الأقباط متحدون - كيرياليسون.. درس فى المحبة والوطنية
  • ١٩:٠٩
  • الاربعاء , ٢٤ يناير ٢٠١٨
English version

كيرياليسون.. درس فى المحبة والوطنية

مقالات مختارة | عباس الطرابيلي

٤٦: ٠٧ ص +02:00 EET

الاربعاء ٢٤ يناير ٢٠١٨

عباس الطرابيلي
عباس الطرابيلي

دائماً ما أرجئ أفضل الكتب التى تصل إلىّ لبعض الليالى الهادئة لكى أستمتع بها.. ثم لأقضى ليلة هانئة.. إلا هذا الكتاب!! نعم سمعت «عنوانه» مرات وأنا أقف بباب أكبر كنائس دمياط بجوار جامع الشيخ أطعن، أى أن الكنيسة والمسجد متجاوران.. وتلك دائماً عادة مصرية.. نادرة عند غيرنا.. ولكننى لم أتصور هذا النداء، أو الدعاء مسجلاً فوق غلاف كتاب.. ولكن فاجأنى الصديق المعجون ترابه بنيل مصر، فجاء لونه هو.. هو، هو نفسه من لون تراب مصر ونيلها عندما كان غنياً مفعماً بلون أرض «كيمت» أى مصر، السمراء.. وأقصد به الصديق الذى يجبرنى على ملاحقته: حمدى رزق، الذى رأيته لأول مرة فى بيت أشهر سفير سودانى فى مصر: البروفيسور أحمد عبدالحليم، الذى كان صالونه يضم من المصريين أكثر مما يضم من الأشقاء السودانيين.. وكنت معجباً باهتمام العزيز حمدى رزق بشؤون النيل- مثلى- وأيضاً معجباً بدقته فى كل ما يُكتب، وهذا نوع من الصحفيين المثقفين لم يعد منه باقيا، إلا أقل القليل، وهو فى مقدمتهم.

وكتابه الأخير «كيرياليسون» أرهقنى للغاية.. بل أزعجنى.. وزاد من ألمى لأنه استطاع أن يقدم لى، وللقارئ، كل ما جرى لأشقائى مسيحيى مصر.. وبالذات فى سنة حكم الإخوان.. والكتاب ليس فقط عبارة عن مقالات كتبها المثقف غير العادى حمدى رزق، ولكنه تولى بالشرح الكثير مما غلق على أغلب المصريين فى السنوات الأخيرة.. وليس تسجيلاً لمجرد التسجيل، بل ليس كما يحاول البعض استغلال ما يعلمون لكى يتكسبوا مالياً وأدبياً.. وما أكثر من تكسبوا، وأنتم تعرفونهم!.

وحمدى، هنا، يروى كل ما حدث ممزوجاً بقطرات من دم كل المصريين، هؤلاء هم الشهداء الذين سقطوا فلم نجد سوى أن ندعو لهم قائلين: كيرياليسون أى «ارحمنا يا رب»، والكتاب ليس سجلاً- فقط- لكل ذلك.. ولكنه يقدم لنا شروحاً- فى الهوامش وما أغزرها- عن تعبيرات نسمعها كثيراً ولا نجد من يشرحها لنا.. إلى أن جاء حمدى فشرحها بالتفاصيل.. ومنها مثلاً معنى هذا الدعاء المسيحى الذى يردده كل شقيق كلما دخل الكنيسة أو كلما صلى لله الواحد، ومنها ما يشرح لنا معنى المجمع المقدس، وأسرار الكنيسة السبعة، وحتى قوانين بناء الكنائس وترميمها لم يكن يعلم تفاصيلها وبالذات ما عرف بالخط الهمايونى، الذى لم يعرف تفاصيله إلا قلة من الدارسين المتخصصين، إلى أن جاء حمدى رزق فنشر نص هذا القانون بالتفصيل، وهو الذى أصدره السلطان عبدالمجيد العثمانى يوم 18 فبراير 1856- وقت أن كانت مصر ولاية عثمانية.

وقدم المؤلف «المتعب لنا ولنفسه» أيضاً كل النصوص التى صدرت فى مختلف العصور الإسلامية عن سماحة الإسلام.. وعن حسن معاملاتهم مع المسيحيين.

■ ودخل الكاتب فى قلب نقطة خلاقية حول عدد الأشقاء المسيحيين وماذا تقول الدولة من خلال التعدادات الرسمية.. وماذا يقول الإخوة المسيحيون وما نسبتهم إلى عدد المسلمين، ورغم أن الكاتب قدم هذا الخلاف فإنه لم يحسم لنا عددهم- ولسنا بحاجة إلى ذلك- إذ حتى لو كان عددهم 10 فإنهم شركاء لنا فى الوطن، بل كان زملائى فى مدرسة دمياط يخلطون بينى وأنا طرابيلى مسلم.. وبين طرابولى المسيحى، والفرق الوحيد هو حرف الياء الأولى فى اسمى وحرف الواو فى اسم الشقيق المسيحى.

■ لقد أرهقتنى يا حاج حمدى.. ولكنه الإرهاق اللذيذ.. ذلك أن متعتى الوحيدة الآن هى القراءة.. وبدرجة «دسامة» الكتاب تكون متعتى.. ولك من كل المسلمين والمسيحيين، أقباط مصر، كل الشكر على ما قدمت، وكم أرى أهمية طرح طبعة شعبية مقبولة السعر.. رغم أن الغالى «تمنه فيه».
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع