الأقباط متحدون - نرمين يسر تكتب في ذكراه الثامنة: على اسم « يوسف شاهين» تاريخ السينما يقدر يقول ما شاء
أخر تحديث ٠٨:١٧ | السبت ٣٠ يوليو ٢٠١٦ | أبيب١٧٣٢ش ٢٣ | العدد ٤٠٠٥ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

نرمين يسر تكتب في ذكراه الثامنة: على اسم « يوسف شاهين» تاريخ السينما يقدر يقول ما شاء

يوسف شاهين
يوسف شاهين

يوسف شاهين، فقط ضع الإسمين بجانب بعضهما أمامك، ثم أطلق لذاكرتك بعدها العنان، ودع روحك تتكفل بالباقى، وسوف تكتشف أن الموضوع أكبر مما تتصور، أكبر من مجرد مخرج كبير أعطى عمره لعشقه الأوحد.. السينما، أكبر من مجرد فنان قد تتفق معه أو تختلف، قد تفهم افلامه أو لا تفهمها، قد تراه عبقريًا أو تراه مجنون رسمى، قد تفخر بكونه المخرج المصرى الوحيد الذى استطاع وضع إسمه على خريطة مخرجى السينما العالميين لعدد لا يستهان به من السنوات أو ترى أنه إهتم أحيانًا فى أفلامه بإرضاء جمهوره فى الخارج على حساب جمهور الداخل، الموضوع أكبر من ذلك بكثير، الموضوع أنك بصدد فنان بمجرد أن وعيت عينه على الدنيا قرر أنه حيعمل سينما، وعمل سينما، وظل حتى يومه الأخير يقوم بتحويل حياته إلى أفلام، يضع تجاربه الحياتية فى مكنة الخيال من هنا فتطلع على هيئة أفلام من هنا.

إنه يوسف شاهين.. روح السينما وقلبها الذى لم يكف عن النبض لأكثر من نصف قرن من الابداع السينمائي، الحائز على جائزة السعفة الذهبية من مهرجان كان عن مجمل أعماله، والذى تحل اليوم ذكرى رحيله الثامنة لنتأكد أنه أبدًا لم ولن يرحل.
 
الرجل الذى يهمه الإنسان.. ولو مالوش عنوان
  ربما أكثر ما يميز شاهين أنه شبه أفلامه، فالسينما عنده متعة وجنان، إلا أنه جنان مقنن، جنان تحكمه حزمة من الأفكار الأساسية الأبعد من جنسية أو حدود أو لغة، فشاهين يرفض فكرة الحرب والإحتلال عمومًا، لهذا أخرج أفلام "الوداع يا بونابرت" عن الإحتلال الفرنسى لمصر و"جميلة" عن الإحتلال الفرنسى للجزائر و"اسكندرية ليه" و"الأرض" عن الإحتلال الإنجليزى لمصر، وفيما يخص الإحتلال فهو ليس احتلال جيوش فقط، وإنما هو أيضًا قد يكون احتلال عقلى لأفكار همجية ومتخلفة تفرض نفسها على عقولنا، ربما بشكل اسوأ من الإحتلالات العسكرية، كما فى فيلم "المصير" حيث العقول المحتلة بالأفكار المتطرفة والمتخلفة والتى تحيطنا تجلياتها المتعددة الآن على هيئة جماعات سلفية متطرفة تعيث فى العقول خرابًا وفى البلاد فسادًا، وكما فى فيلم "الآخر" حيث التطرف بات واضحًا بعد أن أطلق لحيته وارتدى جلابية وأمسك فى يده برشاش آلى ليقتل به بطلى الفيلم "آدم وحنان" وكل من يختلف معه فى الرأى.

 
  يمكنكم مشاهدة إحباطه من الثورة التى لم تحقق ما حلمنا به فى "عودة الإبن الضال" بمشهد نهايته المتفرد والخاطف والجرىء حيث المجزرة العائلية التى لم يعتد عليها المشاهد المصرى الذى اعتاد على النهاية السعيدة حيث البطل والبطلة لازم يتجوزوا والمشاكل كلها تجد لها حلًا. ربما لهذا تعاون معه فى الفيلم أحد كبار المحبطين من الثورة، المكتئب الأعظم "صلاح جاهين".
 
  شاهين كان يؤمن أيضًا بأن هناك ضياع نفسى ما اعترى المجتمع المصرى، لهذا صنع فيلم الاختيار من تأليف نجيب محفوظ والذى يدور حول جريمة قتل غامضة قام بها الكاتب المشهور ضد شقيقه التؤام بسبب معاناته من الشيزوفرينيا والتشتت اللذان عانى منهما المجتمع كله بعد النكسة.
 
  ولأن الفيروس السلفى المتطرف المتمسح بالدين كذبًا وزورًا وبهتانًا لا يكره فى حياته شيئًا أكثر من كل ما يخص الفن والثقافة، لذلك كان شاهين على موعد فى 1995 مع البهدلة فى المحاكم بسبب قضية حسبة همجية من أحد النكرات على فيلمه المثير للجدل "المهاجر" من منطلق أنها قصة سيدنا يوسف، إلا أن القضاء انتصر للفن والإبداع، خاصةً بعد تضامن كل الفنانين الكبار معه وذهابهم بجواره إلى المحكمة مما أعطى القضية زخمًا وأخرجها من بند هجمة متطرفة على فيلم إلى بند هجمة متطرفة على الفن كله.
 
مغامرة أن يكتشفك كبطل لأفلامه
  اعتاد شاهين تقديم الوجوه الجديدة فى جميع أفلامه، ربما لإيمانه بأن السينما ليست حكرا على المشاهير المحترفين فقط، وربما لمجرد إضفاء الإختلاف على أفلامه، وربما ليقينه الحقيقى بأن لا فارق بينه وبين وجه جديد يقف امام الكاميرا لاول مرة طالما يجمعهما معًا عشق السينما. وفى هذا الصدد قدم العديد من الأسماء التى نستطيع تقسيمها إلى 3 فئات مختلفة:
 
   الفئة الأولى: فئة من استطاعوا استغلال فرصة وضع اسمهم كأبطال على تتر فيلم من اخراج يوسف شاهين وطوروا من أدائهم واكملوا مشوارهم بنجاح. يأتى على رأس هذه الفئة طبعًا بطله الأقرب إلى قلبه والذى لو لم يعتزل التمثيل نهائيًا لما تنازل شاهين عنه أبدًا.. محسن محيى الدين. بطل المراهقين ببثور حب الشباب التى تملأ وجهه، والذى وجد شاهين فيه ضالته التى يبحث عنها، حتى أنه اختاره ليجسد دوره هو شخصيًا اثناء فترة مراهقته فى دور يحي شكرى مراد فى فيلم اسكندرية ليه بعد ان فشل فى  اداء مشهد من مسرحية هاملت مكون من ثلاث صفحات خلال دقيقة واحدة كما طلب منه شاهين، إلا أن شاهين كان متأكدا من نجاح محسن في اداء دوره هو شخصيا فى رباعيته الذاتية الإسكندرانية.


ويعد خالد النبوى هو الوجه الرسمى لأفلام يوسف شاهين بعد ذلك، حيث حصل على أولى بطولاته فى فيلم المهاجر فى دور "رام" لينطلق بعده الى عالم السينما المصرية والعربية وصولا الى العالمية. ثم هانى سلامة الذى بدأ كوجه جديد من خلال فيلم "المصير" ثم كبطل لفيلم الآخر ثم كبطل لعدة أفلام استطاع من خلالها الخروج من عباءة يوسف شاهين حتى أصبح هانى سلامة الذى نعرفه الآن.
 

   الفئة الثانية: فئة من لم يعملوا مرة أخرى إلا من خلال شاهين فقط. مثل الطبيب ورجل الاعمال الشاب احمد محرز الذى حصل على أول وآخر بطولة له مع شاهين فى دور "على" فى فيلم "عودة الإبن الضال" قبيل اختفائه عن الاضواء حتى عودته مجددا بعد 25 عامًا كضيف شرف من خلال فيلم "سكوت هانصور".
 
وسيف عبد الرحمن الذى يعد من اكثر الوجوه تكرارا على شاشة افلام شاهين حيث منحه ادوار بطولة لا يحلم بها من هم اكثر منه موهبة وحضورًا امام الكاميرات، كالبطولة فى أفلام فجر يوم جديد والعصفور والبطولة الثانية فى فيلم الإختيار ثم توالت اعمال سيف عبد الرحمن امام كاميرا يوسف شاهين لاحقا فى 11 فيلما حتى اكتفى بالادوار الثانوية فى عدة اعمال منفصلة عن يوسف شاهين فيما بعد.
 
    الفئة الثالثة: من لم يتقبلهم الجمهور للوهلة الأولى وجلسوا فى منزلهم بدون عمل لفترة حتى عادوا بقوة بعد تقاعد مؤقت ليؤكدوا لنا أنهم ممثلون كبار ليعودوا الى الكاميرات مع مخرجين آخرين بخلاف يوسف شاهين. وعلى رأسهم طبعًا المبدع عمرو عبد الجليل الذى قدمه شاهين فى اسكندرية كمان وكمان إلا أن الجمهور لم يتجاوب معه كثيرًا واعتبره وقتها ممثلًا ثقيل الظل، حتى عاد ليؤكد لنا أنه فتوة تمثيل وأنه قادر على توقيعنا على الأرض من الضحك.


وأحمد وفيق بطل فيلم "سكوت هانصور" أمام لطيفة فى دور "لمعى" اللزج، وربما لتمكنه من أداء دوره الذى ينبغى على الجمهور أن يكرهه فيه كرهه الجمهور فعلًا وقتها لينقطع عن شاشة السينما ما يقارب ثمان سنوات قضاها بين الاعمال الدرامية التلفزيونية واحيانا المسرحية ليعاود ظهوره مجددا كممثل متألق ننتظر أدواره لنعرف أننا سوف نستمتع بتمثيل عالى.
 
غيلان تمثيل أعاد اكتشافهم من أول وجديد
  على الرغم من اقبال يوسف شاهين على اكتشاف الوجوه الجديدة الا انه اعاد اكتشاف عظماء السينما من خلال تقديمهم ادوارا مختلفة عما اعتادوا تقديمه من قبل ومن ابرزهم الفنان الكبير والعظيم محمود المليجى، الذى رأيناه فى دور محمد أبو سويلم فى فيلم الارض كما لم نراه من قبل، واثمر تعاونهما السينمائي عن 10 افلام يعدون الاشهر فى رحلة شاهين السينمائية على الاطلاق بدء من شخصية ابو سويلم مرورا بدور جونى فى العصفور ودور الجد فى عودة الإبن الضال ودور المحقق فى الإختيار وصولا الى دور والد شاهين نفسه فى ثلاثيته الذاتية.
 
  بالإضافة إلى يحيى شاهين فى فيلم الأرض، وفريد الأطرش فى فيلم انت حياتى الذى يعد بمقاييس زمنه سبقًا فنيًا فى عالم السينما، وهدى سلطان فى عودة الإبن الضال، ويسرا التى كانت نجمة بالفعل إلا أنه منحها بريقًا فنيًا مختلفًا، وأحمد فؤاد سليم البطل الثابت فى معظم أفلام شاهين الأخيرة، والذى إذا ما تعمقت فيه اكتشفت أنه نفس قطعية زكى رستم، ممثل كبير وغول تمثيل لم يكن ينقصنا إلا الإنتباه له.
 

وما الحياه إلا مأساة موسيقية على هيئة فيلم
  ثقافة شاهين موسوعية وليست سينمائية فقط، فهو فاهم موسيقى كويس ومحب لها، لهذا ترسخت موسيقاه وأغانى أفلامه فى ذاكرتنا وأذهاننا لتصير جزء مهم من هوية العمل السينمائي لما تمثله من رؤية جمالية مرتبطة بالصورة حتى أنه الوحيد الذى كانت تصدر لأغانى أفلامه ألبومات كاسيت بإسمه هو وليس بإسم المطربين.. مثل ألبوم أغانى أفلام يوسف شاهين الذى أنتجته شركة "سونار" فى الثمانينيات. واعتاد شاهين ان يوحى للمؤلف الموسيقى بالحالة الموسيقية التى تجول فى خاطره اعتمادًا على المشهد المصاحب للموسيقى، فلكل نوعية من المشاهد موسيقاها المميزة، واستطاع توظيف الموسيقى كعمل درامى فى حد ذاته وربما اعجبه لحن ما ظل يطن فى اذنه الموسيقية ليبدأ بكتابة مشاهد سينمائية تتفق مع مايدور فى رأسه العبقرى من موسيقى. ومن عمالقة الموسيقى الذين وضعوا لشاهين موسيقى افلامه إبراهيم حجاج  فى "ابن النيل" وفؤاد الظاهرى فى "صراع فى الوادى" و"باب الحديد" وعلى اسماعيل فى "الأرض" وعمر خيرت فى "اليوم السادس" و"سكوت هنصور" وجمال سلامة فى "حدوته مصرية" و"محمد نوح" فى المهاجر والأخوين رحبانى فى بياع الخواتم.
 

 وبالنظر إلى الأصوات التى اختارها يوسف شاهين لتغنى أغانى أفلامه، محمد منير فى حدوتة مصرية واليوم السادس والمصير، ماجدة الرومي فى عودة الابن الضال، الشيخ إمام فى العصفور، فيروز فى بياع الخواتم، على الحجار فى الآخر، لطيفة فى سكوت هنغنى، سوف تكتشفوا أن أغنية الفيلم عند شاهين جزء مهم وحيوى جدًا من نسيج الفيلم نفسه، لا تنفصل عنه ابدًا. حتى أن بعض أفلامه تعتبر أفلام موسيقية غنائية بالكامل، مثل بياع الخواتم لفيروز، ومثل عودة الإبن الضال الذى تصدرت أفيشه تحت إسم الفيلم جملة "مأساة موسيقية".

أقوال شاهينية مأثورة
  ربما كان شاهين هو المخرج الأكثر تميزًا فيما يخص القدرة على اقتطاع جمل من حواره لتصبح بمثابة القوال المأثورة، جمل علقت بأذهاننا بعد أن تحولت الشخصيات التى قالتها إلى شخصيات من لحم ودم وليست مجرد أدوار مكتوبة على الورق. وربما من سخرية الأقدار أن يفشل فيلم مثل "باب الحديد" وقت عرضه الأول فى السينما، يفشل إلى الحد الذى تم فيه تكسير بعض السينمات، ثم بعدها بسنوات، يصبح الفيلم جزء من ذاكرتنا، لتتحول مأساة قصة حب قناوى لهنومة إلى ما يشبه قصص حب روميو وجولييت وقيس وليلى.
 
"عشان كنا رجالة ووقفنا وقفة رجالة"، والتى جاءت على لسان محمد ابو سويلم او محمود المليجى فى الفيلم الأيقونة الأرض.
 
"الراجل أبو سويلم دا مش حيجيبها لبر.. بيحفر قبره بإيده"، وهى تقريبًا جملة البداية فى فيلم الأرض، وتكمن عبقريتها فى تقديمها لشخصية البطل منذ الدقيقة الأولى، حتى قبل أن يظهر ابو سويلم نفسه.
 
"قول يا يحيى.. مصر حتفضل غالية عليا.. مصر حتفضل غالية عليا"، والتى قالها محسن محيى الدين لأخيه الأصغر فى فيلم "الوداع يا بونابرت" قبل ثورة المصريين على افحتلال الفرنسى.
 
"عارف فى نهاية العالم حتقابل مين؟ حتقابل نفسك.. وانا عايز لما اقابلها ابقى سكران طينة"، قالها عزت العلايلى فى فيلم الإختيار.
 
"وعايزنى اكسبها؟"، ربما كانت اشهر جمل حوار فيلم اسكندرية ليه والتى محمود المليجى لأحمد زكي المعتقل سياسيا.
 
"أورشليم فى اسوأ حال يا عظمة السلطان.. لم يعد لها أمل غيرك"، فيلم الناصر صلاح الدين والذى بسببه اصبح صلاح الدين عندنا هو أحمد مظهر.
 
"الأفكار ليها أجنحة محدش يقدر يمنعها من الطيران"، قالها شقيق الخليفة سيف عبد الرحمن للخليفة المنصور أو محمود حميدة فى فيلم المصير.
 
"اللى مالوش خير فى حاتم مالوش خير فى مصر"، قالها حاتم امين الشرطة أو خالد صالح فى اخر افلام شاهين "هى فوضى"، الفيلم الوحيد الذى تم كتابة اسم مخرج آخر الى جانب اسمه.. تلميذه خالد يوسف.



More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter