الأقباط متحدون - تعرية سيدة.. سيناريو تخيلى
  • ١٣:٣٢
  • الثلاثاء , ٧ فبراير ٢٠١٧
English version

تعرية سيدة.. سيناريو تخيلى

مقالات مختارة | لطفى سالمان

١٨: ١٢ م +03:00 EEST

الثلاثاء ٧ فبراير ٢٠١٧

لطفى سالمان
لطفى سالمان

قبل مشهد الاقتحام، تخيلتها تجلس منزوية فى حجرتها، مرمية على الأرض كأنها تنتظر قدرها، فاقدة الوعى، تتمنى لو أنها أحاطت قدميها وجسمها كله بأسلاك شائكة وبوابة لا ينفك مزلاجها، وإن انفك يصدر صريراً يزيل من على كتفيها همومها.. كانت صامتة (الخوف المرادف الحقيقى للصمت). تمنت لو أنها لم تعِش اللحظة. شعرت ببرودة الليل، الجو كان خانقاً ومؤذياً.. أزاحت ستائرها، وعاودت الصمت. العجائز أكثر قدرة على الحكى والصمت معاً. اختنق صدرها، تذكرت حوادثها المشابهة، وانزوت مجدداً فى ركن الغرفة، لتستعد لمشاهد لن تنساها مهما كان احتضارها صعباً ومؤلماً.

الليل أكثر بؤساً على الخائفين، وأكثر أمنا على السفلة. الجريمة ارتبطت بالليل، إلا فى مصر قد تحدث فى وضح النهار. الجريمة الشىء الوحيد الذى لم يعد بيروقراطياً لدينا. كل شىء فى مصر مباح، طالما كان سافلاً.. التحرش، السادية، النفاق، كل شىء.. مصر مشرحة جاهزة لاستقبال أكبر عدد من موتى الضمير (القتلى الحقيقيين).. الكل يعرف، ولا أحد يود أن يصدق.

تجمعوا. القتلى لا يتحدثون كثيراً. تنتابهم رغبات سادية، تدفعهم لإصدار وشيش يملس من على الأرض خطاياهم. تجمعوا كأفراس النهار الرابضة فى انتظار الليل، كجنادب الماء، لكنهم لم يصدروا طنينهم المعتاد.. القتلى أكثر حنكة من الإعلان عن أنفسهم، لكن لديهم من الغباء ما يكفى للإعلان عن حجم ذنوبهم فى تباهٍ عجيب.

الطائفية فى مصر أشبه بحروب البيلتزكريج الألمانية، خاطفة لكنها مروعة، سريعة لكنها مؤذية.. الطائفية الشىء الوحيد الذى يبقى قادراً على تحريك المصريين لغزو مدن بأكملها.

كم كنا أبرياء، وكيف أصبح بيننا كل هذا الكم من المازوخيين؟!

فى البداية كسروا الأبواب. بحثوا عنها، عن صمتها. كانت منزوية فى غرفتها.. صرخت حينما تجمعوا حولها. لم يسمعها أحد.. الصرخات المكتومة أكثر قسوة من الضرب المبرح. وجدوها، وجدوا روحها. لم يجدوا فيها شيئاً: أسنانها قديمة ومتهالكة. تغضنات وجهها توحى بأنها غُمرت فى ماء دبق، كجلد ماعز هُيَّئ للدباغة.. أخذوا يخمشون موطن عفتها بمؤخرات بنادقهم، جردوها من ملابسها، جروها على الأرض.. ابتسموا ابتسامة سادى انتهى لتوه من إفراغ شحنة كبيرة من خرائه.

نزلوا بها على السلالم. كانت تصرخ، تئن.. القتلى لا يسمعون ولا يفهمون.. القتلى نماذج صغيرة من الديكتاتورية الموروثة. لم يجرؤ أحد على الوقوف فى وجوههم. أصبح الجميع جبناء بما يكفى. نظرت لهم بوجه تملؤه الرضوض، وصرخت. لم يسمعوها. لم يفهموها. تبولوا عليها وانصرفوا.

بقيت كثيراً صامتة، كأنها لتوها تتعلم الكلام مجدداً. بقيت كثيراً فى العراء.. لفح الهواء وجهها، أفاقت بعدما شعرت ببرودة الجو. أصعب ما يمكن أن يحدث لمرأة، تعريتها. بكت وبكت.

(السيناريوهات التى تكتب من وحى الخيال، أحياناً ما تكون أقل ألماً من الواقع، لكنها قد تكون أكثر بؤساً من الحقيقة. فى مصر، جرى تعرية سيدة فى وضح النهار، أمام حشد من الناس، دون أن ينصفها أحد).
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع