CET 00:00:00 - 14/03/2010

حوارات وتحقيقات

• لماذا يريد المسلمون في مصر معرفة أخبار المسلمين بأمريكا؟.
• مظاهرات أقباط أمريكا، وتوجههم للكونجرس الأمريكي، لم يكن إلا محاولة وساطة لمساعدة إخوانهم في مصر.
• الشئون الداخلية المصرية لها أبعاد عالمية ودولية.
• كان الإسلام دينًا ثم صار في السنوات الأخيرة هوية وأيديولوجية دينية.
حوار: مايكل فارس - خاص الأقباط متحدون     

التقت "الأقباط متحدون" مع الإمام فيصل عبد الرؤوف، إمام جامع "الفرح"، وهو أكبر جامع بالولايات المتحدة الأمريكية، وذلك أثناء زيارته القصيرة لمصر إذ يقوم بترجمة كتابه "ما هو صحيح في الإسلام" إلى اللغة العربية..• مظاهرات أقباط أمريكا، وتوجههم للكونجرس الأمريكي، لم يكن إلا محاولة وساطة لمساعدة إخوانهم في مصر.
الإمام فيصل تخرج من جامعة "كولومبيا" بالولايات المتحدة الأمريكية، وعاش فترة من حياته بمصر، وفترة بماليزيا، والتي عايش ثقافاتها المختلفة المكونة من الملايويين والصيينين والهنود؛ ودرس المسيحية واليهودية والبوذية والهندوسية؛ وهو رئيس "مبادره قرطبة" التي تعمل على تبادل الفهم والمعرفة بين أتباع الأديان الإبراهيمية.. كما أن له كتبًا هامة وعديدة، أحدثها "رؤية إسلامية جديدة للغرب والمسلمين"
فكان لنا مع فضيلته هذا الحوار الجريء الذي تحدث فيه عن مشاكل المسلمين مع الغرب، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، ومشكلة هوية الإسلام، والدولة الإسلامية، والعلاقة بين المسيحيين والمسلمين في الشرق والغرب..

-         بداية .. دائما ما تُصرِّح أن مصطلح "دولة إسلامية" ليس موجودًَا بالإسلام.. فما هي رؤية فضيلتكم تجاه هذا الأمر؟
-         أولاً لستُ أنا أول من ادعى ذلك.. فكثيرون من العلماء والفقهاء قالوا إنه ثمة نصًا واضحًا وصريحًا في القرآن الكريم أو الأحاديث الشريفة، يطلب من المسلمين خلق دولة إسلامية، ليس موجودًا.. فلا يوجد أصلاً ما يُسمى بـ"الدولة الإسلامية ".. وإذا تساءلنا: "ما هو دستور الدولة الإسلامية؟"، سنجدُ أن السعودية مثلاً ليس بها دستور.. إن التقليد الذي بناهُ الرسول (ص) لم يكن عبارة عن دولة، بل كان عقدًا بين الحاكم والمحكوم، في صورة عهد وبيعة بين شخصين، لكن فكرة الدولة كفكرة هيكلية وكيان منظم، ظهرت مؤخرًا في التاريخ الإنساني، وكان الشيخ "رشيد رضا" هو أول من كتب عن الـ "دولة إسلامية"، لأن فكرة الدولة القومية كانت طوال التاريخ فكرة غريبة على الإسلام والمسلمين.. ومن جهةٍ أخرى؛ أصبحت مسألة الدولة حقيقة من حقائق الأمر الواقع في العالم المعاصر.. والهام في الأمر هنا هو كيفية ترجمتنا لمبادئ العدالة التي يدعو إليها الإسلام لتأخذ صورة كيان ودولة.. وبالمناسبة؛ لدينا مشروع به علماء من أقصى المغرب إلى أندونسيا في الشرق يدرسون هذه المسألة.

- لقد تملك المسلمون بمصر غضبٌ شديد بسبب منع الحجاب في فرنسا، ومنع بناء المآذن في سويسرا، واعتبروا ذلك شأنًا مصريًا داخليًا، لكن عندما قتل أقباط بنجع حمادي، وقام أقباط المهجر بمظاهرات سلمية، وتم إرسال لجنة حريات دينية لمصر، غضب المسلمون معتبرين ذلك شأنًا مصريًا داخليًا، ليس من حق أي دولة التدخل فيه.. أليس ذلك تناقضًا؟
-  لماذا لا يتساءل أحدنا مثلاً: هل هناك الآن حاجة مُلحة لوجود مآذن في مساجد سويسرا؟.. إن مسجد الرسول (ص) لم يكن به مئذنة، بل ولم يكن به سجاد؛ فعلينا أن نفكر مثلاً في بناء مسجد في سويسرا يشبه ساعة "روليكس" أو أي طراز سويسري آخر.. فحينها يمكن أن نفكر في كيفية جعل المصممين الفرنسيين المشهورين مثل "إيف سان لوران" وغيرهم يصممون حجابًا على الطراز الفرنسي.. يبقي هو نفسُه الحجاب الإسلامي ولكن في صورة فرنسية.. إننا إن استطعنا أن نضع ديننا في الغلاف الذي يستطيع الآخر أن يراه فيه، فإننا سنتواصل أكثر من الآخرين.. فلماذا يُريد المسلمون في مصر أن يعرفوا المزيد حول أوضاع المسلمين في أمريكا؟، طبعاً لأنهم مسلمون مثلنا، وهذا طبيعي.. ويحدث هذا كما حدث بعد مقتل مروه الشربيني في ألمانيا.. لقد غضب الناس في كل مكان في العالم الإسلامي وتعاطفوا مع هذه الحادثة.. إذن من الطبيعي أن يتعاطفوا مع قضايا المسلمين في أمريكا وفي كل مكان.. ولكن لماذا لا يقلق المسيحيون بنفس الطريقة في أمريكا حول مقتل مسيحيين هنا في مصر.. من هذا المنظور ستفهمون لماذا يقلقون، فعندما قامت مظاهرات أقباط أمريكا وتوجهوا للكونجرس الامريكي، ما كان ذلك إلا محاولة للوساطة حتى يساعدوا إخوانهم في مصر بعد هذا الحادث لأنهم مسيحيون أيضًا.. إذن الشئون الداخلية لمصر لها أبعاد عالمية ودولية.. وبنفس المعيار الشئون الداخلية لألمانيا أو لأمريكا لها أبعاد تصل إلى هنا في مصر..

- هذا يقودنا لتساؤل هام.. هل ولاء المسلم المقيم في دولة غير إسلامية  يكون للعالم الإسلامي والأمة الإسلامية، أم لدولته التي تعطيه جنسيتها؟
- مثل هذا التساؤل يسير جملة من الأسئلة.. فنحن لدينا ولاءات متعددة.. ولكن التضادات في الحياة تأتي عندما يكون ولاؤك الشخصي وولاؤك الوطني بينهما صراع.. عندما يكون ما هو أخلاقي يعتبر غير قانوني، وعندما يكون ما هو قانوني بمثابة أمر غير أخلاقي بالنسبة لك.. عندها يكون الصراع.. فقد يكون ما هو أخلاقي صحيحًا وسليمًا سياسيًا، وقد يكون الأمر على العكس من ذلك تمامًا، وتلك هي المعضلة التي يواجهها كثيرون.. وهناك دائماً أخطاء في تفكيرنا.. نحن خلقنا وأوجدنا وطنية إسلامية وهي فكرة زائفة.. ففكرة أن تكون جزءًا من الأمة الإسلامية، ليست بالضرورة تعني أن تكون في إطار تلك الوطنية الإسلامية التي أقول إنها تبعدنا عن القيمة الأساسية الأصيلة في الإسلام وهي العدالة.. إننا عندما نعطي ولاءنا لتلك الوطنية الإسلامية، فإننا نستبعد العدالة أو نعمل على إيقاع الظلم بدلاً من إحقاق الحق وإقامة العدل.. وإنني مثلاً كمسلم في أمريكا؛ أتحدث عن ما هو عدل، ولكن ليس بطريقة تطلق الأحكام على أي طرف.. إنني أقوم بإخبار كل طرف بما لديَّ وأقوله بشكل صريح.. أقول لهذا الطرف أو ذاك: "عندما تفعل هذا أو ذاك، فإن الأمر سيصل إلى كذا أو سيحدث كذا".. وهذا هو الدور الذي اخترته لنفسي.. فعندما تلتزم بالعدالة والمساواة، فإنك تكون على ولاء لله وللجميع وللقيم السامية التي يتبناها الجميع مسلمون ومسيحيون.

 - كيف ترى تطور نظرة المسلم للإسلام مع مرور الزمن، فأصبح الإسلام دولة أكثر منه دينًا وهوية؟
- كان الإسلام دينًا ثم صار الآن هوية وأيديولوجية دينية في السنوات الأخيرة في أماكن كثيرة من العالم، كما ظهرت مؤخرًا في العالم الإسلامي ظاهرة جديدة وهي ظاهرة "الوطنية الإسلامية"، لقد تم إبعاد فكرة الأمة الإسلامية والقومية الإسلامية وأننا أمة وقوم عالميون، وتم تشكيل فكرة الوطنية الإسلامية والتي لم تكن موجودة سابقًا.. لقد صارت الوطنية الإسلامية تحتل مكان الأولوية بدلاً من قيم الإسلام الأساسية، ففي السابق كان المسلمون يحمون المجتمعات التي يدخلونها، وكانت فكرة الحكم في الإسلام تقوم على أساس مبدأ "العدالة"، وهي تعني العدالة أمام الله أولاً، وذلك لحماية الشعوب والأقوام، لكن رغبتنا الآن في خلق قوميات عديدة مثل القومية العربية قد زادت.. والقومية هي نوع من دعاوى العصبية.. إنها نوع من الوطنية القبلية.. وبهذا المعنى؛ فإننا قد خلقنا وطنية إسلامية وعصبية إسلامية، وكلتاهما تنتهكان مبادئ العدالة في ديننا، لأن أساس الإسلام ليس العصبية.

- لقد درستم المسيحية واليهودية والبوذية والهندوسية.. فهل يمكن أن تخبرنا عن المحددات التي تحدد هوية أي مجتمع..  موضحًا لنا الشيء الذي لو فقدناه نفقد معه الهوية، والشيء الذي لو فقدناه لا نفقد معه الهوية؟
- في مثل هذه المسألة، لابد وأن نفكر بشكل عضوي.. فإذا سألنا مثلاً: من هو مايكل؟ سنقول إنه مصري، وإنه يتحدث العربية، وإنه صحفي.. إذا لديه هويات عديدة، وكلنا لدينا هويات عديدة.. الهوية ليست شيئًا واحدًا فقط، إنها مركب جامع Composite، وقد تتغير الهوية مع تغير ظروف حياتنا.. والشيء الذي تعتبره هويتك اليوم، قد لا يكون هو هويتك بعد عشرة سنوات.. ربما بعد عشرة سنوات ستصبح كاتبًا ولست صحفيًا.. وربما بعد عشرة سنوات تصبح رجل أعمال.. فهل أنت نفسك حينها ستكون مايكل الذي نراه الآن؟ ولكنك أنت تقول إنك نفس الشخص.. إن المجتمع كذلك عنده دائمًا هوية مركبة، وطريقة تفكير الناس في هويتهم تتغير مع الوقت.. ومثالٌ على ذلك؛ الهوية المصرية منذ خمسين عامًا كانت واسعة جدًا.. وكان المصري بهذا المعنى هو كل من يعيش على أرض مصر، وكان الجميع جزءًا من النسيج المصري الواحد.. ولكن الهوية المصرية تحولت الآن إلى صورة أخرى، وصارت أضيق وأضيق بكثير من السابق، صارت ضيقة لدرجة أنك لو لستَ مسلمًا، فإنك لست جزءًا من الهوية المصرية..

- فأنا مثلاً عندما نشأت في مصر وماليزيا، كانت كلمة "مصري" تعني الكثير، حيث كان المصري هو المسلم والمسيحي واليهودي واليوناني والأرمني.. وكنا جميعًا مصريين.. ولكن الهوية تحولت في الخمسين عامًا الأخيرة إلى تعريف ضيق جدًا.. لقد كان المصري هو كل من يعيش على أرض مصر، ثم جاءت فكرة القومية العربية.. ولو أنك تركي في ظل القومية العربية، فلا مكان لك في مصر لأنك لست مصريًا.. إن القومية العربية قد خلقت تعريفًا أضيق.. وهذا خلق مشاكل كثيرة للمجتمع المصري، كما خلق مشاكل للمصريين في الخارج فيما يتعلق باندماجهم مع العالم الخارجي، خاصة وأننا الآن نعيش في عالم معولم، فالهوية الأمريكية هوية متعددة الثقافات والأعراق والأديان والخلفيات.. لكن كل هذا التعدد يعتبر جزءًا من الهوية الأمريكية.

- إذن كيف تفسر أن أمريكا البالغة التعدد في هوياتها وعرقياتها وثقافتها، لا توجد بها مشكلة عنف طائفي أو فتنة طائفية، وهنا في مصر نواجه فتنة طائفية؟
- في بعض المجتمعات مثل أمريكا وكندا وأستراليا، هناك عقد اجتماعي متعدد الثقافات.. وبالتالي نجد أن المجتمع الأمريكي عبارة عن خليط من كل الأعراق والثقافات والجنسيات، وهناك الأمريكي الإيطالي، والأمريكي الأسباني، والأمريكي اللاتيني وغير ذلك.. وهناك مجتمعات أخرى أكثر تقليدية مثل انجلترا.. فالمجتمع الإنجليزي التقليدي هو مجتمع البيض الذين ينتمون إلى كنيسة انجلترا ويتحدثون اللغة الإنجليزية.. وهو مجتمع من نموذج أحادي الثقافة وليس متعدد الثقافات، وعلى الجانب الآخر، نجد مثلاً أن مصر والهند وتركيا كانت دولاً تعددية بدرجة كبيرة منذ خمسين سنة.. ولكن ما حدث في مصر أن هذه التعددية في الثقافات والهويات تآكلت وصارت مصر أحادية الثقافة، ولذلك صارت الهوية أضيق وأضيق.. وصار المعنى الآن أنه إذا لم تشاركنا في هذا، فإنه سيتم إزاحتك عن مركز المجتمع وتنتقل إلى الهامش.. في السابق مثلاً كانت مدينة أزمير في تركيا وغيرها تسكنها أغلبية يونانية، ولكن بعد رفع شعار "تركيا للأتراك" تم دفع اليونانيين إلى الخارج وخرجوا من تركيا.

وللحوار بقية..

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق