الأقباط متحدون - هل مصر دولة دينية أم مدنية؟
أخر تحديث ١٠:٠٧ | الأحد ١٧ ابريل ٢٠١٦ | ٩برمودة ١٧٣٢ش | العدد ٣٩٠١ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

هل مصر دولة دينية أم مدنية؟

طلعت رضوان
طلعت رضوان

هل يمكن للمجتهد (الإسلامى) التخلص من مرجعيته الدينية؟

وهل الدولة (المدنية) من سماتها قمع حق الاختلاف؟

من مُـتابعتى لما يـُـكتب فى الصحف والمجلات المصرية، لاحظتُ التخبط الذى يقع فيه البعض، بين من يرى أنّ مصر دولة مدنية، ومن يرى أنها خليط من الدينية والمدنية. وأعتقد أنّ هذا الخلط سببه أنّ التشريعات المصرية لا تــُـبيح قطع يد السارق، ولا تجلد الزانى والزانية، وحتى عقوبة الإعدام تتم داخل السجن وليس فى ميدان عام.. إلخ وفى نفس الوقت فإنّ النظام الحاكم يسمح بأشكال عديدة من تراث الدولة الدينية مثل (دعوى الحسبة) وتفريق الزوج عن زوجته. وتدخلات مؤسسات الكهنوت الأزهرى فى الشأن العام، حتى فيما يخص نقل الأعضاء البشرية، بخلاف كارثة مصادرة الكتب التى لا تعجب مؤسسة (شئون التقديس) إلخ.

ولذلك أعتقد أنّ المعيار الأساسى (الكلمة الأخيرة صحيحة لغويـًـا) للحكم على أى نظام سياسى: هل هو (مدنى) أم (دينى)؟ المنظومة العامة التى تشمل كل مؤسسات الدولة، وبصفة خاصة أهم وأخطر مؤسستيْن: التعليم والإعلام، هل هما مع المفهوم العصرى لمعنى (الدولة) State? وهل الإعلام يعمل على تعميق وترسيخ الفكر العقلانى؟ أم مع الخرافات والشعوذة، والترويج للطب (الإسلامى) والاقتصاد (الإسلامى)؟ إلخ، وهل التعليم يـُـعمّـق ويـُـرسّـخ لملكة النقد وحق الإختلاف؟ أم مع (التلقين) وعدم الاعتراض وفق التراث العربى/ الإسلامى الذى لا يسمح بحق الاختلاف. وفى كل الأحوال يظل النص فى الدستور على أنّ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، سيفــًـا على رقاب كل (من يـُـحاول) نقل مصر من مرحلة العصور الوسطى (ببرامج إعلامها ومناهج تعليمها) إلى فضاءات العصر الحديث، ذلك العصر الذى لا يرحم المُـتخلفين عن مسايرته فى كل المجالات، سواء العلمية أو الفكرية.

وحتى مفتى مصر د. شوقى علام الذى (يـُحاول) الدفاع عن الدولة المدنية (وهذا شىء طيب يـُـحسب له) فإنه محكوم بمرجعيته الدينية حيث كتب ((إنّ الدولة فى السياسة الشرعية يقوم بأعمالها أناس غير مُـفوّضين من الله أو يـُـمارسون أعمالهم باسم الإله ولا نيابة عنه. وأنّ مهمة الحاكم ليستْ تشريعية وإنما هى مهنة المُــتخصصين)) إلى هنا فإنّ كلام فضيلته لا خلاف حوله. بل إننى أحييه على شجاعته، ولكنه – مثل أى أصولى – لابد أنْ يهدم ما بناه فى هذا الجزء من مقاله، بالفقرة التالية، حيث أضاف ((لا يوجد فى الحضارة الإسلامية ما يـُـسمى الدولة الدينية.. إلخ) (مقال بعنوان ” مفهوم الدولة الدينية “- أهرام25/3/2016)

ولعلّ أهم ملاحظة على كلام فضيلته تعبير (الحضارة الإسلامية) فهذا التعبير يتناقض مع التعريف العلمى لمفهوم الحضارة، بمراعاة أنّ الأنظمة التى حكمتْ تحت منظومة (الخلافة الإسلامية) لم تــُـنتج أى مظهر من مظاهر الحضارة، وإنما كان هدف (الخلفاء) هو نهب موارد الشعوب التى احتلوا أراضيها، وشهد بذلك ابن خلدون (من المؤرخين القدامى) وفى العصر الحديث الراحل الجليل خليل عبدالكريم فى (كل) كتبه. أما المفكر الكويتى الكبير أحمد البغدادى فيرى أنّ أول شروط (الحضارة) تعدد الرؤى وترسيخ حرية الاعتقاد وأنّ من حق الإنسان أنْ يؤمن أو لا يؤمن بأى دين، وكذلك حرية الفكر بتطبيقها على الواقع وليس بمجرد الكلام فكتب ((لا يرد فى دساتير الأنظمة العربية أى ضمان لحرية الأديان، وإنما يقتصر الأمر على حرية العقيدة التى تظل حبيسة الصدر من دون الممارسة الخارجية، خوفــًـا من مُـحـدّدات النص الدينى، فى حين أنّ حرية الأديان أصبحتْ اليوم حق أصيل من حقوق الإنسان، الأمر الذى أصبح مُـعترفــًـا به فى معظم الدول التى تتنوّع فيها الديانات)) وكتب ((الحضارة كفعل إنسانى لا تحتاج إلى دين لكى تتطور، هذا إنْ لم يُـقيـّـدها الدين ويحد من تطورها، بينما الدين بحاجة إلى الحضارة الإنسانية لأنه جزء من الدنيا.. ولا يـُـعد تجنيـًـا على النص الدينى القول أنّ لا علاقة له بالحضارة.. وأنّ الدول الإسلامية من أقل الدول مشاركة فى الحضارة الإنسانية، لأنّ البناء الحضارى يحتاج للعقل أكثر مما يحتاج للنص الدينى.. والحضارة ترتبط بالدنيا ولا علاقة لها بالدين، ومن هنا خطأ مقولة الحضارة الإسلامية)) (أحاديث الدين والدنيا – دار الانتشار العربى – عام 2005- أكثر من صفحة)

أما الملحوظة الثانية عن كلام فضيلة المفتى، فهى عن نفيه أنّ الإسلام لم يعرف الدولة الدينية. فهل فضيلته لم يقرأ التراث العربى/ الإسلامى؟ وكيف ذلك وهو يشغل منصب (المفتى)؟ وهل فضيلته يـُـكذب كتب ذلك التراث؟ وهل حديث الرسول ((أمرتُ أنْ أقاتل الناس حتى يشهدوا أنّ لا إله إلا الله وأنّ محمدًا رسول الله فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم)) (البخارى – رقم25) فهل هذا الحديث يصلح للدولة (المدنية)؟ وهل يمكن تكذيبه؟ وعندما جاء وفد تميم للتفاخر، وأنهم ((خير أهل الأرض وأكثرهم سلاحـًـا)) فإنّ الرسول قال لثابت بن قيس الأنصارى (وكان خطيب النبى) قم فأجبه فقال ((نحن نقاتل الناس حتى يشهدوا أنّ لا إله إلا الله، فمن قالها منع منا نفسه وماله، ومن أباها قاتلناه)) ثم طلب الرسول من حسان بن ثابت أنْ يـُـكمل ما بدأه ثابت بن قيس (أسد الغابة فى معرفة الصحابة – ابن الأثير- كتاب الشعب- عام1970- م1- ص128) وهل يمكن تكذيب الماوردى الذى ذكر حديث الرسول ((من أطاعنى فقد أطاع الله. ومن أطاع أميرى فقد أطاعنى. ومن عصانى فقد عصى الله. ومن عصى أميرى فقد عصانى)) (الأحكام السلطانية والولايات الدينية – مكتبة ومطبعة الحلبى – عام1973- ص48) فهل هذا الحديث يصلح للدولة (المدنية)؟ أم هو أحد ركائز الدولة (الدينية) طوال عصرالخلافة الإسلامية؟ فهل يستطيع فضيلة المفتى أنْ يتخلــّـص من مرجعيته (الدينية) إذا كان (بالفعل) مع التعريف العصرى لمفهوم (الدولة المدنية) أم أنّ مرجعيته الدينية (قيد) يـُـكبـّـل أفكاره (الجريئة) فتأتى مُـشوّهة؟
نقلا عن حركة مصر المدنية


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع