بقلم - د. بهي الدين مرسي

يتصور البعض أن قصور الرئاسة هي "البيوت السكنية" للرئيس.
 
في الحقيقة، هذا المسمى له علاقة بالبروتوكول الرئاسي، فهو اسم لأي مبني رئاسي يعنى بالضيافة البروتوكولية لزعماء العالم او الشخصيات المحلية، تماما مثل مسمى الحرس الجمهوري، فهو لا يعنى بالحراسة الشخصية للرئيس، وانما المنشئات الرئاسية وغير الرئاسية ذات الحساسية الخاصة. كذلك، الحرس الملكي، لا يعنى بحماية الملك، وانما كل مقدرات الملك والطقوس الملكية.
 
عندنا في مصر اكثر من قصر رئاسي، فهناك قصر عابدين ولا يسكنه الرئيس وهو متحف حضاري للحقبة الحاكمة لمصر وتاريخ الاسرة، ويعتبر منزلا للضيوف من زعماء العالم.
 
هناك ايضا القصر الرئاسي بالقبة، وهو ايضا ليس سكنا للرئيس، بل هو منشاة بروتوكولية ومضيفة الزعماء، ومقر لغرف عمليات الحرب ومقر للتشريفات.
 
هناك ايضا القصر الرئاسي بالاتحادية، وهو المكتب الرئاسي.
 
القصر الملكي بلندن يتكون من اجزاء عديده، اغلبها مزارات، وهى مقر الحكم، ولكنه ليس سكن الملكة.
 
في نفس السياق، هناك لبس لدى العامة ان لفظ الحقيبة الدبلوماسية تشبه "الشنطة السيمسونايت" يحملها الدبلوماسي المسافر في يده. ابدا يا سادة، فهذا تعبير مجازي وقد تكون حاوية متعلقات او بضائع بحجم غرفة متوسطة، او شيئا عينيا، وذات يوم كانت الحقيبة البلوماسية لأحد السفراء الافارقة "فيلا" اي والله فيل بزلومة، واصطدم بضوابط الحجر الصحى واثار زوبعة دبلوماسية.
 
حتى الطائرة الرئاسية، ليست طائرة بعينها، بل طائرة سفر عادية من النوع المستخدم تجاريا، وتنال لقب "طائرة رئاسية" جراء تخصيصها لاستخدام الرئاسة وتجهيزها بادوات ملاحة خاصة، واجهزة اتصالات مشفرة، واجهزة تعريف بالهوية باكواد معلومة لمطارات العالم، ولكن محركاتها واطاراتها وميكانيكا الطيران بها تماثل الطائرة التجارية العادية.
 
يريد السيسي الانتقال بمصر الى الوجه الآخر للحضارة. دعوا الرجل يتم بناء الرقي، فمصر تستحق ان يكون بها قصر يشبه قصر فرساي، ومطار افخم من هيثرو، ومسجد اروع من تاج محل، وكنيسة مثل ويست منستر.
 
العالم يفرق بين المنشآت الادارية للدولة والمنشآت ذات الدلالة الرمزية التاريخية، فمقر الحاكم لاعظم دولة بريطانية هي شقة ايجار قديم في 10 دواننج ستريت، واقصد مقر رئيس مجلس وزراء بريطانيا، ولكن عندما يحدثك تاريخ بريطانيا عن الفخامة والميراث الفيكتوري، فسوف يطلعك على قصر باكنجهام، ومئة وسبعة وثلاثين قصرا ملكيا في ارجاء بريطانيا.
 
اما لو ظللتم تتشدقون بالفقر، فكان الاولى الا تبني السعودية برج ساعة مكة الذى تكلف اربعين مليار ريال، اي قدر ميزانيات كل دول القرن الافريقي مجتمعة، وتستطيع قراءة توقيت الساعة من مسافة 35 كيلو متر، وبلاش تتسرع وتبرر انتفاء المقارنة بزعم ان السعودية غنية، لا يا سيدنا، عندهم شحاتين في الإشارة، وناس مش لاقية تتعالج، وعشش صفيح.
 
كل سنة، تبلع تكلفة الاحتفاظ ببرج بيزا على حاله مائلا خمسة عشر مرة قدر تكلفة استعدالة مرة واحدة، ولكنها لغة التاريخ التي لا يفهمها فقراء الفكر!!