CET 00:00:00 - 26/09/2009

المصري افندي

بقلم: جرجس بشرى
لم أكن مُستريحا –أبدًا- لترشيح وزير الثقافة المصري فاروق حسني لمنصب مُدير عام اليونسكو، وهي المنظمة الدولية المعنية في الأساس بالتربية والعلوم والثقافة، ولم أشعر بالإرتياح أيضًا لإقدام مصر على هذه الخطوة المحفوفة بالمخاطر والألغام، والتي بذل فيها الرئيس مبارك مجهودات ضخمه بدعم وزيره للفوز بهذا المنصب الرفيع، خاصة وأن سجل الحكومة المصرية حافل بالإعتداء على التراث الإنساني وتدمير وعي المواطن المصري وتغييبه ثقافيًا.
لقد نحت فاروق حسني قبره بيده بتصريحاته المُنفلتة، وهي تصريحات لا يُمكن أبدًا أن تصدُر من رجل سياسي ومثقف وواعي كان من المُفترض أن يحتل أعظم منصب ثقافي على مستوى العالم كله، ولعل ما يتبادر إلى الذهن هنا تلك التصريحات التي لا يجب أن تصدر من تلميذ بادئ في السياسة والتي قال فيها الوزير أمام مجلس الشعب في مايو 2008 أنه لو وجد كُتبًا عبرية "يهودية" بالمكتبات المصرية سيقوم بحرقها!!!
وهو بلا شك قال ذلك لاسترضاء الحكومات العربية والإسلامية وكسب ودها ودعمها له، وهو تصريح لا يُمكن بحال من الأحوال أن يصدر من وزير الثقافة بالذات، لأنه مسئول أصلاً عن حماية التراث المصري كله سواء كان تُراثًا قبطيًا أو إسلاميًا أو يهوديًا أو نوبيًا أو حتى عفريت أزرق.
لم يدُرك وزير الثقافة وقتها أن كل كلمة يصرح بها أي مسئول ستُحسب عليه، ولم يكن يعلم أن مُجرد كلمة مُنفلته تصدر ولو عفويًا من مسئول ما -أيًا كان- من المُمكن أن تُطيح بمُستقبله السياسي والوظيفي، حتى ولو قدم عنها بعد ذلك إعتذارًا، وهو ماحدث بالفعل مع الوزير الذي قدم إعتذارًا لليهود عن هذا الخطأ الفادح.
ومن الأمور المدهشة أن الوزير لم يتعلم من أخطاؤه السابقة ولم يستطع كمد رغباته أو على الأقل تأجليها -بمقتضى السياسة-، بدليل أنه كان الفائز بجدارة في الجولات الأربعة من الإنتخابات وقد صرح عقب الجولة الرابعة مباشرة بأنه "وجه لطمة قاسية للشمال"!! وكأنه كان داخل حرب نووية يا قاتل يا مقتول، وهذا التصريح المنفلت الذي صدر عن الوزير أعاد للأذهان عنصرية المرشح المصري العربي ومعاداته لكل ما هو شمالي، وهو ما دفع المصوتين إلى إعادة النظر في اللحظات الأخيرة خاصة بعد ما ينطوي على هذه التصريحات من مدلولات وتداعيات خطيرة، خاصة وأن المنصب في أمس الحاجة إلى دُعاة بناء وليس هدم، وبذل جهود مضنية لتدعيم روابط المحبة والألفة والتقارب بين الشعوب وليس العكس.
والمُفجع أن فاروق قدم نفسه للعالم على أنه المرشح "المصري العربي والإسلامي" متناسيًا أن المرشح لهذا المنصب لا بد وأن يعبر عن آمال وطموحات العالم بل والإنسانية كلها!!.
للأسف ظن فاروق أن العالم لا يرصد ولا يُحُلل كل كلمة تفوه بها، ومن المؤكد أن العالم رصد سجل فاروق حسني طيلة الـ 22 سنة السابقة في الوزارة، وهي فترة بلا شك لم يُقدم فيها إنجازات ملحوظة، فها هم النوبيون يلعنون اليوم الذي تولى فيه الوزير الوزارة، والآثار القبطية تُعاني الأهمال، وأقولها صراحة أنه لمن المُخجل أن يبقى فاروق حسني كاتم على نفس الوزارة طيلة 22 سنة تقريبًا، وعليه أن يُقدم استقالته فورًا من وزارة الثقافة، وعلى النظام الحاكم أن يُدرك بأن الخسارة الجسيمة التي مُني بها وزيره تعتبر بمثابة رسالة من العالم له بأن صلاحيته قد أوشكت على الإنتهاء ولم يُعد قادرًا على التأثير حتى في دعم وزيره للفوز برئاسة منظمة من المنظمات الدولية المرموقة!!
لقد كنا نتمنى أن يتربع مصري على قمة هذا المنصب الدولي الرفيع لأن مصر تستحق أكثر من هذا، وربما يأتي اليوم الذي يشغل فيه مصريًا واعيًا هذا المنصب لرفع اسم مصر.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٥ صوت عدد التعليقات: ٧ تعليق