الأقباط متحدون - الهوية المصـرية
  • ٠١:٣٠
  • الثلاثاء , ٢٨ مارس ٢٠١٧
English version

الهوية المصـرية

٢٩: ٠٤ م +02:00 EET

الثلاثاء ٢٨ مارس ٢٠١٧

د. عماد جاد
د. عماد جاد

د. عماد جاد
للهوية المصرية خصوصية، جعلت مصر وشعبها متميزين فى جوانب مختلفة عن غيرهم من شعوب المنطقة، طبعت الهوية المصرية بصماتها على الشخصية المصرية التى أخذت مكوناتها الأساسية من تاريخ مصر العريق. مصر دولة عرفت الحضارة منذ فجر التاريخ، وعلى أرضها تشكّلت حضارة عريقة تمكنت من استيعاب كل وافد، وهضمت ما وفد إليها من ثقافات وحضارات، نجحت مصر عبر التاريخ فى استيعاب كل من وفد إليها. على أرض مصر نادى «إخناتون» بالتوحيد، ومن ثم عرفت مصر التوحيد قبل ظهور الديانات الإبراهيمية، كانت ملاذاً آمناً، فعلى أرضها نشأ وترعرع نبى الله موسى، ووسط أهلها عاش السيد المسيح ثلاث سنوات ونصف السنة، هرباً من بطش هيرودس الملك، ووجد على أرضها الأمن والأمان. تحولت مصر إلى المسيحية فلم تقبل أن تكون رقماً سهلاً أو بلداً ضمن بلدان تحولت إلى المسيحية، فمن مصر خرجت الرهبنة إلى العالم كله، وتمسّكت كنيسة الإسكندرية بما رأته «إيماناً حسب الكتاب»، وتبنّت المذهب الأرثوذكسى الذى يعنى السليم القويم أو الحرفى أو النصى، فى مواجهة مذاهب أخرى اعتبرها أهل مصر متساهلة. وعندما دخل الإسلام مصر، وتحول غالبية المصريين إلى الإسلام، أيضاً لم تقبل مصر أن تكون رقماً سهلاً فى المعادلة، مصر باتت قِبلَة لكل من لم يشعر بالأمان بين أهله وعشيرته، أنشأت الأزهر الذى بات قِبلة الإسلام السّنى الوسطى فى العالم، ومرجعية الإمام الأكبر، شيخ الجامع الأزهر، مقدّرة فى العالم الإسلامى، والسّنى تحديداً. فى جميع الأحوال لم تقبل مصر أن تكون رقماً سهلاً فى أى معادلة، كانت باستمرار رقماً صعباً فى المعادلة، رغم أنها لم تكن نقطة البداية أو الانطلاق فى الحالتين المسيحية والإسلامية.

تركت الهوية المصرية بصماتها الواضحة على طبيعة الشخصية المصرية، فأصبح المواطن المصرى متديناً، مسيحياً أو مسلماً، يقدر فى غالبيته الساحقة الأديان، يحترم المقدّسات، يضفى بصماته الخاصة على المناسبات الدينية فتصبح هذه المناسبات، مسيحية وإسلامية، ذات نكهة خاصة فى مصر، فعلى أرض مصر يجرى الاحتفال سنوياً بمناسبات مسيحية لا تجد مثيلاً لها فى أى مكان آخر، ومنها على سبيل المثال الاحتفال والاحتفاء بالسيدة العذراء مريم، وهى احتفالات سنوية يشارك بها المصريون، مسيحيين ومسلمين، كما أن لشهر رمضان نكهة خاصة فى مصر لا توجد فى أى بلد إسلامى آخر. الشعب المصرى متدين بطبيعته، لا يقبل فى غالبيته الساحقة إساءة إلى دين، أو مساساً بمقدس. هذه الطبيعة للهوية المصرية هى التى حفظت مصر بلداً آمناً مستقراً بصفة عامة، صامداً فى وجه أنواء وعواصف أسقطت تجارب شعوب أخرى. وفى الوقت الذى كانت فيه الطبيعة المصرية تضفى بصماتها الواضحة على كل من يفد إليها من الخارج ليقيم بين أهلها، فإن المصرى يحمل معه فى «غربته» هذه الطبيعة التى تتسم باحترام وتقدير الأديان بصفة عامة. طبعاً، ولأن لكل قاعدة استثناءً، فإن هناك فئات محدودة تشذّ عن الطبيعة المصرية، ومن ثم نجد تشدّداً وتطرفاً، يصل أحياناً إلى الشذوذ الفكرى والخروج الكامل على الطبيعة المصرية، وفى تقديرى أن التأثير السلفى الوهابى على الطبيعة المصرية جاء بفعل الهجرة إلى النفط بعد حرب أكتوبر ١٩٧٣، فقد خرج مئات الآلاف، ثم ملايين المصريين، بحثاً عن الرزق فى دول النفط، وتأثروا بالتشدّد الوهابى الصحراوى على النحو الذى ترك أثراً غائراً على وجه مصر الحضارى، وبات قطاع من المصريين يرون فى الأراضى السعودية أولوية على تراب مصر الوطنى، ويرون فى المشابه الدينى/ الطائفى فى أى بقعة من العالم، أكثر قرباً من شريك الوطن المغاير فى الدين أو الطائفة.

قد نختلف كمصريين سياسياً وفكرياً، وقد نتجادل ونساجل بعضنا بعضاً حول قضايا شتى، ومن بينها المواطنة والمساواة وطبيعة الدولة والنظام السياسى المأمول، لكن المؤكد أننا كمصريين لا نقبل بأى مساس بالأديان والمقدسات، ننتقد رئيسنا ونظامنا السياسى وكل ما يجرى على أرضنا، لكننا نرفض أى تدخل خارجى فى شئوننا الداخلية.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع