الأقباط متحدون - الخطاب الذى أغضب هيكل منِّى!
أخر تحديث ١٢:٤٦ | السبت ٢ ابريل ٢٠١٦ | ٢٤برمهات ١٧٣٢ ش | العدد ٣٨٨٦ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

الخطاب الذى أغضب هيكل منِّى!

مفيد فوزي
مفيد فوزي

فى مكتبتى الورقية المثخنة بالذكريات تتصاعد منها كالأبخرة، التقطت خطاباً، عمره يزيد على 16 عاماً، أرسلته ذات صباح بعيد إلى «الأستاذ» هيكل ونشرته سناء البيسى، وأصر د.سمير سرحان على أن يضمه إلى حوار طويل طويل تقاسمناه سوياً، الأستاذ وأنا، ونشر فى كتاب «هيكل الآخر»، وقد غضب الأستاذ وقتئذ ورد بخطاب.

■ ■ ■

كتبت أقول..

محمد حسنين هيكل: القيمة والقامة والتاريخ، ولا أظننى مضطراً إلى زفة ألقاب تسبق اسمك «من عينة العزيز والكبير والقدير»، فأنت عزيز على كل قارئ عربى متابع حتى ولو اختلف معك - بغضّ النظر- عن سهام طائشة توجَّه إلى صدرك، تقابلها بالإهمال ولا حتى شرف العتاب!، أنا لا أبالغ إذا قلت إن جمال عبدالناصر لم يضِف لاسمك بريقاً، فأنت- قبل جمال عبدالناصر - صحفى جورنالجى حتى النخاع، غارق فى حبر المطابع كأحلى عطر يلتقطه أنفك، وظنى أنك و«المعلومات» والأهرام «أضفت» لقيادة عبدالناصر، فضلاً عن سمات شخصية لك وأهمها الكتمان، كنت - وللدقة فى الصياغة- قريباً جداً من الدائرة التى حول عبدالناصر وعلى مائدة صناعة القرار، وأرجو ألا تتواضع.

لست بالمناسبة من هواة الزيارة للأصدقاء وأكتفى بكارت عليه بضع كلمات بلا روح أو مضمون، لكنى أفضل أن أبوح لك بما فى صدرى من أحاسيس وبما فى عقلى من تساؤلات، بعد جلساتنا الحميمة الطويلة عبر مكتبك فى الجيزة وواحتك فى برقاش، ومصيفك فى الرواد بالساحل، وفندقك فى لندن، جلسات هى مصدر اعتزازى ومصدر بهجتى الشخصية، المهم أن يظل التحاور موصولاً، بدون الحوار نبقى جزراً معزولة، ونفقد الحس الحضارى، ولست - يا أستاذ هيكل - فى حاجة إلى أن أكرر لك أنك بحق «الاستثناء» الخاص جداً من الزمن الناصرى ولأسباب شخصية لا تخفى عليك، فلقد عشت أنت وقائعها المحزنة، حيث فُصلت دون سبب معلوم وعدت بلا تحقيق، وكان ذلك عصر الأوامر الشفوية والأذى فى الرزق، ولا أريد أن أنبش فى الماضى ولكنى عاجز عن النسيان، ولا أريد أن أمسك بيدى بلحظة ما فى الزمن أتأمل ما جرى، حيث كان الأخ يتجسس على أخيه فى تلك الأيام، هنا أتساءل بحسرة لا أكتمها: 1- هل كان الزعيم عبدالناصر على علم بمآسى الحراسات الدامية واسترخاء العسكرية بين الأحضان الدافئة وثلاجات حرب اليمن.

2- هل كان الزعيم عبدالناصر على علم بمخازى المخابرات والجرى- عفواً- وراء «النسوان»..؟ هل يعلم مثلاً، ماذا جرى للأستاذ الدكتور أحمد الإبراشى، أستاذ علم الصواريخ الذى هرب من مصر فالتقطته جامعة لندن، لقد قاسى الرجل من مدير مخابرات فصنع له «دمية»، بحجمه الطبيعى وعلقه فى «سقف البدروم Celler» يضربه كل صباح بالكرباج(!)، لقد رأيت هذا المشهد أنا والزميلة ليلى رستم حين اصطحبنا العالم المصرى إلى البدروم فى بيته الذى يقع فى ضاحية هادئة، كنا ننوى- ليلى وأنا- أن نقدم نماذج مصرية ناجحة فى الغربة على الشاشة. إن ما يفعله أستاذ الصواريخ هو تعويض عن قهر عاشه، ولا أحب أن أستطرد فى وصف المشهد فهو درامى أكثر من اللازم، ولكن حزنى على عقل مصرى فقدناه بسبب حرب بربرية تعرض لها المصريون فى حقبة ما، وما أكثر من لاذوا بالفرار.

أستأذن ألا تكرّر لى عبارة «إن لكل ثورة تجاوزات»، فثورة يوليو كانت حلماً وأملاً ثم صارت كلها تجاوزات وأنماطاً مخيفة لبسطاء الناس.

فهل كان الزعيم عبدالناصر- وأنت الأقرب له- على علم بأفعال «الملوك الجدد» الذين أسقطوا فاروق؟، أليس الراعى مسؤولاً عن أحوال الرعية؟ أليس من المهم أن يحيط الحاكم بأمور ناسه؟ لكن الواقع الأليم أن يوليو تفننت فى الشعارات والكلام المسجوع، حتى جاءت نكسة يونيو فكشفت المستور وأننا ثورة من ورق. فى ذلك الزمان عرفنا نمط «مندوب الثورة» وعرفنا نمط «رجل الأجهزة»، وعرفنا فكرة «الولاء أهم من الكفاءة»، وتسللت نوعيات ركيكة فى مجالات عديدة باسم الولاء للثورة، وأتوقف لحظة لأسألك: من سوف يكتب تاريخ يوليو بأمانة وموضوعية غير كاتب مثلك «شاهد على هذا العصر» وألمّ بتفاصيله.

سؤال آخر: لو جاء شاب يسألك عن ثورة يوليو، الحساب والمكسب والخسارة، هل تحيله للأكاديميين الذين يكتبون التاريخ طبقاً لمدارسهم فى التاريخ؟ إننى أعلم حرصك على فهم الشباب إذا واجههم الضباب وحجب الحقائق، فهل ستتلو عليهم- عفواً- الميثاق؟! قل لى: من سيكتب هذا التاريخ بلا شبهة فيه للهوى؟ ماذا لو تم تكن فى موقعك بالأهرام مجاوراً لرأس السلطة؟ ماذا لو لم تدفعك رياح التاريخ إلى حضن الثورة؟.

كنت أعلم حرصك على المثقفين، فأنت أنقذت فكرى أباظة من بطش عبدالناصر يوم كتب مقالاً فى المصور عن «الصلح مع إسرائيل»، وأنت أنقذت توفيق الحكيم من بطش المخابرات يوم كتب الحكيم «بنك القلق»، كنت همزة الوصل بين المثقفين وعبدالناصر، وكنت لأسباب مهنية وإنسانية تدافع عن ظلم المثقف حتى لو دخل جمال العطيفى ولطفى الخولى ونوال المحلاوى عتمة المعتقل ذات يوم. فلو لم تكن لك هذه «المكانة» عند عبدالناصر لذبحهم، ما تحليلك لشباب الصحافة الذى تشتَّت فى مكاتب الصحافة العربية فى مصر... ولعلك على علم أننى فى موقعى لسنوات - وأنا رئيس مجلة صباح الخير استطعت أن أدفع براعم واعدة لمطحنة التجربة، ذلك أنى أشعر أن البراعم الصحفية الشابة فى حاجة إلى «صوبة» إن صحت الكلمة مهنياً.

يا عميد المهنة، تطق فى رأسى تساؤلات:

1- ما الفرق عندك كصاحب قلم بين الكتابة عن شخصية من باب تقرير واقع أو المجاملة أو النفاق، ما هى الحدود؟.

2- ألا تشعر أن للإعلان سلطاناً قادراً على هتك الشفافية وحجب حقائق، خصوصاً الإعلانات التسجيلية التى تقوم بعمل ماكياج للشخصية الفاسدة؟.

3- لقد تعلمنا من أحمد بهاء الدين أن الكاتب هو ضمير الرأى العام، ولكن فلوس الإعلانات أهم عند الصحف، أم لك رأى آخر؟، بالمناسبة: صارت ابنتى حنان صحفية بالجينات وبسبب وجود حاضنة للمواهب اسمها سناء البيسى، فلماذا رفضت أن يأتى ابنك لهذه المهنة ويخرج من جلبابك وتصبح أنت ظله؟ وليس صدفة اختيارك قرية «الرواد» للمصيف، فأنت بالفعل أحد «رواد» هذه المهنة والحارس على قيمها شئت أم لم تشأ. والسؤال: هل ألقى ابنتى حنان فى «بحر الصحافة» لتتعلم فن العوم؟ أم أدربها على الكبرياء التى قد تفوت عليها الفرص...

وبمناسبة حرية الرأى فوق الورق، أعترف بأنى كنت أناقش مبارك بجرأة دون خوف، أتذكر أنى قلت له فى أحد حواراتى معه، إن طبيباً مثقفاً لا يحب الاستفتاء على شخصك لأنك «مضمون»، ويفضل أن يعطى صوته لانتخابات نقابة الأطباء، فهل كان بإمكانى أن أفتح فمى أمام موظف فى هيئة التحرير وأنتقد وضعاً ما؟.

الأستاذ. القدوة والقدرة والقامة.

لا أجد سواك أوجه له تساؤلاتى، فقد تجاوزت الجورنالجى إلى «موثق التاريخ» والمتأمل، فلقد زوّدتك الأيام والسنون والمعارك وكواليس السلطة برؤية بعرض الأفق، ومن هنا تأتى الأسئلة عن مصر الثورة، كنت كريماً وأعطيتنى من وقتك الثمين ما لم أتوقعه، وفتحت لى قلبك بأكثر مما حلمت، ولا أتذكر سؤالاً واحدا طلبت إعفاءك من الإجابة عليه، بل كنت تتشعب فى الإجابة وكأنك أمام «مقال مستطرد»، وفى تاريخ حياتى مرت فترة من الزمن - لعلها الزمن الشمولى وكان فيها فمى مغلقاً، ليس بأمر الطبيب الفرنسى الذى كان يعالجنى من جلطة الرئة، وقتئذ، إنما بأمر النظام. أعلم - يا أستاذ هيكل - أنك من القلائل الذين يختارون من يحاورهم بعناية، وبى شوق لإجاباتك فتضع فى عقلى وصدرى النقط فوق الحروف.

كل الحب

تلميذك: مفيد فوزى.

■ ■ ■

رد الأستاذ على رسالتى «ورقة أخرى من المكتبة»

عزيزى مفيد

أنت تعرف تقديرى لك صديقاً وصحفياً ونجماً من ألمع نجوم الحوار، ولأنى حريص على ما بيننا من علاقة، فإنى أرجوك أن تجنِّبها عربة الخطابات المفتوحة يوجهها أحدنا إلى الآخر كأنها دعوة إلى ملاكمة أو مصارعة، وذلك نوع من الحفلات عالية الصخب، تكرر كثيراً وزاد فى حياتنا السياسية والصحفية والأدبية والفكرية، ثم إنه فى ميادينه وعلى حلبات هذه الميادين تشابكت وتضاربت الحكايات والروايات بين العصور والدهور سابقة ولاحقة، وجرى ذلك فى غيبة مشروعية من أى نوع، وفى غيبة حكم مؤتمن على قواعد هذه المشروعية.

إنى عدت من سفر غبت فيه عن الوطن ثلاثة أسابيع ثم وجدت فى انتظارى خطاباً مفتوحاً تفضلت ووجهته إلىَّ، وبإذنك فسوف أستبقى هذا الخطاب مطوياً حتى نتقابل مرة ثانية، ثم نفتحه وقتها حواراً بين طرفين مهتمين بالسياسة، رجلين وراء كل منهما فى الماضى تجربته، ومع كل منهما فى الحاضر موقفه، وأمام كل منهما فى المستقبل رؤيته، تتذكر فى الحوار الأخير الذى نشرت وقائعه أنك أنت الذى اخترت أن يكون حواراً إنسانياً قبل أن يكون حواراً سياسياً، وكان من هنا عنوانك لكل الحلقات مؤكداً ومصراً على أنه ليس الجانب السياسى وإنما هو الجانب «الآخر»، إننى واحد من الذين يعرفون بيقين - بداية ونهاية - أن الإنسان هو شغل وشاغل السياسة، وأن السياسة لا فعل ولا قيمة لها إلا إذا انشغلت واشتغلت بالإنسان، ومع ذلك فإن هناك درجات ومعايير توزن وتقاس بها هذه المقادير والنسب.

ولعلنا وقد طال الحوار الإنسانى بيننا بأكثر مما توقعت أن نفكر ونتطلع إلى حوار سياسى جديد، أترك لك بمهاراتك التى نشهد بها جميعاً أن نضع القاعدة الحاكمة لطبيعته ولسياقه، وعلى نحو يضمن لنا ألا يكون مزيداً من سهام منطلقة بكل قوة ذاهبة إلى فراغ بغير نهاية.

مع كل الود، محمد حسنين هيكل.

■ ■ ■

رد على رسالة الأستاذ «ورقة ثالثة من المكتبة الورقية»

تساؤلاتى- يا أستاذ هيكل- تساؤلات سياسية ومهنية وتربوية وهى مشروعة، وحين وجهت خطابى بأدب بالغ ومهنية علَّمتها لنا، لم يكُن فى الخطاب دعوة للملاكمة أو المصارعة وانتظرت الإجابات ولعلها- إن لم أخطئ، تراود عقولاً كثيرة لا تحصى، تريد أن ترسو على برّ فى غيبة حياد يغلف هذه الفترة من زمان مصر، لقد سألت رجلاً عليماً بالأمور والخفايا وعرف الدروب وكان فى المطبخ الناصرى زمناً امتد إلى 18 عاماً، هى فترة حكم عبدالناصر، أم هل «انتهت الناصرية برحيل والدى» على قول الفاضلة هدى عبدالناصر؟.

كل الاحترام.. مفيد فوزى

نقلا عن المصرى اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع