CET 00:00:00 - 28/05/2010

حوارات وتحقيقات

والدة أحد المعاقين: وزارة‏ ‏التضامن‏ ‏الإجتماعي‏ ‏تضع‏ ‏شروطًا‏ ‏مستحيلة‏ ‏للحصول‏ ‏علي‏ ‏معاش‏ ‏لذوي‏ ‏الإعاقات.
"مريم ثابت": العراقيل التى تقف حائلاً أمام الأطفال فى ممارسة الأنشطة المختلفة، تُعد مشكلة أكبر من مشكلة التعليم بالنسبة لهم.
دكتورة "هدى الانشاصى": لدينا مشكلة وعي مجتمعي فيما يتعلق بكيفية التعامل مع ذوى الإعاقات، كأشخاص لهم قدراتهم ومهاراتهم..
"هاني سمير"، المعاقون للأسف لا يتمتعون بأبسط الأشياء والحقوق، خاصة فى الأماكن الفقيرة أو العشوائية،

تحقيق : مادلين نادر - خاص الاقباط متحدون

مشهد يتكرر كثيرًا أمام أعيننا فى الشارع أو فى وسائل المواصلات، وفى عدة أماكن من حولنا، حيث نجد أحد الأمهات أو الأباء، حاملاً طفله من ذوى الإعاقات الحركية أو الاعاقات الأخرى المختلفة، وهو منحن الظهر ، ولا يقوى على السير الإ بصعوبة بالغة، لثقل وزن الطفل الذى قد يكون فى السادسة أو السابعة من عمره أو يزيد، لكنه لا يستطيع الحركة بسبب إعاقته أو شلله الدماغي، ولا يملك الأهالى الإمكانيات اللازمة لشراء كراسى بمواصفات معينة، تجنبًا لهذه المعاناة المتكررة، وإن توافرت لديهم الإمكانيات نجدهم لا يستطيعون التحرك به وسط المواصلات أو فى الشوارع ..الخ.

إنه مجرد موقف من عدة مواقف أخرى نشاهدها فى حياتنا اليومية، أو  نستمع إليها من خلال شكوى آباء وأمهات الأطفال ذوي الإعاقات، وعادة ما تكون النسبة الأكبر من شكواهم من عدم حصول أبنائهم على حقوقهم البسيطة، وليست من إعاقة طفلهم ..!

أحيانًا نتعامل مع مثل هذه المواقف من منطلق الشفقة، والعطف على هذا الطفل وأسرته،  و لكن هذا الطفل لا يحتاج عطف من أحد، فهو إنسان له حقوق يجب أن يحصل عليها من رعاية صحية، وتعليم، وإتاحة المواصلات، والحماية، حيث أن "مصر" قد صدّقت على إتفاقية حقوق الطفل التى تشمل حقوق الطفل ذوى الإعاقة.

فهناك مواد واضحة فى هذه الإتفاقية تشير إلى حقوق هؤلاء الأطفال فى أن يعيشوا حياة كريمة، منها ما تضمنه قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 ، حيث يضم تسعة أبواب تشتمل على 144 مادة، وتم تخصيص الباب السادس منه ( المادة 75 إلى 86 ) تحت عنوان "رعاية الطفل المعوق و تأهيله": و تشمل هذه المواد على بعض من حقوق الطفل، منها على سبيل المثال: المادة ( 75 )، والتى تنص على أن تكفل الدولة وقاية الطفل من الإعاقة،  ومن كل عمل من شأنه الإضرار بصحته أو بنموه البدني، أو العقلي، أو الروحي، أو الإجتماعي، وتعمل علي إتخاذ التدابير اللازمة للكشف المبكر علي الإعاقة، وتأهيل وتشغيل المعاقين عند بلوغ سن العمل، وتتخذ التدابير المناسبة لإسهام وسائل الإعلام في برامج التوعية والإرشاد، في مجال الوقاية من الإعاقة، والتبصير بحقوق الأطفال المعاقين، وتوعيتهم، والقائمين على رعايتهم بما ييسر إدماجهم في المجتمع.

كما نصت المادة ( 76  ) على أن الطفل المُعاق له الحق في التمتع برعاية خاصة، إجتماعية، وصحية، ونفسية، تنمي اعتماده علي نفسه، وتيسر اندماجه ومشاركته في المجتمع.

تحدثنا مع بعض الأمهات للتعرف على أكثر الصعوبات التى تواجههم فى التعامل مع أطفالهم من ذوى الإعاقات، والحقوق التى يطالبون بحصول أبنائهم عليها..

بدأت "مريم عزيز"، ‏والدة‏ ‏طفلة‏ ‏لديها‏ ‏إعاقة‏ ‏حركية،‏ حديثها‏ ،‏فقالت‏:" ‏‏تواجهني‏ ‏صعوبات‏ ‏أتمني‏ ‏أن‏ ‏ينظر‏ ‏المسئولون‏ ‏إليها‏، ‏من‏ ‏أبرزها‏ ‏الأعباء‏ ‏المالية‏ ‏علي‏ ‏الأسرة‏، ‏حيث نقوم بتخصيص‏ ‏ميزانية‏ ‏مستقلة‏ ‏للإنفاق‏ ‏علي‏ ‏المتابعة‏ ‏في‏ ‏جلسات‏ ‏التخاطب‏ ‏والعلاج‏ ‏الطبيعي‏، ‏بالإضافة‏ ‏للمدرسة‏ ‏والدروس‏ ‏الخصوصية‏،‏ حيث‏ ‏تدرس‏ ‏ابنتي‏ ‏في‏ ‏مدرسة‏ ‏عادية‏ ‏في‏ ‏إطار‏ ‏مشروع‏ ‏الدمج‏، ومما‏ ‏يزيد‏ ‏الأمر‏ ‏صعوبة‏، ‏أن‏ ‏وزارة‏ ‏التضامن‏ ‏الإجتماعي‏ ‏تضع‏ ‏شروطًا‏ ‏مستحيلة‏ ‏للحصول‏ ‏علي‏ ‏معاش‏ ‏لذوي‏ ‏الإعاقات‏,‏ فمثلا‏ ‏تشترط‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏دخل‏ ‏الأسرة‏ ‏أقل‏ ‏من‏ ( 300‏ ) جنيه‏ ‏شهريًا‏, ‏وهذا‏ ‏أمر‏ ‏صعب‏ ‏جدًا‏ ‏في‏ ‏ظل‏ ‏الظروف‏ ‏الحالية،‏ ‏والغلاء‏ ‏الذي‏ ‏نعيش‏ ‏فيه‏.‏"

وقالت "مارجريت"، ‏والدة‏ ‏طفل‏ ‏داون: ‏"أتمني‏ ‏أن‏ ‏يأخذ‏ ‏الأطفال المعاقون‏ ‏في‏ "‏مصر"‏ حقوقهم،‏ فهناك‏ ‏قوانين‏ ‏كثيرة‏ ‏تم‏ ‏إصدارها‏ ‏في‏ ‏السنوات‏ ‏الأخيرة‏ ‏تنص‏ ‏علي‏ ‏حقوق‏ ‏للمعاقين‏، سواء فى الرعاية الصحية، أو الأنشطة الرياضية، أو الإجتماعية، أو الإندماج فى المجتمع، ‏ولكن‏ ‏حتي‏ ‏الآن‏ هذه الحقوق ‏غير‏ ‏مفعّلة، ‏كما‏ ‏أن‏ ‏بعض‏ ‏القرارات‏ ‏تحتاج‏ ‏لبعض‏ ‏من‏ ‏المرونة‏، بالإضافة إلى مشكلة‏ رئيسية تواجهنا فى‏ ‏دمج‏ الأطفال ‏المعاقين‏ ‏في‏ ‏المدارس‏ العادية، ألا وهي‏ ‏عدم‏ ‏تقبل‏ ‏بعض‏ ‏أولياء‏ ‏الأمور‏ ‏لوجود‏ ‏معاقين‏ ‏مع‏ ‏أطفالهم‏ ‏في‏ ‏نفس‏ ‏الفصول‏ ‏الدراسية‏، بالإضافة‏ ‏إلي‏ ‏أن‏ ‏المدرسين‏ ‏غير‏ ‏مؤهلين‏ ‏أو‏ ‏مدربين‏ على التعامل‏ ‏مع‏ ‏ذوي‏ ‏الإعاقات‏.‏"

ولأن الوالدين قد يكونوا بطبيعة الحال أكثر إنفعالاً بمشكلات أبنائهم، فقد تحدثنا إلى بعض المتخصصين العاملين فى مجال الأشخاص ذوى الإعاقة، للتعرف على الحقوق المنتقصة للطفل المعاق التى لم يحصل عليها بعد.

قالت "مريم ثابت"، منسقة مشروع الدمج التعليمى لمركز سيتى للتدريب فى مجال الإعاقة: "إن الإتفاقية الدولية لحقوق الطفل التى صدقنا عليها فى عام 2008 تضمن العديد من الحقوق  للأطفال من ذوى الإعاقة، ولكن هناك العديد من أولياء الأمور الذين ليسوا على دراية بهذه الحقوق، مثل الحق فى الرعاية الصحية، والإجتماعية، والرياضية، وهناك آخرون لديهم الوعى بهذه الحقوق، ولكنهم لا يستطيعون على أرض الواقع الحصول عليها، فمثلا حق الطفل فى ممارسة الرياضة، والإلتحاق بأحد النوادى الرياضية، أو مراكز الشباب، فحينما يذهب الآباء بصحبة أطفالهم لمراكز الشباب أو النوادي، غالبًا ما يجدون أن المدربين داخل هذه الأماكن غير مؤهلين للتعامل مع أطفالهم، ولسان حالهم يقول:"نحن لا نعرف كيف نعلمهم وندربهم" أو يتسائلون: "هل سيفهموننا؟!"، فهم كثيرًا ما يعتقدون أن الطفل المعاق ليس لديه أية قدرات أو مهارات، فى حين أنهم كثيرًا ما يتفوقون فى مثل هذه الانشطة المهارية، سواء البدنية كأنواع الرياضات المختلفة، أو الفنية مثل الرسم والأعمال الفنية الأخرى، ومن وجهه نظرى، هذه العراقيل التى تقف حائلاً أمام الأطفال فى ممارسة الأنشطة المختلفة، سواء الرياضية، أو الفنية، أو الإجتماعية والترفيهية، تعد مشكلة أكبر من مشكلة التعليم بالنسبة لهم، ومن مشكلة دمجهم فى المدارس". 
 
 و وأضافت "مريم": " أما فيما يتعلق بالدمج، فبعد صدور قرار 94 فى شهر ابريل 2009،  و تحديده لبعض الأساسيات بشكل واضح فى مسألة الدمج بالمدارس العادية، فلقد أصبح الأمر أفضل نسبيًا. ولقد بدأت بالفعل ( 500 ) مدرسة فى تطبيق الدمج بها، وإن كانت مشكلة الإمتحانات لم تُحل بعد، فلم يتم تبسيط الإمتحانات، ولم يتم حتى الآن اتخاذ أى قرار بشأن هذا الموضوع، أو حتى مناقشته.

ومن جانبها، قالت "هدى الانشاصي"، اخصائية العلاج النفسي الإكلينيكي، واخصائية تأهيل بصرى لذوى الإعاقات البصرية: نحن كثيرًا ما نجد أن التركيز فيما يتعلق بحقوق الطفل المعاق فى مجتمعنا، يقتصر على الحق فى التعليم والغذاء، ولكننا نتجاهل حقوق أخرى مهمة جدًا مثل الحق فى ممارسة الرياضة، أو الإهتمام بهم على المستوى التثقيفى، فمثلاً فى قانون التأهيل، تشير المادة 39  إلى حصول الشخص المعاق على بطاقة تحقيق شخصية معاق، توفر له دخول النوادى الرياضية، وممارسة الأنشطة الرياضية بها مجانًا، أو برسوم مخفضة، وهذا الأمر لا يحدث الإ فى نوادي قليلة جدًا، وحتى هذه النوادى التى تستقبلهم، نادرًا ما نجد بها مدربين مؤهلين لتدريب هؤلاء الأشخاص حسب إعاقتهم، و قدراتهم البدنية المتفاوتة. أما بالنسبة للأماكن الثقافية مثل المسارح والسينمات، فمن المفترض أن تكون أيضا متاحة لهم مجانًا او بتخفيضات، ولكنها تتاح للشخص المعاق نفسه فقط دون أن يشمل الدعم الشخص المرافق له، و هذا الأمر فى كثير من الأحيان يحول دون ذهاب الأشخاص المعاقين إليها خاصة ذوى الإعاقات البصرية والذهنية، لأنهم يحتاجون بالضرورة إلى مرافقين.

وأضافت "هدى" أنه لدينا أيضًا مشكلة وعي مجتمعي فيما يتعلق بكيفية التعامل مع ذوى الإعاقات، كأشخاص لهم قدراتهم ومهاراتهم التى قد تختلف عن الآخرين، ولكنهم فاعلون أيضا فى المجتمع، وليسوا مجال للعطف أو الشفقة عليهم، فنحن نطالب بتفعيل القوانين و الاتفاقيات الموجودة حاليًا بشكل جيد .

واتفق معهم فى الرأي "هانى سمير"، رئيس مجلس الإدارة، والمدير التنفيذي لجمعية الملاك الأبيض لذوى الإحتياجات الخاصة بالظاهر ، وقال : "بالرغم من أن "مصر" صدّقت على الإتفاقيات الدولية التى تطالب بحصول ذوى الإعاقات على حقوقهم، الإ أننا  فى أرض الواقع لا نجد تنفيذًا لبنود هذه الإتفاقيات الدولية، والقوانين التى صدرت، فهم للأسف لا يتمتعون بأبسط الأشياء والحقوق، خاصة فى الأماكن الفقيرة أو العشوائية، فإذا ذهبنا مثلاً إلى منطقة "منشية ناصر" أو قرى الصعيد، سنرى ذلك الأمر جليًا، فهم لا يجدون أى رعاية أو إهتمام بهم، بل نجدهم أشخاص مهملين وعلى هامش الحياة هناك، حتى أنه لا تزال هناك بعض الأسر تقوم بمداراة طفلها المعوق عن الناس، وتجعله حبيس المنزل، حتى لا يراه أحد و يعيرهم...!!!

وأضاف "سمير" : "أما على مستوى المدن الكبرى، والقريبة إلى العاصمة القاهرة، فهم يعانون بشكل مختلف، حيث لا يجدون المعاملة الجيدة فى أغلب الأحيان من الناس المحيطين بهم فى المجتمع، و بالنسبة للأطفال من ذوى الإعاقات القابلين للتعليم بالمدارس العادية، فإن أبسط حق من حقوقهم أن يلتحوا بالمدراس، ولكن هذا الأمر أيضًا، بالرغم من أنه يطبق شكلاً، الإ أنه موضوعًا لا يوجد اهتمام فى غالبية المدراس بتأهيل المعلمين للتعامل مع هؤلاء الأطفال، وتكون النتيجة إما أنهم يتعاملون معهم من منطلق الشفقة أو السخرية، مما يؤثر سلبًا على هؤلاء الاطفال.

وأشار "سمير" إلى أن هناك مشاكل كبيرة تواجههم فى استخراج الأوراق الرسمية للأطفال المعاقين بدايةً من بطاقة تحقيق شخصية معاق، وتتمثل العراقيل فى هذا المجال فى طلب بعض الأوراق والتقارير من أولياء الأمور من هيئات أو مستشفيات محددة، فى حين أن هناك تقارير طبية سابقة تفيد بحالة الطفل، أو أن إعاقة الطفل ظاهرة عليه. فالأهالي لديهم الكثير من المعاناة مع طفلهم فى مختلف مناحي الحياة، ولا يحتملون أن تُضاف على كواهلهم ضغوطًا جديدة.
وأكد "سمير" أن هناك بالفعل بعض الجمعيات التى تحاول أن تساعد أهالى الأطفال المعاقين  فى استخراج الأوراق الرسمية لهم، وأنهم فى جمعية الملاك الأبيض يحاول ذلك، ولكن هذه المحاولات لا تتعدى كونها محاولات شخصية وفردية، ومن المفترض أن توفر الدولة تسهيلات لإستخراج الأوراق الرسمية لذوى الإعاقات، وألا تكون الهيئات الحكومية نفسها هى العقبة أمام استكمال الأوراق لذوي الإعاقات فى المراحل العمرية المختلفة لهم، خاصة وأن عدم استخراج الأوراق الرسمية يعد مشكلة خطيرة تؤثر عليهم سلبًا فى عدة اتجاهات، فاذا لم يحصل على بطاقة تحقيق شخصية معاق، لا يمكنه المطالبة بحقوقه من البداية.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٤ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق