الأقباط متحدون - الأزهر والرئاسة
  • ٠٥:٣٤
  • الثلاثاء , ٧ فبراير ٢٠١٧
English version

الأزهر والرئاسة

مقالات مختارة | د. محمود خليل

١٩: ١٢ م +02:00 EET

الثلاثاء ٧ فبراير ٢٠١٧

د. محمود خليل
د. محمود خليل

«.. وتتمنَّى هيئةُ كبار العلماء على مَن «يتساهلون» فى فتاوى الطلاق، على خلاف إجماع الفقهاء وما استقرَّ عليه المسلمون، أن يُؤدُّوا الأمانةَ فى تَبلِيغ أحكامِ الشريعةِ على وَجهِها الصحيح، وأن يَصرِفوا جُهودَهم إلى ما ينفعُ الناس ويُسهم فى حل مشكلاتهم على أرض الواقع؛ فليس الناس الآن فى حاجةٍ إلى تغيير أحكام الطلاق، بقدر ما هم فى حاجةٍ إلى البحث عن وسائل تُيسِّرُ سُبُلَ العيش الكريم». هذا جزء من بيان هيئة كبار العلماء بشأن إقرار الطلاق الشفوى دون اشتراط إشهاد أو توثيق. وتقديرى أنه الجزء الأخطر فى البيان. الأزهر هو الجهة المسئولة عن حسم الجدل الذى ثار -خلال الأيام الماضية- حول مسألة توثيق الطلاق، هذه مسألة ليست محل خلاف، والمتوقع من الأزهر فى هذا السياق أن يراعى فى مثل هذه الفتاوى والأحكام ظروف وملابسات العصر وما يستجد فيه من أحداث، وما تقتضيه المعاصرة من مرونة فى التفكير والتعاطى مع المسائل الدينية، لكن ثمة نقطتين من المهم أن نتوقف أمامهما فى هذه الفقرة، تتعلق أولاهما بموضوع «المتساهلين فى فتاوى الطلاق»، وتتصل الثانية بمسألة «العيش الكريم».

نبدأ بنقطة «المتساهلين فى فتاوى الطلاق»، وتقديرى أن البيان يقصد بهذه العبارة بعض الأصوات التى أفتت بغير ما أقره الأزهر فيما يتعلق بالطلاق الشفوى، وبعض هؤلاء من خريجى الأزهر، ومن دارسى العلوم الشرعية، والغمز فى رأيهم فى هذا الموضوع يعنى ببساطة أن الأزهر يتحفظ على أية اجتهادات لا تخرج عن دوائره الرسمية. وفضيلة الإمام يعلم أكثر منا جميعاً أنه لا كهنوت فى الإسلام، وأنه لا ضير من الاستماع إلى آراء أخرى فى نفس الموضوع، طالما كان لها ما يسندها على المستوى الشرعى. والصياغة التى جاء بها البيان فى هذا السياق، تجعلنا نحتار فى موقف الأزهر من مسألة الاجتهاد، رغم ما لها من قيمة وأهمية فى تأكيد دور الدين فى الحياة، على عكس ما يظن البعض. فالفتاوى الجامدة تؤدى إلى زهد الناس فيها، بسبب عدم مواءمتها لظروف العصر، وعدم استجابتها لمستجداته.

ويعيدنا حديث «بيان هيئة كبار العلماء» عن موضوع «العيش الكريم» من جديد إلى مربع التداخل بين الدين والسياسة الذى لم نستطِع الخروج منه عبر العقود الطويلة الماضية. عبارة «العيش الكريم» تحمل غمزاً فى أداء السلطة التنفيذية التى لا تستوعب أن العامل الاقتصادى من العوامل المهمة التى تؤدى إلى شيوع الطلاق، وهو كلام سليم فى ظاهره، لكنه يحمل فى باطنه رداً على تدخل الرئاسة فى الأمر، وطرح موضوع توثيق الطلاق خلال أحد خطابات رئيس الجمهورية فى حضور شيخ الأزهر. وكما تحفظت على تدخل جهات سياسية فى الأمور الدينية، أجدنى متحفظاً الآن على تدخل تدخل جهات دينية فى أمور سياسية. كان يكفى جداً أن يثبت البيان الرأى الشرعى، ويدلل عليه ودمتم، أما التطرق إلى أمور ليست من اختصاص الأزهر فإنه يعنى زجاً بالدين فى حلبة السياسة. وليس يليق بالأزهر أن يؤدى على هذا النحو. أشعر أحياناً أن مشكلة هذا البلد جوهرها أن المسئول يؤدى بنفس منطق المواطن العادى الذى يجيد تقمص أدوار المدرب واللاعب والحكم وحتى المعلق وهو يشاهد مباراة كرة قدم!.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع