CET 09:24:50 - 19/06/2009

مساحة رأي

بقلم: جرجس بشرى
تَرَدَدَت في الثمنينات من القرن الماضي مقولات تُشير إلى تقسيم مصر إلى دولتين إحداهما قبطية في الجنوب والأخرى إسلامية في الشمال، وقد أرجع مُتشدِدون إسلاميون فكرة المُطالبة بتقسيم مصر إلى الأقباط وحدهم!! لدرجة أن الرئيس الراحل محمد أنور السادات كان قد أعرب في خطاب له ألقاه في شهر مايو/آيار سنة 1980 عن خِشيّته من أن تُطالب الأقلية المسيحية بقيام دولتها الخاصة، أي دولة مسيحية في الجنوب!
ولخطورة هذا الموضوع وحساسيته الشديدة لم تخلُ مُعظم الحوارات الصحفية لقداسة البابا شنودة الثالث (بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المُرقسية) من إشارة إلى هذا الموضوع الحيوي والشائك، والتي كان البابا يؤكد فيها على رفضه الكامل لفكرة قيام دولة قبطية مسيحية في الجنوب، وفي بعض الأحيان كان يعتبر قداسته الموضوع بمثابة مُزحة لعدم منطقيته وموضوعيته.
وفي حقيقة الأمر لم تكُن فكرة تقسيم مصر نابعة من الأقباط "المسيحيين المصريين" كما يَدَّعي المُتأسلمون الذين يريدون تشويه صورة الأقباط وصورتهم ومكانتهم الوطنية المُشرِفة، ولكن الفكرة ذاتها نابعة في الأصل من مُخطط صهيوني ألصقه المتأسلمون بالأقباط، وقد أشار إلى هذا المُخطط دراسة نشرتها مجلة "كيفونيم" الإسرائيلية الناطقة بلسان المُنظمة اليهودية العالمية عام 1982، وقد قدمت هذه الدراسة تصورات موسعة لكيفية تفتيت مصر وتحويل لبنان إلى دويلات على أساس طائفي، وأكدت الدراسة وقتها أن تفتيت العراق أكثر أهمية من تفتيت سوريا بالنسبة لأمن إسرائيل، وتطرقت هذه الدراسة الإستراتيجية التي قام بنشرها الباحث الإسرائيلي "إسرائيل شاحاك" المُعادي لأفكار الحركة الصهيونية بترجمتها إلى الإنجليزية بعد أن وضع لها مُقدمة تُحذِر من المُخطط الصهيوني لتفتيت المنطقة.
ويستغرب بل ويتعجب القارئ إلى ما جاء بالدراسة فيما يتعلق بمصر، حيث وصفت الدراسة أوضاع مصر وقتها وكيف يمُكن لهذه الأوضاع الداخلية أن تـُسهِم بدور بارز في تقسيم مصر! حيث أشارت الدراسة إلى أنه توجد بمصر أغلبية سُنية مُسلمة مُقابل أقلية كبيرة من المسيحيين الذين يُشَكِلون الأغلبية في مصر العُليا (حوالي 8 مليون نسمة)، وأن الملايين من السكان المصريين على حافة الجوع نصفهم يعانون البطالة قِلة السكن، بخلاف الجيش فليس هناك أي قطاع يتمتع بقدر من الإنضباط والفعالية، وأن الدولة المصرية في حالة دائمة من الإفلاس بدون المُساعدات الخارجية التي خُصِصَت لها بعد إتفاقية السلام.
وأشارت الدراسة إلى أن إستعادة شبه جزيرة سيناء بما تحتويه من موارد طبيعية ومن إحتياطي يجب أن يكون هدفًا أساسيًا لإسرائيل! وأن المصريين لن يلتزموا بإتفاقية السلام بعد إعادة سيناء، وسوف يفعلون كل ما في وسعهم لكي يعودوا إلى أحـضان العالم العـربي، وأن إسرائيل سوف تضطر إلى إعادة الأوضاع في سيناء إلى ماكانت عليه.
أما أخطر ما في الدراسة فهو تأكيدها على أن مصر المُفككة والمُقسمة لن تُشَكِل أي تهديد لدولة إسرائيل بل ستكون ضمانًا للزمن و"السلام"!! لفترة طويلة، وقالت أن مصر بطبيعتها وبتركيبتها الداخلية الحالية (وقت الدراسة) تُعتبر بمثابة جُثة هامدة بسبب التفرقة بين المُسلمين والمسيحيين والتي سوف تزداد هذه التفرقة حِدة في المُستقبل!!
ومن المؤكد أن هذه الدراسة تهدم إية شكوك وإدعاءات بطالب قبطية بتقسيم مصر! فالأقباط لم ولن يطالبون بهذا المطلب الغريب لعدة أسباب جوهرية أولها أنهم لا يُمكن أن يتنازلوا عن الكل للمُطالبة بالجُزء! بمعنى أنه ليس من المعقول أن ينفصل الأقباط عن تاريخهم الحضاري والديني الموجود في كل ربوع مصر ليذهبوا ويقيمون لهم دولة في الجنوب! هذا غير معقول بل مرفوض من جموع المسيحيين.
ومع أنني لست من أتباع نظرية المؤامرة، إلا أنني أطالب المتأسلمين والحكومة المصرية المُتأسلمة بمراجعة نفسها ووضع أمن الوطن ووحدة أبناءه وأطيافه فوق كل إعتبار، لأنني أرى أن الحكومة المصرية نفسها تدفع بمصر دفعًا نحو التقسيم، حيث أرست قواعد التقسيم بين المصريين على أساس ديني وطائفي بوضع المادة الثانية من الدستور الخاصة بالشريعة الإسلامية في دستور البلاد، كما أنها فتحت الباب على مصراعيه للجماعات الإسلامية والمُتطرفة لإشاعة الفُرقة في النفوس وإثارة مصريين على مصريين، لدرجة أن هناك مُتطرفين ينادون بوجوب التفرقة بين المسلمين والمسيحيين في الزي والملبس، لأنه سيأتي اليوم (لا محالة) الذي سيُقاتل فيه المسلمين النصارى!!
إن الحكومة عليها أن تعلم إنها بتكريسها للطائفية والفُرقة الداخلية بالممارسات والتشريعات، فأنها وحدها التي تدفع بمصر نحو التقسيم وعليها أن تستفيق وتتخذ كافة التدابير الإحترازية والإستباقية التي تحول دون تفعيل هذا الملف على الأرض، لأنه من المُمكن في ظل هذه الأوضاع المُتردية من الإنقسام الداخلي الذي نراه ونشهد آثاره أن يكون التقسيم خيارًا مطروحًا.
فهل تتنبه الحكومة وحزبها الحاكم قبل أن تندم مصر كلها؟!!

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٥ صوت عدد التعليقات: ٢٠ تعليق