الأقباط متحدون - جرائم التهجير القسرى
  • ٢٠:٥٥
  • الثلاثاء , ٧ فبراير ٢٠١٧
English version

جرائم التهجير القسرى

مقالات مختارة | د. عماد جاد

٢٠: ١٢ م +02:00 EET

الثلاثاء ٧ فبراير ٢٠١٧

د. عماد جاد
د. عماد جاد

تشهد مصر من حين إلى آخر جريمة من جرائم التهجير القسرى لمواطن بمفرده أو هو وأسرته، وذلك بموجب فرمان عرفى وفق تقاليد القبائل، وفى حضور ممثلين عن مؤسسات الدولة المصرية وأحياناً أعضاء البرلمان من المنطقة وأيضاً رجال دين، ولا تزال تلك الجرائم ترتكب حتى يومنا هذا وعادة ما ترتكب بحق مواطنين وأسر قبطية وفى وقائع غالباً غير مؤكدة وأحياناً ما تكون مكذوبة. وتتواصل جرائم التهجير القسرى رغم حظر الدستور لذلك، فالمادة (63) من دستور البلاد الحالى تنص على «يحظر التهجير القسرى التعسفى للمواطنين بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم». كما تنص المادة (62) على أن «حرية التنقل، والإقامة، والهجرة، مكفولة. ولا يجوز إبعاد أى مواطن عن إقليم الدولة، ولا منعه من العودة إليه. ولا يكون منعه من مغادرة إقليم الدولة، أو فرض الإقامة الجبرية عليه، أو حظر الإقامة فى جهة معينة عليه، إلا بأمر قضائى مسبب ولمدة محددة، وفى الأحوال المبينة فى القانون». كما تنص مواد أخرى فى دستور البلاد على المساواة بين المواطنين بصرف النظر عن العرق، واللغة، والدين، والجنس. يحدث ذلك بينما تتواصل عمليات التهجير القسرى لمواطنين أقباط على يد مواطنين آخرين وبموجب تهديدات مباشرة أو جلسات عرفية تقضى بذلك، جلسات عرفية تتابعها الأجهزة الأمنية والتنفيذية وربما تشرف على تنفيذها فى مراحل معينة وقد تستفيد من ذلك مادياً وأحياناً معنوياً، تكشف مراجعة تاريخ عمليات التهجير القسرى لمواطنين مصريين أنها عقوبة غالباً ما تطبق على الأقباط فقط، وتبدأ بواقعة قد تكون حقيقية أو مختلقة وأحياناً تنسج حولها روايات منقولة دون التحقق منها. شهدنا فى عقد السبعينات فرار أسر قبطية من صعيد مصر وتحديداً من محافظتى أسيوط والمنيا بسبب جرائم الجماعات المتطرفة واعتداءاتها المتكررة على الأقباط وفرض إتاوات عليهم بمعرفة الأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة، وكان ذلك منطقياً فى عهد السادات الذى قام بـ«أسلمة» المجال العام فى البلاد ونشر التشدد والتطرف، بل عهد لرجاله بتأسيس جماعات متطرفة وإمدادها بالسلاح كما حدث فى حالة الجماعة الإسلامية فى أسيوط فى بداية السبعينات.

استمر الأمر كذلك طوال عهد مبارك وبلغ الذروة فى زمن المرشد والجماعة وتحديداً بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١، فقد أطلقت يد الجماعات المتشددة كى تعيث فساداً فى المجتمع المصرى، فتهدم الكنائس وتقطع أذن مواطن وتقص «شعر» النساء فى المترو ثم تتوسع فى عملية تهجير الأسر القبطية. ودخل على الخط بلطجية وقُطاع طرق استخدموا عامل الدين فى الاستيلاء على ممتلكات أسر قبطية، ونذكر هنا واقعة تهجير أربع أسر قبطية من «العامرية» بالإسكندرية تحت دعوى إقامة مواطن مصرى قبطى علاقة جنسية مع مواطنة مصرية مسلمة، وقضت الجلسة العرفية بطرد عائلة كبير الأقباط من القرية، الرجل لا علاقة له بالواقعة ولكن الجلسة العرفية قضت بترحيله وتفويض مواطنين من القرية فى بيع ممتلكاته ورد ثمنها إليه لاحقاً. ولا تختلف واقعة قرية «درويش» التابعة لمحافظة الفشن ببنى سويف عن وقائع تهجير الأقباط بموجب جلسات عرفية سوى فى التفاصيل، فالرواية هذه المرة أن شاباً من القرية يعمل فى الأردن نشر على صفحته بـ«فيس بوك» ما يعتبر إساءة للإسلام، وجرى نشر الرواية فى القرية، وهب الأهالى دفاعاً عن الإسلام فجرى حرق منازل لأسرة الشاب، وتدخل عمدة القرية ووقع غرامة على أسرة الشاب قدرها ربع مليون جنيه، وفى تقديرى أن استمرار انتهاك الدستور والقانون فى كل القضايا الخاصة بالأقباط أمر لم يعد يُحتمل لاسيما فى ظل نشاط الأجيال الجديدة من الأقباط وضغوطهم على الكنيسة وعدم تقدير موقف الأخيرة المبنى على حسابات معقدة.

فى تقديرى أن القضية لم تعد تحتمل التأجيل، لا بد من تفعيل المادة (63) من الدستور المصرى، وتوجيه المسئولين فى الأجهزة الأمنية والتنفيذية بضرورة تطبيق القانون وإلغاء الجلسات العرفية، كما قلنا مراراً وتكراراً الحل فى «دولة القانون ذات الهيبة»، والأمر هنا يتوقف على الإرادة السياسية، هل هناك رغبة حقيقية فى تطبيق الدستور والقانون ومواجهة التمييز بين المصريين حقاً.. أم أن الدساتير حبر على ورق ومن ثم تتواصل معاناة المصريين من أشكال وأنواع من التمييز وأخطره الدينى؟.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع