الأقباط متحدون - «الفتة» الطائفية
أخر تحديث ١٤:٠٤ | الأحد ٢٩ مايو ٢٠١٦ | ٢١بشنس ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٤٣ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

«الفتة» الطائفية

أشرف عبدالغنى
أشرف عبدالغنى

إلى عمتى «سمرية»، وشقيقى فى درب الصبا «شهيد رتيب»، وصديقى الذى خرجت به من تجربة الرجال بالجيش «رومانى صبحى مسدارى بسخرون»: والله، لن يقدروا على تعكير «المحبة»، ولو سكبوا على نقائها وصدقها كل زيوت الحقد والكراهية. يا عمتى «سمرية»: ستبقين أماً وحضناً روى قلبى بالتسامح والرضا وحب الحياة، ويا شقيقى «شهيد»: سأظل محتمياً بك ومدافعاً عنك عندما تشتد «العركة» مع العيال فى الدرب، ويا صديقى «رومانى»: سنظل نأكل بـ«معلقة واحدة». «نشيل بعضنا» فى الخدمات. ونتبادل - بمنتهى التلقائية - الحكايات والطموحات.. والملابس الداخلية.

أبداً، ليست تلك الكلمات مجرد «مقدمة شخصية» لـ«مقال عابر» فى «أزمة متكررة»، وإنما هى - كما أتصور - حالة عامة موجودة داخل كل مصرى متدين بشكل «حقيقى».. وليس بـ«الادعاء». متدين ترتقى به ديانته - عبر الفهم الصحيح لها - إلى حد المحبة والتسامح والتعايش مع الآخر.. أياً كان هذا الآخر، ولا يجرجرنا معه - بالفهم الغبى والمتغابى - إلى مستنقع الكراهية العمياء التى تهدم ولا تبنى.. تحرق ولا تطفئ.. تدفع صاحبها إلى النار ولا تهديه إلى أى جنة.

خرجت القصة الأزمة - كالمعتاد - من محافظة المنيا (ملحوظة: هذه الظاهرة تستحق الدراسة والمواجهة)، وتعاملنا معها - كالمعتاد - على اعتبار أننا أمام «فتة» وليس «فتنة» طائفية. الجميع يزايد على الجميع، وفى غضون دقائق.. حولت شبكات «التفرق» الاجتماعى كمّاً مرعباً من الشائعات - أبداً لا أنفى الواقعة - إلى حقائق لا تقبل أى شك فى عقول مريضة، وخرج المتطرفون من الجانبين - وكأنهم فى حرب مقدسة - بالشتائم والبذاءات ومستودعات البارود التى بداخلهم ليفجّروا «الفتنة»، رغم أن الأزمة كانت فى سبيلها إلى الهدنة والهدوء. فجروها مع سبق الإصرار والترصد، وليذهب الوطن - بمواطنيه - إلى أقرب جحيم.

أنظر إلى هؤلاء الزاعقين المتمسحين فى الإسلام بإخوانهم وسلفييهم ومسمياتهم المختلفة «شكلاً لا مضموناً». لطالما ادّعوا الدفاع عن الشرف والعفة والكرامة الإنسانية. يقولون لك: هكذا علّمنا الإسلام، بغض النظر عن ديانة المعتدَى عليه أو عليها. ومع الأزمة، لا تجدهم يكتفون بدفن رؤوسهم فى الرمال، وإنما يدفنون «أنوفهم» فى الأزمة - من تحت لتحت - ليزيدوها اشتعالاً وفوضى تحت راية الإسلام.. والإسلام منهم برىء «براءة الذئب من دم ابن يعقوب».

على الجانب الآخر من نهر «الفتة».. أو الفتنة، تجد ناشطين ومزايدين لا أول لهم ولا آخر. يخرجون علينا - من بلاد برّه غالباً - ببيانات سابقة التجهيز، من أول الحديث عن الاضطهاد.. وحتى المطالبة - بحقارة - بالتدخل الدولى لحماية الأقلية فى مصر. أولاً: من قال لكم أيها المتآمرون إن هناك أقلية فى هذا البلد.. الجميع هنا «أصحاب بلد»، مهما صوّرت لكم عقولكم المريضة. ثانياً: هل أصبحتم أكثر حرصاً على أقباط مصر من قداسة البابا؟. الرجل خرج فى بيانه الأول عن الأزمة - وبمنتهى الوطنية - ليطالب الجميع بقطع الطريق أمام أى محاولة لإشعال فتنة. ثالثاً: إذا كان هناك متطرفون يجب محاكمتهم بتهمة «بث الكراهية».. فأنتم فى مقدمة هؤلاء.

لا ينكر وجود الأزمة إلا مغيَّب أو راغب فى أن تبقى ناراً متقدة تحت الرماد، غير أن الفتنة عنصرية.. والعنصرية - سواء بالجنس أو اللون أو الدين - موجودة فى كل بلاد العالم، حتى فى الولايات المتحدة الأمريكية نفسها. انظر إلى حديث الرئيس الأسبق جيمى كارتر عن المرشح «المتطرف» فى الانتخابات الرئاسية دونالد ترامب: «إنه يستغل برميل العنصرية المتأصلة فى المجتمع الأمريكى».

إذن، الأزمة موجودة.. وستبقى، ومعها تبقى المهمة الشاقة فى الإجابة عن هذا السؤال: كيف نواجهها ونبقيها فى الحدود الآمنة؟. من وجهة نظرى هناك ثلاثة أسباب رئيسية للأزمة.. وثلاثة طرق رئيسية للمواجهة. الأزمة وطرق مواجهتها باختصار: فى الخطاب المتطرف - أو المتشدد على أقل تقدير - داخل الجامع والكنيسة على حد سواء.. وفى الجهل والفقر والمرض الذى تحول إلى «حاكم بأمره» فى معظم قرى الصعيد.. وفى الغياب المتزايد لـ«روح مصر» التى ما زالت تعانى - بعد ثورتين - من تحطيم الثوابت والمبادئ وأخلاق المجتمع.

فلنحافظ على مصر بـ«التعليم.. والتنمية.. والقانون».
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع