الأقباط متحدون - عقيدة أوباما: ملاحظات جوهرية
أخر تحديث ٠٨:٤٤ | الثلاثاء ٢٦ ابريل ٢٠١٦ | ١٨برمودة ١٧٣٢ش | العدد ٣٩١٠ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

عقيدة أوباما: ملاحظات جوهرية


بقلم: د. جهاد عودة استاذ العلوم السياسية - جامعة حلوان

فى الشرق الأوسط الآن صراع بين عقيدتين استراتيجيتين: عقيدة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، وعقيدة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز سلمان، وكل عقيدة تحشد قواها للصراع الإقليمي والدولي.

يرى الدكتور السعودي نواف عبيد في مقال له بصحيفة The National Interest الأمريكية، أن أمريكا بلا شك ستكون هي الخاسر إذا ما اعتمدت على عقيدة أوباما، التي تتعارض وقد تتصادم مع السياسة السعودية الجديدة.

ويمكن تعريف ما أُطلق عليه الحقبة السعودية الثانية، بأنها سياسة لم تعد تعتمد بشكل أساسي على الفوائض البترولية القائمة على الإغراء المادي الوفير، ولكنها تعتمد على ممارسات الدبلوماسية القهرية القائمة على قدرة الدولة السعودية في استخدام أدواتها المختلفة في إعادة صياغة هيكل القوة في الشرق الأوسط .
 
 كان الرئيس أوباما قد عبَّر عن عقيدته بشكل أولي فى دعايات حملته الانتخابية حين قال: إن «الولايات المتحدة لا يسعها استخدام جيشها لحل المشاكل الإنسانية»، وهو ما يفسر جملةً من قراراته مثل العزوف عن التدخل العسكري للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، رغم تجاوزه «خط أوباما الأحمر» باستخدام الأسد الأسلحة الكيماوية ضد شعبه، والإذعان لمطامح إيران الإقليمية وإبرام صفقة نووية معها، والسماح للميليشيات الشيعية بأن تصول في العراق، وتفادي الضغط على إسرائيل في القضية الفلسطينية، فضلاً عن التساهل مع تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) لأنها «لا تشكل تهديداً لكيان الولايات المتحدة».

 ولعل في «عقيدة سلمان» خير وسيلة لمقارنة عقيدة أوباما بنقيضها التام، فالإدارة السعودية ترى أن على الأسد الرحيل عن سوريا، وأن مطامح إيران الإقليمية والنووية ينبغي وقفها والحيلولة دونها، وأن الميليشيات الشيعية في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن هي مجموعات إرهابية ينبغي القضاء عليها، وأن على العالم الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وأن على العالم ألا يألو جهدًا في سبيل هزيمة تنظيمي داعش والقاعدة.

في قلب معظم هذه الاختلافات العقائدية إيمان وإصرار سعوديين على أن إيران هى أُسّ البلاء في العديد من المشاكل الأمنية التي تعصف بالشرق الأوسط حاليًّا.

أما إقرار أوباما بأن على السعودية أن «تشارك» المنطقة مع إيران فهو أمر عبثي ومحال، إذا ما أخذنا في الاعتبار دعم إيران الضخم واللامحدود للإرهاب.

هنالك عناصر 3 على المرء استيعابها جيداً كى يفهم عقيدة الملك سلمان، فهي لم تولد فجأة ولكن جاءت بناءً على تقييم ممحص للتاريخ، وتهدف لإحداث تغييرات هامة وحقيقية في العالم.

 أولى هذه العناصر أن عقيدة سلمان ولدت من رحم الحاجة الاستراتيجية، بعدما تزايد انسحاب الإدارة الأمريكية من المنطقة، ونفضت أيديها منها نتيجة لعقيدة أوباما.

ثانيًا، مثلما تنبع آراء أوباما من تاريخ بلاده الأمريكي، كذلك حال آراء الملك سلمان نابعةٌ هي الأخرى من التاريخ العربي، ولذلك لا نية لدى الملك بالسماح لإيران بأن تتهدد 1400 عام من السيادة الإسلامية السنية، لتحقيق هدفها وإعلاء يد أقليتها الشيعية فوق العالم الإسلامي بأسره.

أخيرًا وليس آخرًا، فإن عقيدة سلمان مستندة إلى دعائم شاملة وتطورات جذرية في الجيش السعودي وسياسة الدولة ونظام التحالف العربي.

المشكلة الحقيقة في تصور عقيدة سلمان أنها قائمة على مفهوم إقليمي للقوة الدولية ليس عامًا وشاملاً، كما أن العلاقات الدولية الجديدة الآن لا تدار إلا بمفهوم عولمي متعدد للقوة وليس أحادي المسلك.

 وهذا لا يعني أن عقيدة أوباما أكثر فاعلية لإدارة الصراع الدولي، وفيما ما تزال عقيدة سلمان معتمدة على استيراد السلاح من الخارج بشكل كلي، تعترف أمريكا تعترف بانخفاض فاعليه القوة العسكرية، إلا في سياق نوعي وليس عام.

 الإشكالية الحقيقة أن عقيدة سليمان تعتمد على دول إقليمية تعاني عسرًا ماليًّا بالغًا، وهذه لا يؤدي إلى استقرار الهيمنة الإقليمية، ولكن يفتح الباب على تحولات سريعة مفاجئة وتذبذب في معادلات القوة؛ لأنها قائمة على مفهوم المصلحة القومية  كمصيدة للمصالح الآنية، وليس كعملية توافقية ممتدة.

ويظهر التكيف الأمريكي مع مقتضيات عولمة القوة عند اندلاع الانتفاضة السورية بداية ٢٠١١، حيث جادل جانب من الإدارة الأمريكية بأن الثوار، الذين خرجوا من صفوف الشعب السوري، هم مزارعون وأطباء ونجارون، مقارنين هؤلاء الثوار بالرجال الذين انتصروا بحرب استقلال أمريكا، ما يجعلهم يستحقون الدعم الأمريكي.

أوباما قلب الفكرة برأسه، وقال: «عندما يكون لك جيش محترف، مسلح جيدًا ومدعوم من دولتين كبيرتين – إيران وروسيا – ولديهما رهانات كبيرة على ذلك، ويقاتلون ضد مزارع ونجار ومهندس بدأوا كمتظاهرين، ثم رأوا أنفسهم في معمعة صراع أهلي، فإن المفهوم الذي سنحصل عليه – بطريقة نظيفة لا تلزم القوات المسلحة الأمريكية – غيرت المعادلة على الأرض، لم تكن صحيحة إطلاقًا»، ولكن تحفظ أوباما أغضب جانب كبير في فريق الأمن القومي خاصته، الذي كان يرجو التدخل.

هيلاري كلينتون، عندما كانت وزيرة خارجية أوباما، طالبت برد مبكر وحازم لعنف الأسد في ٢٠١٤، وبعد أن تركت الحكومة، قالت كلينتون: إن «الفشل ببناء قوة مقاتلة موثوقة من الشعب الذين كانوا من أطلق المظاهرات ضد الأسد، ترك فراغاً كبيراً ملأه الجهاديون الآن».

وعندما نشرت صحيفة «أتلانتك» هذا التصريح، وتقييم كلينتون بأن «الأمم العظيمة تحتاج مبادئ ناظمة، ليس من بينها (لا تقم بأشياء غبية)»، غضب أوباما بشكل جنوني، بحسب أحد مستشاريه الكبار.

لم يفهم الرئيس كيف يمكن أن تكون قاعدة «لا تكن أحمقًا» التي ذكرها خلال الإشارة لأسلوب سلفه جورج بوش الابن، شعارًا للاتزان الاستراتيجي.
وقالت سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية، بمنظمة الأمم المتحدة، سامنثا باور، فى كتابها عن هذه الفترة: «الأسئلة التي كنا نسألها في البيت الأبيض كانت: من يقف تحديداً في جوقة الحمق؟ من الداعم للحمق؟»، احتلال العراق، بحسب ما يعتقد أوباما، كان يجب أن يعلم الديمقراطيين الداعميين للتدخل الدولي مثل هيلارى كلينتون، الذين صوتوا بإجازة العملية الحمقاء.

مثلت سوريا، بالنسبة لأوباما، منحدراً خطيراً مثل منحدر العراق. في فترته الأولى، وصل لقناعة أن عددا محدودًا من التهديدات في الشرق الأوسط تتطلب تدخلاً عسكريًّا أمريكيًّا مباشرًا، بما في ذلك تنظيم القاعدة، تهديدات وجود إسرائيل، وغير بعيد عن أمن إسرائيل: تهديد إيران المسلحة نوويًّا، خطر نظام الأسد على الولايات المتحدة لم يرق إلى هذه الدرجة من المخاطرة، وحصر أوباما الخطر الحقيقى فى استخدام سوريا الأسلحة الكيماوية وفقط.

بدا أن أوباما وصل لخلاصة مفادها أن تشويه مصداقية أمريكا في منطقة ما من العالم سينحدر لغيرها، وأن مصداقية الولايات المتحدة المتماسكة كانت فعلاً على المحك في سوريا.

أما الأسد، فيبدو أنه نجح بدفع الرئيس الأمريكى إلى مساحة لم يعتقد أنه سيذهب لها، حيث كان الأخير يعتقد بشكل عام أن مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن تعبد «المصداقية»، وتحديدا المصداقية التي ترافقها القوة، مصداقية الأمن القومي الأمريكية، كما تُفهم في البنتاجون، ووزارة الخارجية، ومراكز الأبحاث الواقعة على مرمى حجر من البيت الأبيض، سلاح معنوي قوي، عندما يستخدم بشكل صحيح، يحافظ على شعور أصدقاء أمريكا بالأمن، ويبقى النظام العالمي متماسكًا.

 آمن أوباما أن «الدول الكبرى لا تخادع»، أما أقرب حلفاء أمريكا في أوروبا وعبر الشرق الأوسط فاعتقدت أن أوباما كان يهدد بالعمل العسكري، وحتى مستشاروه اعتقدوا ذلك.

 سفير السعودية في واشنطن، في ذلك الحين، عادل الجبير، قال لأصدقائه ومسؤوليه في الرياض: إن الرئيس أوباما كان مستعدًا أخيرًا ليضرب (الأسد) قائلاً: إن «أوباما شعر أهمية ذلك»، كما أكد الجبير، الذي أصبح الآن وزير خارجية السعودية، أن «أوباما سيضرب بلا شك»، ورغم تقدير الجبير الخاطئ لنوايا أوباما صار وزيراً للخارجية.

نقلاً عن عيون


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع