«اجعلنى إلهى أداة للسلام»، دعاء شهير للقديس الإيطالى، فرنسيس الإسيزى، استهل به الرئيس الألمانى، فرانك شتاينماير، كلمته فى افتتاح مؤتمر «لينداو» للأديان من أجل السلام، والذى استضافته ألمانيا، الأسبوع الماضى، بحضور 900 ممثل للأديان من جميع دول العالم.

تنوعت اللقاءات والمناقشات على مدار 4 أيام، بين جميع ممثلى الأديان واتحد الجميع للصلاة من أجل السلام وانطلقوا فى مسيرة السلام، والتى اتجهت صوب بحيرة «بونديز» التى تربط النمسا وألمانيا وسويسرا، مرددين الأدعية بلغات مختلفة، وتمسّك الجميع بأحقيته فى العيش بسلام تحت مظلة الإنسانية، رافعين شعار المؤتمر «ابعدوا الدين عن حروب السياسة».

وأعلنت جميعة الأديان من أجل السلام اختيار الدكتورة عزة كرم، كأمين عام لها، والتى تنظم المؤتمر الدولى مرّة كل 5 سنوات، إذ عبّرت الأخيرة عن سعادتها باختيارها لهذه المكانة الكبيرة، قائلة إنها فخورة لكونها مصرية ويتم انتخابها لهذا المنصب المرموق.

وأضافت «عزة»، لـ«المصرى اليوم»، أن الاختيار يمثل الوضع فى الاعتبار دور المرأة فى العالم ويعزز دورها فى المشاركة الدينية، وتمنت أن تبرز دور مصر والعالم العربى فى دعم التعايش السلمى بين جميع الأديان.

رئيس كنيسة ألمانيا الإنجيلية: اعترفنا بأخطاء الماضي.. والحروب الطائفية راح ضحيتها ملايين (حوار)

رئيس الكنيسة الإنجلية الألمانية في حوار باسم مع بابا الفاتيكان

ألمانيا التي تستضيف المؤتمر، شهدت حروبًا دموية على مدار القرنين الـ16 والـ17 الميلادى، فبعد إعلان الراهب الألمانى، مارتن لوثر، أستاذ اللاهوت، عصر الإصلاح في أوروبا، زاد الصراع بين الكنيستين الكاثوليكية والبروتستانتية، بل وصل الأمر لوفاة الملايين جرّاء تلك الحروب التي خلّفت خلافات طائفية، غير أن البشرية لا يمكن أن تنسى بأى حال من الأحوال المذبحة الشهيرة التي ارتكبها حاكم ألمانيا الأسبق، أدولف هتلر.. وفى ضوء ذلك أجرت «المصرى اليوم»- على هامش المؤتمر، حوارات لـ 3 مشاركين، بدأت بلقاء رئيس الكنيسة الإنجيلية الألمانية، القس بيدفورد ستروم.

«ستروم» الذي يتخطى أتباعه حاجز الـ25 مليوناً، تطرق بكل صراحة إلى أخطاء بلاده التي كانت ضحية للخلافات الطائفية في العصور الوسطى، قائلا إن بلاده اعترفت بأخطاء الماضى، وبدأت عهدا جديدا، سواء مع الكنيسة الكاثوليكية أو مع أتباع الديانة اليهودية.. وإلى ما دار خلال الحوار:

■ ما الرسالة الأساسية التي حرص عليها مؤتمر لينداو؟
- هذا المؤتمر هام للغاية لأننا رأينا ممثلين لجميع الأديان في العالم، وتم التأكيد خلاله على أن الأديان لا تستخدم للقتل أو لعداء الآخر، إنما للسلام، إذ تختلف المعتقدات بين الجميع، ولكن تبقى الإنسانية هي اللغة المشتركة بيننا.. لذا جاء ممثلو الأديان ليقولوا بشكل واضح «لا لاستخدام الأديان في العنف ونعم للسلام والتسامح»، في رغبة حقيقية من الجميع للتعايش السلمى.

■ ما المعوقات من التي تقف حائلًا تجاه تمكين التعايش السلمى؟
- دون شك إقامة حروب بسبب الاختلافات الدينية، وعدم تقبل الآخر، فضلًا عن استخدام الدين في صراع السياسة.. كل هذه النقاط كفيلة أن تعرقل أي محاولة للتعايش السلمى في كوكبنا.

■ كيف تم تناول هذه النقاط خلال المؤتمر؟
- عبّرنا عن قلقنا لمستقبل الأجيال القادمة، لذلك اجتمعنا في لينداو للتأكيد على أهمية التعايش السلمى وللمطالبة بإبعاد الأديان عن الصراعات السياسية واضعين في اعتباراتنا قضايا أخرى تهدد أمن وسلامة العالم، وتأتى على رأسها التغيرات المناخية، فبدون شك ستؤثر على سلامتنا جميعًا، وحرائق الأمازون التي حدثت مؤخرًا خير دليل، فإذا لم نتحد بشكل حقيقى ونلتفت للتغيرات المناخية في العالم سيكون هناك ضحايا كثيرون.

■ الجلسة الافتتاحية تضمنت عرض فيلم عن اضطهاد المسلمين في «ميانمار».. إلى أي مدى تطرقتم إلى أوضاع الحريات الدينية حول العالم؟
- لقد انتقدنا بكل قوة ما ترتكبه الروهينجيا في ميانمار في حق المسلمين وسلطنا الضوء على هذه القضية كما سلطنا الضوء أيضًا على ما تقوم به الجماعات الإرهابية في نيجيريا، والرسالة الكبرى هنا أن الإرهاب لا ينتمى إلى أي دين، وكما قال الرئيس «شتاينماتير» في كلمته الافتتاحية، إن الإرهابيين لا ينتمون إلى أي دين؛ إنما يسيئون لسمعتهم فقط كأشخاص.

■ كانت ألمانيا ضحية لخلافات طائفية في العصور الوسطى.. كيف تمت مواجهة تراكمات الماضى؟
- نحن في ألمانيا تعلمنا من دروس الماضى، ووجدنا أنه لا جدوى للخلاف بين الكنيستين الكاثوليكية والبروتستانتية، فكيف نتحدث جميعًا عن السيد المسيح ونغفل وحدة الكنائس، وفى 2017 احتفلنا بمرور 500 عام على الإصلاح الكنسى، وبالعودة إلى مارتن لوثر سنجد أن نواياه الحقيقة كانت الإصلاح الكنسى فقط، لذلك لا يمكن أن نحتفل به دون وجود حديث قوى وحقيقى مع هاتين الكنيستين.

■ وماذا عن تجاوز النقاط الخلافية في الطقوس وغيرها؟
- الخلافات الطقسية لم تختف، لكن رغبتنا كانت إقرار التعايش السلمى بيننا، ففى القرنين الـ16 والـ17 هناك أكثر من 10 ملايين شخص تم قتلهم جرّاء الحروب بين الطوائف المسيحية، لذلك وجدنا في ألمانيا أنه لا جدوى للخلاف ونحن اعترفنا بجميع أخطائنا التاريخية، لدينا علاقات جيدة مع الكنائس الأخرى، أعلم أنه لم نحل جميع الخلافات في بعض النقاط، سواء مع الكاثوليك أو الأرثوذوكس لكن اتفقنا على تقبل هذه الخلافات، والعودة للجذور المسيحية الأولى التي عاشت في محبة ووحدة، ونقلت وجهة نظرى لقداسة البابا فرنسيس، هذا الشخص الذي يشجع الوحدة بين الكنائس والتقيته عدة مرّات، فحوار كنيستنا معه مفتاح حقيقى للوحدة.

■ وفيما يتعلق بأوضاع الديانة اليهودية في ألمانيا؟
- اعترفنا بأخطائنا في قتل 6 ملايين يهودى، وتحدينا جميع الخلافات، وألمانيا الآن تتحدث مع جميع الديانات الأخرى ولديها عدد كبير من اليهود يعيشون فيها، بعدما زادت مساحة الحوار السلمى بين الجميع.

مدير أوقاف سوريا السابق: قلت لمساعد رئيس أمريكا «داعش» موجودة في داخلكم (حوار)

مدير أوقاف سوريا السابق صهيب

سوريا تعيش في قلب صراعات الأديان، إذ تعرضت للمخاطر هي الأخرى على مدار السنوات الماضية من صعود التيارات الإرهابية، إذ انتشرت «داعش» في ربوعها من أقصاها إلى أدناها، وتمكنت من قتل آلاف الأبرياء، ودمر عناصرها المنازل وأغلقوا الشوارع في محاولة لطمس هويتها الدينية والثقافية. ويرى الدكتور محمد صهيب، مدير أوقاف سوريا الأسبق، أن الاستخبارات الدولية الكبرى وراء تأسيس تنظيم بحجم «داعش» الإرهابى، مستدركًا لـ«المصرى اليوم»: «لا أنسى أننى قلت لمساعد رئيس الجمهورية الأمريكى إن «داعش» موجودة في داخلكم».. وفيما يلى نص الحوار:

■ ما هي انطباعاتك عن مؤتمر لينداو للأديان من أجل للسلام؟
- أشارك فيه منذ أكثر من 15 عامًا، فهو تجمع يسعى لحل الخلافات الإقليمية والمحلية التي تقوم بشكل دينى وعرقى، وهذا المؤتمر الذي نحضره في «لينداو» يبحث عن الرعاية للجميع من أجل السلام، ويضم أكثر من 900 شخصية من كل الاتجاهات، فهو بحد ذاته يعد مكسبًا للتعارف والتواصل.

■ وهل ترى أن الأهداف العامة له يمكن تطبيقها على أرض الواقع؟
- الأهداف العامة ينظر إليها، مثل القمر ليلة البدر، لكن التطبيق يبقى هو الإشكالية، حيث يجب تعزيز الرعاية للجميع من أجل السلام، لأنها الخطوة الأولى لتحقيق الأهداف المرجوة، لذا يسعى هذا التجمع لإلقاء بذور التلاقى وتنمية الحوار، فسبب المشكلات التي نعانى منها حاليًا هي الابتعاد عن الجذور والأصول، وفى هذا الإطار كانت رسالتى تؤكد دائمًا أن الديانات مصدرها الله عز وجل، وأن جميعنا عبيد لله رب العالمين الذي خلقنا.

■ عانت سوريا من تنامى الجماعات الإرهابية.. كيف تسعون لتوعية الشباب وتفادى أخطاء الماضى؟
- عانينا على مدار الأعوام الماضية من إرهاب العقول، فأتباع «داعش» لديهم فهم خاطئ للدين، ونحن نعيش فوضى المصطلحات، ونعانى من مرحلة الفكر الضبابى غير الواضح، لكن الشعب السورى أدرك الآن خطورة تلك الجماعات، وبدأ العديد من الشباب يعدلون أفكارهم بعد مشاهدة ظلمها وطغيانها.

■ ما السبب وراء تفشى فكر هذه الجماعات؟
- إنها من صناعة الاستخبارات الدولية، فهم أكبر من أن يتوالدوا ذاتيًا- كما يردد البعض، إنما يتم تهيئة المناخ من قبل بعض الدول، والشعب السورى ذاق من مرارة تلك الجماعات، لذا أرى أن القضاء عليها يأتى بالقضاء على الظلم ذاته، ولا أنسى أننى قلت لمعاون رئيس الجمهورية الأمريكى إن داعش موجودة في نفوسكم.

■ هل بدأ الغرب يغير من أفكاره تجاه المسلمين بعد انتشار ظاهر الإسلاموفوبيا في العقود الماضية؟
- مع بداية العولمة والاتصالات، فللإنصاف أقول إنه حدث تغيير كبير في المفاهيم، وأدرك الجميع أن الإسلام برىء من تلك الجماعات الإرهابية، فهو دين يدعو للسلام ويقبل الآخر.. وهذه المؤتمرات فرصة للتلاقى والحوار البناء بين الجميع دون نبذ أحد.

أسقف أبوجا: «بوكو حرام» تقتل المسلمين والمسيحيين

أسقف أبوجا هنري نيومان

قبل تعيين جون هنرى نيومان «كاردينالا» من أعلى مناصب الكنيسة الكاثوليكية، فى 2012، خاصة أنه يمكّنه من الحق فى الترشّح لمنصب البابا، طالما لم يتخط حاجز الـ 80 عامًا، عام 2012 كان أسقف أبوجا، عاصمة نيجيريا، أحد الداعمين لمؤتمر الأديان من أجل السلام، إذ حضر جميع النسخ الماضية التى تعقد كل 5 سنوات منذ 1990، واضعًا على عاتقه ملف الحوار البناء كوسيلة للتعايش السلمى.

وشهدت نيجيريا على مدار الأعوام الماضية انتشار الجماعات الإرهابية وعلى رأسها «بوكوحرام»، إذ راح الآلاف ضحية انتشار هذه الجماعات، ورفض الكاردينال تسمية تلك الجماعات بأنها تتبع الإسلام، قائلًا إن قيادات الدين الإسلامى فى بلاده يتبرأون من هذه الجماعات فهى تقتل المسلمين والمسيحيين معًا.. وإلى نص الحوار:

■ ما أبرز النقاط الجديدة التى تناولها المؤتمر هذا العام تجاه السير نحو التعايش السلمى؟
- داومت على حضور هذا المؤتمر منذ عام 1990 ومنذ ذلك التوقيت ارتبطت بمؤسسة الأديان من أجل السلام، وأخذت عهدا على نفسى أن أبذل قصارى جهدى للسير نحو الوحدة وإقرار التعايش السلمى.. وبخصوص أبرز نقاط هذا العام تم تسليط الضوء عليها، كانت السعى الجاد نحو المساواة بين الجميع، فإذا لم نتقبل بعضنا البعض لن نستطيع مواجهة التحديات التى تواجه العالم.

■ لكن نيجيريا تعيش حالة من عدم الاستقرار بسبب انتشار الجماعات الإرهابية.. ويلقى على عاتقك دورًا كبيرًا لتوعية المجتمع؟
- نعم نحن نعانى من انتشار الإرهاب، ويرفض جميع النيجيريون سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين وجود الجماعات المتطرفة والإرهابية، كما نرفض أن يتم وصفهم بأنهم «إرهابيون مسلمون» لأنهم إرهابيون وفقط، لا يعرفون غير القتل وسفك الدماء ونشر الفوضى بين جميع الأديان.

■ كيف يسير الحوار الإسلامى المسيحى إذن؟
- القيادات المسلمة تجتمع بنا دائمًا ونستعرض مآسى هؤلاء الإرهابيين الذين يقتلون المسيحيين والمسلمين معًا، واتفقنا على قطع الحوار مع أى شخص داعم لهذه الجماعات الإرهابية، لأن ما يفعله عناصرها لا يقل عن أسلوب «داعش» فى سوريا والعراق.. كلهم إرهابيون، لذلك نحن نحاول توعية الأجيال القادمة بخطورة هذه الجماعات.

■ وما الوسائل المستخدمة للقضاء على الفكر الإرهابى؟
- أنا كمسؤول عن أسقفية أبوجا، لا أستطيع الحوار مع أتباع الجماعات الإرهابية أو المتعاطفين معهم من «بوكو حرام» على سبيل المثال، لكن الأصح هو توعية العقول من خطورة هذه الجماعات، سواء فى المحاضرات العامة أو فى المدارس وجميع المؤسسات الثقافية، كما أن هناك مسيحيين يستخدمون اسم المسيح لتحقيق أهداف سياسية.

■■ بصفتك أحد المسؤولين فى الكنيسة الكاثوليكية.. كيف تقيّم مستوى الحوار المسيحى الإسلامى خاصة بعد لقاءات البابا فرنسيس، الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهرالشريف؟

- الحوار الإسلامى المسيحى فى عهد البابا فرنسيس قوى للغاية، لقد حضرت اللقاء الذى تم فى مصر بينه وبين الإمام الأكبر أحمد الطيب، وتأثرت كثيرًا بحفاوة الاستقبال وبكلماتهما التى لمست فيها رغبة حقيقية للحوار، وتابعت أيضًا لقاء أبوظبى.. وكم أنا سعيد لمستوى هذا الحوار التاريخى.

■ كيف أثرت سياسيات البابا فرنسيس فى تيسير الحوار مع الأديان؟
- البابا فرنسيس ساهم بشكل قوى فى الحوار مع الأديان، وسار على درب القديس البابا الأسبق، يوحنا بولس الثانى الذى اجتمع بقيادات الأديان فى مدينة إسيزى الإيطالية، فقد شاركت منذ 2013 فى انتخابا الكاردينال الأرجنتينى، جورجيو مايو بورفوليو، والذى أصبح البابا فرانسيس، الجميع وقتها اجتمع من أجل اختيار البابا الجديد، بعد استقالة «بندكت» صلينا جميعًا وفى المرات الأولى لم نتمكن من الاختيار، لكن نجح الأمر فى المرّة الخامسة، وربطتنى به علاقة قوية للغاية عندما كان كاردينال فهو منذ عقود مهتم بالحوار مع الآخر.