الأقباط متحدون - الفكر القبطي ومدرسة الإسكندرية اللاهوتية
أخر تحديث ١٩:٠٢ | الخميس ٢٤ مارس ٢٠١٦ | ١٥ برمهات ١٧٣٢ ش | العدد ٣٨٧٧ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

الفكر القبطي ومدرسة الإسكندرية اللاهوتية

مدرسة الإسكندرية اللاهوتية
مدرسة الإسكندرية اللاهوتية

 بقلم : الدكتورة عايدة نصيف

أبدأ بمدرسة الإسكندرية اللاهوتية، التي نشأت في القرنين الثاني والثالث الميلاديين والتي كانت مدرسة تعليم المبادئ المسيحية، وهى أقدم وأهم مؤسسات تعليم اللاهوت في السنوات الأولى لظهور المسيحية، وأخذ أعضاء هذه المدرسة على عاتقهم مسئولية بلورة المنظومات الأولى للاهوت المسيحي، ووضع العديد من الشروح للكتاب المقدَّس. ولم تكن هذه المدرسة قاصرة فقط على علوم اللاهوت، بل كانت بمثابة الكلية التي تُدّرس فيها معارف مختلفة من إنسانيات، وفلسفة، وعلوم، ورياضيات، وإن كانت الأولوية فيها لقواعد الإيمان والعقيدة. 
 
ونتيجة لذلك التنوع حدث توفيق بين الإنجيل والفلسفة اليونانية القديمة بصورة كبيرة، فخرج من الإسكندرية أعظم المدافعين عن الإيمان المسيحي، ومن ضمن آباء مدرسة الإسكندرية العلامة بانتينوس، والذي له دور خاص كمصدر ثقة في شئون التفسير وترجمة الإنجيل إلى اللغة المصرية، وحدد الخطوط العريضة في اللاهوت الإسكندري المبكر في مبدأين، أولهما: الالتزام بتقليد الشيوخ أو القسوس، وثانيهما: استخدام كل أدوات التعبير الأدبية والفلسفية الممكنة لشرح الإنجيل وشرح التعليم المسيحي. 
 
وإضافة إلى بانتينوس نجد كلمنضس السكندري (150م)، والذي استعمل الفلسفة كأداة لشرح الإيمان، ومن أهم قضاياه أن المعرفة والإيمان لا يتضادان، وأن المسيح هو نهاية كل فلسفة ونبوة، وغاية الخلاص والإيمان. وفضلًا عن هؤلاء كان هناك من دافع عن الإيمان المسيحي وشرح اللاهوت في القرون الأولى وهو العلامة أوريجانس الإسكندري، والذي يعد تلميذًا للفيلسوف بانتينوس الإسكندري، والذي استخدم المنطق والفلسفة كوسيلة لشرح الإيمان، وهناك أيضًا العلامة ديديموس الإسكندري (313 - 398م) ودفاعه عن اللاهوت.
 
وغير هؤلاء كان هناك عدد من المدافعين والمفسرين للعقيدة المسيحية وللإيمان المسيحي وخاصة القدِّيس أثناسيوس الرسولي (296 - 373م) كاروز الديار المصرية، والذي حفظ وحمى الإيمان المسيحي من الهرطقات المتعلقة بطبيعة المسيح، وكان يرى أن الأرثوذكسية عليها أن تشرح الإيمان بالإقناع وليس بالقوة، وقد كتب عنه العالم دين ستانلي (1815 - 1881م) "أن أثناسيوس يُحسب أكبر لاهوتي زمانه، وأيضًا لكل العصور والأجيال؛ ولهذا حاز على لقب "الكبير"من كل العالم وعلى المدى. 
 
ولقد كتب هؤلاء وغيرهم باللغة اليونانية ولكن مع انقسام الكنيسة بعد مجمع خلقدونية عام(451م) فقد اللاهوت الإسكندري ملامحه وشهرته، وانتقلت مدرسة الموعوظين المشهورة من الإسكندرية إلى آسيا الصغرى، ومع اضطهاد الأقباط على يد الأباطرة البيزنطيين الموالين لمجمع خلقدونية، أصبحت الأديرة، وعلى الأخص دير القدِّيس الأنبا مقار، مركزًا للاهوت القبطي وتحولت لغة اللاهوت من اللغة اليونانية إلى القبطية، كما حدث انقسام أدَّى إلى انفصال مصر عن كثير من التطورات اللاهوتية اللاحقة التي حدثت في الكنيسة البيزنطية، وخاصة بعد الفتح العربي عام(642م).
 
وكانت الكتابات اللاهوتية القبطية في أوائل القرون الوسطى أقل اهتمامًا باللاهوت والعقيدة، وأكثر اهتمامًا بالخبرات الروحية، حيث تميل إلى روح مُحافظة، ولا تعطي صورة لاهوتية كاملة لهؤلاء الآباء، بل مجرد نقل خبرات وعظات. 
 
وبعد الفتح العربي الإسلامي أصبح الأقباط تحت مظلة الحكم العربي، وقد حافظوا على تراث أجدادهم، كما نَظَرَ إليهم الحكام العرب وجيرانهم المسلمون بكل تقدير واحترام، ومن ناحية أخرى اندمج الأقباط كعنصر إيجابي فعال في نسيج الأمة العربية الإسلامية مع الحفاظ على هويتهم الدينية وتراثهم العريق. فضلًا عن ذلك بدأ المسيحيون يُقبلون على اللغة العربية لغة أساسية لهم، ومن هنا بدأت مرحلة جديدة من علوم اللاهوت القبطية، وبدأ احتياج التعليم المسيحي إلى اللغة العربية؛ حيث بدأت اللغة القبطية في الاندثار في مصر، ووضعت ترجمات من القبطية إلى العربية لنصوص آبائية، وبدأ التبادل الفكري مع مسيحيين آخرين في بلاد الشرق الأوسط.
 
وكان نتاج كل العوامل السابقة هو تحديد الإطار العام لشكل ومضمون اللاهوت المتوارث للكنيسة القبطية، وأصبح العامل المشترك لهذا الحوار هو اللغة العربية المتأثرة بالفلسفة الإسلامية من ناحية، ومن ناحية أخرى بالفلسفة الأرسطية
وفى النصف الثاني من القرن التاسع عشر كانت أولى خُطى الإنجيليين على أرض مصر، بعد أن قاموا بثورة الإصلاح في أوروبا منذ القرن السادس عشر. ومع توقف كتابات اللاهوت القبطي بعد القرن الرابع عشر انفتحت مصر على الغرب، وجاء إليها كثير من المبشرين من كل الطوائف الكاثوليكية والبروتستانتية، وبما أتت به حركة الإصلاح من لاهوت غربي. وكان تأثيرًا واسعًا، ولكن مع النصف الأخير من القرن التاسع عشر ظهر رد فعل أرثوذكسي ضد هذا التأثير، تمثَّل في كتابات لاهوتية قبطية دفاعية جدلية الشكل مع الكاثوليك والبروتستانت. والى جانب هذا الدفاع عن التقليد القبطي الأرثوذكسي، بدأ ظهور حركة مدارس الأحد في الأربعينيات من القرن العشرين، وهو العامل الثاني وراء النهضة القبطية.
 
ثم ظهرت قوى أخرى مختلفة دافعة للإصلاح؛ عملت على إعادة حركة إحياء للرهبنة وروادها الأوائل في القرون الأولى كالقدِّيس أنطونيوس والقدِّيس مقاريوس، فجاء الأب عبد المسيح الحبشي وغيره للمناداة بالتغير الجذري، فجذبوا أتباعًا؛ لإحياء حياة الرهبنة في العصور الأولى وأُيدت هذه الحركة باختيار البابا كيرلس السادس البطريرك للإسكندرية، والذي كان تلميذًا للأب عبد المسيح الحبشي، واستطاع بمساندة الرئيس جمال عبد الناصر أن يُقوي موقف الكنيسة بصفة عامة والرهبنة القبطية بصفة خاصة. 
 
وهكذا نجد أن وصول البعثات التبشيرية الغربية إلى مصر هو الذي حفز الكنيسة القبطية على استعادة زمام المبادرة، والقيام بعدة إصلاحات جذرية، كان لها نتائجها الإيجابية. ومن أشهر رواد الكنيسة القبطية المعاصرين الأب متى المسكين والبابا شنودة الثالث، واللذان انخرطا في الأبحاث اللاهوتية ودراسة آباء الكنيسة وقد حمل هذا اللواء الآن قداسة البابا تواضروس الثانى رمز التنوير والانفتاح على الآخر. 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع