آمنة نصير
أود من المؤسسات المسؤولة فى عصرنا الحاضر أن ترى الاجتهاد وبشكل جاد فيما لم يرد فيه حكم فى كتب الفقهاء السابقين من مستجدات العصر، وهى كثيرة ويهتم بها الشباب والإنسان المعاصر، وتشمل تصحيح الفهم الخاطئ، وتنقية الأحكام مما لحقها من بدع وعادات دخيلة على الإسلام من مستحدثات هذا الزمان الذى تسارعت فيه المعرفة من خلال الإلكترونيات ووسائلها الرهيبة فى سرعة التواصل، ونشر الثقافة التى فى بعض الأحيان تتصادم مع ثوابتنا الدينية، وهذا التجديد يمتد إلى أصول الفقه من أدلة ومناهج بحث وطرق استنباط تعالج المشكلات المعاصرة والمستحدثة، وأن يفتح المجال للاجتهاد الجماعى استناداً إلى الحديث الشريف عن على «رضى الله عنه»: «قلت يا رسول الله إن عرض لى أمر لم ينزل فيه قضاء فى أمره، ولا سنة كيف تأمرنى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تجعله شورى من أهل الحق والعابدين من المؤمنين ولا تقض فيه برأيك خاصة».

فهذه المرحلة تحتاج بحق إلى الاستنارة والتحرك نحو التجديد الذى يشمل أهل العلم من شتى التخصصات، ولا نقف عند ما ورثناه ونغلق عليه الأبواب، حيث إنه بالتأكيد سينسحب هذا الجمود على من يتم تأهيلنا لهم، وهم الدعاة والأئمة، ونغلق سعة الفكر الإسلامى على استيعاب قضايا العصر، وأن يكون ذلك فى إطار القواعد الكلية بالشروط التى وضعها الفقهاء حتى تستوعب المستجدات، وبذلك نجمع بين المنهج التحليلى والاستقرائى وبين المنهج الجدلى. كما يتعين عدم الاكتفاء بالرجوع إلى كتب الفقه المعتمدة لاستخراج الأحكام اللازمة للمستجدات، بل يجب الرجوع إلى الأدلة الفقهية الاجتهادية من مصالح مرسلة وعرف وغيرها، مع الاستعانة بالمنهج التاريخى للوقوف على التطورات الاجتماعية والاقتصادية التى تقتضى تغيير الأحكام.

كما يجب الدراسة المقارنة بين المذاهب الإسلامية الثمانية واستخراج الأحكام المناسبة لظروف العصر، مع مقارنتها بالقوانين الوضعية قدر المستطاع.

ويتمثل بهذا الموضوع أيضًا ضرورة الاهتمام بلغتنا العربية التى أوشكت أن تكون غريبة فى بلادها أمام الغزو الثقافى الخارجى.

وعلى هذا التطوير نستطيع تكوين جيل جديد من المتخصصين فى الشريعة المستمدين للقواعد الكلية الشرعية من الكتاب والسنة والأصول الشرعية، مع رعايتهم بالنصح والتوجيه للوقوف أمام التطرف والإلحاد الذى يأخذ مساحة تخيفنا على شبابنا ومستقبلهم.

نخلص إلى أننا إذا أردنا أن نؤهل إمامًا وخطيبًا معاصرًا يستطيع محاصرة التطرف، أن نوجد الإيمان الكامل بأن سنة الحياة التجديد، ولو قدر لأصحاب المذاهب الفقهية أن يعودوا إلى عصرنا لوجدناهم أول من يقومون بالتطوير والتجديد فيما سبق أن تركوه والذى كان كافياً لعصورهم وزمانهم.

* أستاذ العقيدة والفلسفة جامعة الأزهر وعضو مجلس النواب
نقلا عن المصرى اليوم