الأقباط متحدون - المجند محمد أيمن
أخر تحديث ١١:٠٥ | الجمعة ١٨ ديسمبر ٢٠١٥ | ٨ كيهك١٧٣٢ ش | العدد ٣٧٨٠ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

المجند محمد أيمن

د.محمود خليل
د.محمود خليل

ثمة بشر يموتون من أجل الحياة، وآخرون يحيون من أجل الموت، وفارق كبير بين النموذجين من البشر، دعونا نقرب هذا الكلام المحلق بمثال عملى، يظهر فى أحشاء عملية استشهاد المجند محمد أيمن. هل تعرفه؟. ربما صادفت شخصاً أو عشرات الأشخاص الذين يحملون نفس الاسم، وقد لا تصدق أن فى قلوب هؤلاء طاقة لا حدود لها يمكن أن تظهر فى لحظة فريدة تدفعهم إلى الموت من أجل الحياة، ربما كانوا هم أنفسهم لا يصدقون ذلك. الجندى محمد أيمن أنقذ 8 من زملائه 2 ضباط، و4 جنود، واثنين من السائقين، من الحزام الناسف الذى كان يحمله أحد العناصر التكفيرية، خلال مداهمة العشة التى يختبئ فيها بقرية المساعيد بمدينة العريش، تقدم محمد أيمن القوة ولما لاحظ وأحس أن العنصر التكفيرى يحمل حزاماً ناسفاً ينوى تفجيره بادر إلى احتضانه، وجنب رفاقه الموجة الانفجارية الضخمة، التى حولّت جسده الشهم إلى أشلاء.

محمد أيمن شاب مصرى بسيط ينتمى إلى تلك الملايين التى تتزاحم فوق أرض المحروسة، حياتهم فى جوهرها هى نوع من التحايل على الحياة، حتى يتمكنوا من مواصلة العيش، الصور التى نشرتها الصحف عن أهله وجيرانه، تؤشر إلى سيدات مصريات يرسم الحزن وجوههن، بطريقة تؤكد أنه ليس طارئاً عليهم، بل جزءاً من كينونتهم، لكن زاد عليه الحزن على استشهاد الشاب «محمد أيمن»، فلا وجع فى الحياة يعادل وجع القلب على فقد الابن الشاب. كل حزن يمر، وكل ما له أول لا بد أن يكون له آخر، لكن زرعة الدفاع عن الحياة تظل باقية فى وجدان بسطاء المصريين. وأكبر دليل على ذلك ما فعله هذا المجند الذى دافع عن حياة زملائه بالاستشهاد فى سبيلهم. فمات من أجل الحياة، مؤكد أن أيمن لم يكن يستمتع بالحياة، كما يستمتع بها شباب غيره، وربما كان يستوعب أن غيره من الشباب المستمتعين من الصعوبة بمكان أن يكونوا مكانه، لكنه يعلم أن حبه للحياة أعمق من هؤلاء جميعاً، ففارق كبير بين من يتعامل مع الحياة بمنطق الاستهلاك، ومن يتعامل معها بمنطق الحماية والدفاع عن استمراريتها، محمد أيمن نموذج يستحق التأمل للإنسان الذى يفهم معنى الموت من أجل الحياة.

مؤكد أن الانتحارى قاتِل «محمد» شاب مثله فى العشرينات، لكنه لم يتعلم الدرس المصرى البسيط الذى تعلمناه من طول بقاء هذا البلد على خريطة الحياة، درس الدفاع عن الحياة، الشاب الذى فجر الحزام الناسف زرعت فيه الجماعة التى ينتمى إليها فكرة نقيضة تماماً للفكرة التى تربى عليها محمد أيمن، علمه أمراؤه «محبة الموت»، وقالوا له إن هذا هو الإسلام، أوهموه أن رسوخ العقيدة يعنى الدفاع عن الموت وتمجيده وإعلائه، لم يعلموه حكمة المصريين، وهم يسألون -باسمين- عن معنى مقولة على بن أبى طالب: «وأكره الحق»، ليشرحوا لمن يحتار فى فهمها ويتساءل هل يمكن لعلى بن أبى طالب أن يقول «وأكره الحق»، أن الموت هو «الحق المكروه». لقد مات المجند محمد أيمن، ومات الشاب الانتحارى الذى فجَّر نفسه فيه، لكن سيبقى الفارق بينهما بعيداً بعد معنى الموت عن معنى الحياة.
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع