامي على موقعه «صوت السلف» باباً تحت عنوان «فتاوى حول النصارى» جاء فيه على سبيل المثال: وجوب عدم حضور حفلات عقد قران الأقباط لأنها تذكر فيها عبارات تخالف العقيدة، ولكنه أباح الذهاب للتهنئة بالقران في البيت، وجواز تعزية الأقباط ولكن لا يجوز السير في جنائزهم.. إذ يُرفع فيها الصليب، وأن محاربة التنصير أولى من بناء المساجد.
وهي كلها تحض على الكراهية، وتعبر عن قناعات شديدة التطرف، وتناقض أبسط مبادئ الوحدة بين أبناء هذا الوطن.. كما أن تحليل هذه الفتاوى في سياق الفتاوى الأخرى التي تتناول الدولة المدنية أو الديمقراطية أو حال المرأة، يؤكد على أنه لا يوجد فرق حقيقي بين «السلفية» و«السلفية الجهادية».. حيث يمكن للسلفية أن تتحول إلى تنظيم عنيف.. وأرجو أن أجد الفرصة للعودة مرة أخرى لمناقشة وعرض بعض ما جاء بالكتاب.
MEDHATBE@GMAIL.COM