الأقباط متحدون | كُلّنا أثمار شجرة واحدة وأوراق غصن واحد
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٢٣:١٦ | الجمعة ١٤ يناير ٢٠١١ | ٦ طوبة ١٧٢٧ ش | العدد ٢٢٧٦ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

كُلّنا أثمار شجرة واحدة وأوراق غصن واحد

الجمعة ١٤ يناير ٢٠١١ - ٠٠: ١٢ ص +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

بقلم : راندا الحمامصي

نعيش في هذه الأيام حالة من الفقر الروحي والقيمي والأخلاقي ينساب داخلنا ويتغلغلنا بشاعة وقبحاً ويزداد يوماً بعد يوم، وللأسف نمارس كل شيء عدا إنسانيتا. وما حدث في كنيسة القديسين بالأسكندرية لهو صدى لهذا الفقر والافتقار لأي إنسانية ، أي دين، أي قيم لا من قريب أو بعيد ومحيت إنسانية الإنسان. قمة القبح والبشاعة فاض على أثرها أرواح أبرياء. فقلبي سكنه الحزن منذ هذا الانفجار الرهيب وانخرس القلم واختنقت كل الكلمات.
 
واليوم شعرت ببعض الراحة الروحية بعد أن تابعت القداس من الكاتدرائية بالعباسية بمصر بمناسبة عيد الميلاد المجيد للسيد المسيح عليه السلام، فبدأت أخرج من صمتى وحزني. لأُقدم خالص التعازي للشعب المصري جميعه على أحباءنا الذين كانوا فداء من أجل لحظات السلام هذه بين أفراد الشعب المصري بكل فئاته ومعتقداته ودينه وفكره وفداء لهذه الأرض التى وطئتها أقدام الأنبياء والأصفياء-فداء من أجل سلام أصغر على مستوى هذا القطر والذي هو خطوة نحو سلام أكبر على مستوى العالم-أعتقد أنه خطوة نحو السلام. ربما كنا نحتاج إلى صرخة قوية مدوية من أجل أن نستيقظ من غفوة الفتنة الطائفية التي طغت على الساحة-غفوة موروثات بالية غبية ولكن كان الثمن أهلنا وأولادنا كانت أرواحهم فداء. نعزي أنفسنا جميعاً. وعلى الصعيد الآخر أتقدم أيضاً لكل شعبنا الطيب بالتهنئة بعيد الميلاد المجيد للسيد المسيح عليه السلام ويوم جاء إلينا حاملاً السلام ليعمّ الأرجاء.
 
كثيراً ما أتساءل أي صعوبة هى في أن نعيش السلام ونتعايش به، ويكون خطوة في سبيل السلام العالمي- لماذا لا يعيش كل منا سلام داخلي بينه وبين نفسه؟ سلام داخل أغوار كل نفس، هذا السلام هو أصل السلام الخارجي-السلام مع كل من حولي، سلام مع كل بني البشر. هذا السلام هو الذي يبعث على حب الحياة ويمنحنا البهجة والأمل والمحبة .
 
سلام ينبع من داخل القلب وينزع الاحقاد والبغضاء. هذا السلام الذي يشعرك بالأمان مع كل من حولك بغض النظر عن ظروفهم وكنيتهم ومعتقدهم ولونهم ودينهم ولغتهم وفكرهم وتوجهاتهم ، تتعايش معهم في سلام. سلام داخلي تكون فيه متصالحاً مع نفسك ومتسامح مع روحك، راضٍ عنها وعن ما تقوم به من أفعال، سلام فيه تشعر أن الآخر جزء منك تفرح لفرحه وتحزن لحزنه وتتشارك معه في كل شيء وماتحبه لنفسك تحبه لغيرك. تحب نفسك وروحك كما هى كي تستطيع أن تحب من حولك كما هم عليه. إن كرهت غيرك فثق أنك تكره نفسك لأنك لن تستطيع أن تحب من حولك وأنت تفتقد حبك لروحك ونفسك ولكن ليس إلى حد الأنانية. تخلع عنك رداء الكراهية والتعصب الأعمى الذي هو الطامة الكبرى.
 
الأديان جاءت كي توحد البشر لأن أصل الدين واحد، فإن كان الدين هو سبب الاختلاف فثق أنه ليس بدين حق.
فالتّعصّبات الدّينيّة كانت من أعظم الأسباب الّتي أورثت الحروب قديمًا وما زالت للأسف . أنّ العداوة والصّراع بين أهل الأديان والمذاهب المختلفة لم يكن سببها الدّين الحقيقي بل سببها فقدان الدّين الحقيقي والاستعاضة عنه بالتّعصّبات وبالتّقاليد وبالتّفاسير الباطلة.
 
إنّ الدّين يجب أنْ يؤلّفَ بين القلوب والأرواح، ويؤدّي إلى زوال الحروب والمنازعات من وجه الأرض، ويجب أنْ يخلقَ الرّوحانيّة والحياة والنّورانيّة في كلّ إنسان. وإذا ما أصبح الدّين سببًا في العداوة والكراهية والاختلاف، فحينذاك تكون اللاّدينيّة خيرًا منه، ويكون ترك هذا الدّين هو التّديّن الحقيقي بذاته، إذ من الواضح أنّ المقصود بالدّواء هو الشّفاء، فإذا كان الدّواء سببًا في زيادة المرض فتركه أحسن وأولى. وكلّ دين لا يؤدّي إلى المحبّة والاتّحاد فهو ليس بدين.
 
منذ أوّل تاريخ البشريّة إلى يومنا هذا كفّر أتباع الأديان المختلفة في العالم بعضهم بعضًا ونسب بعضهم الباطل إلى البعض الآخر، وأخيرًا قام بعضهم بمعاداة البعض الآخر بكلّ وسائل الجّفاء والبعاد. لاحظوا تاريخ الحروب الدّينيّة تروا أنّ الحروب الصليبيّة كانت إحدى هذه الحروب العظيمة، وقد دامت مائتي سنة، كان الصّليبيون خلالها يتغلّبون حينًا، فينهبون المسلمين ويأسرونهم، وحينًا كان المسلمون ينتصرون، فيقومون على سفك دماء الصّليبيّون المعتدين وإبادتهم.
 
وكانت الحرب سجالاً مدّة قرنين بين شدّة وضعف، إلى أنْ رَحَلَ أصحاب تلك المذاهب الأوروبيّة عن الشّرق، وتركوا البلاد خرابًا يبابًا كما تترك النّيران أكوام الرّماد، ورجعوا إلى بلادهم، فشاهدوا أممهم في منتهى الفوضى والاضطراب والهياج. وخلاصة القول سمّيت هذه الحروب الصّليبيّة بالحروب المقدّسة، وكانت هناك حروب دينيّة كثيرة أخرى. فقد كان للمذهب البروتستانتي 900 ألف شهيد نتيجة النّزاع والاختلاف بين المذهبين الكاثوليكي والبروتستانتي، وكم من أرواح أزهقت في السّجون، وكم من الأسرى عوملوا بقسوة لا هوادة فيها ولا شفقة. وكان كلّ ذلك يجري باسم الدّين.
 
واعتبر المسلمون والمسيحيّون اليهود شياطين أعداء الله ولعنوهم وآذوهم وقتلوا كثيرين منهم وأحرقوا بيوتهم أو نهبوها وأسروا أطفالهم، وكذلك اعتبر اليهود المسيحيّين كفّارًا والمسلمين أعداء هدموا شريعة موسى، فكانوا يتربّصون بهم الدّوائر انتقاما، وهم إلى يومنا هذا يسبّونهم ويلعنونهم.
فعندما طلع حضرة بهاءالله من أفق الشّرق طلوع الشّمس المنيرة للآفاق أعلن بشارة وحدة العالم الإنسانيّ، وخاطب عموم البشر متفضّلاً: "كلّكم أثمار شجرة واحدة وأوراق غصن واحد".
 
فالشّجرة شجرة واحدة لا شجرتان رحمانيّة وشيطانيّة، لذا يجب أنْ يعامل بعضنا البعض الآخر بمنتهى المحبّة، فلا تعتبر طائفة طائفة أخرى شيطانًا، بل يجب علينا أنْ نؤمنَ أنّ جميع البشر عبيد الله وكلّ ما في الأمر أنّ بعضهم غافلون تجب تربيتهم، وبعضهم جهلاء يجب تعليمهم، وبعضهم أطفال تجب تربيتهم حتّى يصلوا مرحلة البلوغ. فهم مرضى فسدت أخلاقهم، ولا بُدّ من معالجتهم حتّى تتطهّر أخلاقهم. والمريض لا تجوز عداوته بسبب مرضه، وكذلك لا يجوز الابتعاد عن الطّفل بسبب طفولته، ولا يجوز احتقار الجّاهل بسبب جهله، بل تجب معالجته وتربيته وتنشئته بمنتهى المحبّة، ويجب بذل الجّهد حتّى يرتاح البشر في ظلّ الله، ويعيشوا في منتهى الرّاحة والاطمئنان والسّرور الموفور والسلام. فلنعيش جميعنا بالسلام والمحبة وكفانا المصائب والبلايا في العالم والضيق الاقتصادي والمشاكل الآخرى التى نعيشها رغماً عنا. حبي لكم جميعاً .
 
هو الله
إلهى إلهى قد اشتد الظلام الحالك على كل الممالك واحترقت الآفاق من نائرة النفاق،واشتعلت نيران الجدال والقتال فى مشارق الأرض ومغاربها، فالدماء مسفوكة والأجساد مطروحة والرؤوس مذبحوحة على التراب فى ميدان الجدال، ربَّ..ربِّ ارحم هؤلاء الجهلاء وانظر إليهم بعين العفو والغفران ،وأطف هذه النيران حتى تنقشع هذه الغيوم المتكاثفة فى الآفاق حتى تشرق شمس الحقيقة بأنوار الوفاق وينكشف هذا الظلام ويستضيئ كل الممالك بأنوار السلام. ربِّ أنقذهم من غمرات بحر البغضاء ونجّهم من هذه الظلمات الدّهماء، وألف بين قلوبهم ونوّرأبصارهم بنور الصلح والسلام، ربِّ نجّهم من غمرات الحرب والقتال وأنقذهم من ظلام الضلال وأكشف عن بصائرهم الغشاء،ونوّر قلوبهم بنور الهدى وعاملهم بفضلك ورحمتك الكبرى ولا تعاملهم بعدلك وغضبك الذى يرتعد منه فرائص الأقوياء. ربِّ قد طالت الحروب واشتدت الكروب وتبدّل كل معمور بمطمور. ربّ قد ضاقت الصدور وتغرغرت النفوس فارحم هؤلاء الفقراء ولا تتركهم يفرّط فيهم من يشاء بما يشاء. ربِّ أبعث فى بلادك نفوساً خاضعةً خاشعةً منورة الوجوه بأنوار الهدى منقطعة عن الدنيا ناطقة بالذكر والثناء ناشرة لنفحات قدسك بين الورى، ربِّ أشدد أزورهم وأشرح صدورهم بآيات محبتك الكبرى، ربِّ أنهم ضعفاء وأنت القوى القدير وأنهم عجزاء وأنت المعين الكريم، ربِّ قد تموّج بحر العصيان ولا تسكن هذه الزوابع إلا برحمتك الواسعة فى كل الأرجاء، ربِّ أن النفوس فى هاوية الهوى فلا ينقذها إلا ألطافك العظمى. ربِّ أزل ظلمات هذه الشهوات ونوّر القلوب بسراج محبتك الذى سيضيئ منه كل الأرجاء، ووفق الأحباء الذين تركوا الأوطان والأهل والولدان وسافروا إلى البلدان حباً بجمالك وانتشاراً لنفحاتك وبثاً لتعاليمك، وكن أنيسهم فى وحدتهم ومعينهم فى غربتهم وكاشفاً لكربتهم، وسلوة فى مصيبتهم، وراحة فى مشقتهم ورواء لغلتهم وشفاء لعلتهم وبرداً للوعتهم. أنك أنت الكريم ذو الفضل العظيم وإنك أنت الرحمن الرحيم. (حضرة عبد البهاء)
 
 




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :