بقلم: د. عاطف نوار
استرعى انتباهي ما تساءل الإعلامي البارز "عمرو أديب" عنه بدهشة، بل وأبدى تعجبه منه في حيرة وكأنه لا يعرف حقيقة الأمور في مصر.. فقررت أن أخصص هذا المقال ليستريح من حيرته ويفيق من دهشته.

 كان "عمرو بك" منزعجًا من أزمة الثقة التي تولدت بين الشعب والقضاء تارة، والشرطة تارة أخرى.. كان حادث مقتل الشاب السكندري "خالد سعيد" هو محور حلقة "أديب".. تناول "أديب" الموضوع من جميع جوانبه.. وتطرق للسؤال الذي فرض نفسه.. هل قُتل "خالد" بيد بلطجية الشرطة أم خنقه كيس البانجو؟؟
 وكانت إجابة "أحمد موسى" عليه أن المحامي الأول لنيابات الإسكندرية قد صرح أن "خالد" مات بالبانجو، وهذا ما جاء في تقرير النيابة.. وعلى ذلك فالقضية منتهية؛ فالنيابة قالت كلمتها وعلى الجميع الرضوخ لها.

 أخي العزيز "عمرو".. أعلم بل أثق أنك تعلم  حقيقة الأمر، ولماذا فقد الشعب ثقته في الشرطة والقضاء.. ودعني أذكرك.. هناك فرق بين الكلام المكتوب في التقارير الرسمية وبين الحقيقة.. فالكلام المنسق في تقارير النيابة يكون بناءًا على ما تقدمه الشرطة من أدلة.. وكما تعلم سيادتكم أن الشرطة لديها مهارة في إخفاء الدليل تبعًا للهدف الموضوع لها من كل عملية، تحت مظلة "قانون الطوارئ".

 ومهارة إخفاء الدليل من المهارات البارزة للشرطة المصرية، تلازمها مهارة تلفيق التُهم.. والدليل على ذلك.. أنه بعد قتل "خالد" ضربًا بأيدى مخبري الشرطة، وإلقاء جثته  على قارعة الطريق، حضر ضابط القسم وهدد كل مَنْ تسول له نفسه أن يشهد بما رآه من اعتداء وحشي على "خالد" من قِبل رجال المباحث.

 وإمعانًا في إخفاء الدليل.. لفق الضابط تهمة تعاطي البانجو لـ "خالد"، مدعيًا أنه مات خنقًا أثناء تعاطيه، وهذا ما لم يستطع الطب الشرعي  إثباته.
 عزيزي "عمرو بك".. بالتأكيد أنت تعلم أن سبب اعتداء بلطجية الشرطة على "خالد" هو خوفهم من إفشاء أمرهم في حيازتهم للمخدرات بقيادة ضابطهم، الأمر المُسجل على أسطوانة وقعت في يد "خالد".. وكما قلت لك أن المهارة والشطارة هي إخفاء الدليل.. فلو قُتل "خالد" قُتل معه الدليل إذن؛ فليقتل "خالد".
 وإليك مثال آخر أنت تعلمه.. ما حدث في مظاهرة 6 إبريل من اعتداءات وانتهاكات وحشية سافرة من بلطجية الأمن على المتظاهرين، ولإخفاء دليل إدانتهم في هذه الاعتداءات ضربوا وعذبوا الكثيرين بحثًا عن "كروت الميموري" التي تحمل هذه الاعتداءات والانتهاكات، هذا فضلاً عن تحطيم مئات من الهواتف المحمولة خوفًا من كاميراتها التي سجلت ما يفعله الأمن من أمور لا آدمية في حق بني آدم من المصريين، الذين يعبرون عن رأيهم في بلد إدعت أنها تحترم حرية التعبير.

 ولعلك تابعت لقاء "وائل الإبراشي" مع "جميلة إسماعيل" والصحفية "جانيت" والهمام "نبيل بباوي" الذي أبرز مهارة التلفيق الأمنية، مدعيًا على الشباب المتظاهر الأعزل أنه هو الذي اعتدى على الشرطة، وكسر خوذات الجنود الحديدية، كما لفق لهم تهمة تعطيل المرور في ميدان عام، بالرغم من تجمعهم فوق الرصيف ووقوف قوات الشرطة وسط الميدان.. فهل هذا أسلوب يجعل الشعب واثقًا في حماة أمنه؟

  مثال ثالث في إخفاء الدليل.. عندما أجبر الأمن "الأنبا كيرلس" أن يغير كلامه بشأن مذبحة نجع حمادي فيما يتعلق بتحريض "الغول" نائب الحزب الوطني لإبنه "حمام الكموني" -كما قال الغول عنه- على ارتكاب المذبحة.. فقد قام الأمن باعتقال وتعذيب شباب أقباط  لتتم مقايضة "الأنبا كيرلس" على  تغيير كلامه لإخفاء دليل إدانة "الغول".. و لعل ما حدث في محاضر الشرطة الخاصة بـ "فتاة فرشوط" من تلفيق وتزوير هو خير دليل على مهارة الأمن في إخفاء دليل براءة "جرجس بارومي".. أكرر تساؤلي.. هل الأمن بسلوكه هذا تجاه أبناء الشعب جدير أن يكون محل ثقة من الشعب؟؟ وماذا عن الثقة في القضاء؟
 لقد قلت بلسانك "أن البطء في العدل ظلم "، ما رأيك في تباطؤ القضاء المُتعمد في تأجيل الحكم في قضية نجع حمادي بلا داعي؟؟ ما رأيك في إصدار أحكام البراءة على مرتكبي مذبحتي الكُشح؟؟ ما رأيك في الحُكم ببراءة مرتكبي أحداث ديروط من حرق وسلب ممتلكات الأقباط ومطرانيتهم؟؟ ما رأيك في عدم مُحاكمة مرتكبى أعمال التخريب والسرقة والحريق لممتلكات الأقباط  في فرشوط؟؟

 مارأيك في الحكم على سفاح الإسكنرية بالبراءة لأنه مُختل بعد اعتدائه المُنظم على أفباط ثلاث كنائس في أماكن متفرقة أثناء الصلاة؟ هل المُختل لديه القدرة على هذا التمييز الدقيق بين ثلاث كنائس وسط مئات المساجد إلا إذا كان موجهًا بـ "الريموت كنترول"؟ ما رأيك في عدم إدانة العربان مُرتكبي مذبحة "أبو فانا" التي فاقت ما حدث في دنشواي؟؟ ما رأيك عزيزي "عمرو" في عدم إصدار أحكام بإدانة مرتكبي 160 مذبحة وحادثة للأقباط منذ عام 1971م في الخانكة إلى نجع حمادي 2010م؟؟
 أرجو أن أكون موفقًا في إزالة ما أصابك من دهشة وأوقعك في حيرة مما تولد بين الشعب وأمنه و قضائه من أزمة في الثقة.