الأقباط متحدون - الأميرة التى تمرّدتْ على منظومة (الحرملك)
أخر تحديث ١٤:٢٣ | الأحد ١٢ يوليو ٢٠١٥ | ٥أبيب ١٧٣١ ش | العدد ٣٦١٩السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الأميرة التى تمرّدتْ على منظومة (الحرملك)

طلعت رضوان
طلعت رضوان

الأميرة جويدان هى زوجة الخديو عباس حلمى الثانى ، الذى تعرّف عليها فى باريس عام 1905، واتخذها عشيقة له. ثمّ تزوّجها بعد أنْ اعتنقتْ الإسلام . وكان الزواج فى يوم 28 فبراير1910، ولم يستمر الزواج إلاّ ثلاث سنوات حيث طلــّـقها فى عام 1913. والأميرة جويدان اسمها الحقيقى ماى دى توروك / وهى كونتيسة من أصل مجرى . وقد كتبتْ مُـذكراتها – التى أعتقد أنّ لها أهمية خاصة بمراعاة ما يلى :
أولا : هى زوجة خديو حكم مصر، وبهذه الصفة دخلتْ عالم القصور. وسمعتْ وشاهدتْ ما يدور داخل أجنحة (الحريم) من صور الفساد.
ثانيًا : بصفتها كونتسية مجرية الأصل ، كانت ترى وضع المرأة فى (الحرملك) الشرقى بعقل المُـتأمل المُجرّد ، لأنّ بصرها لم يكن ملتصقــًا بمرآة هذا الواقع وهى ترصده ، ومن هنا جاءتْ (بصيرتها) التى افتقدتها نساء (الحرملك) السلطانى.

ثالثــًا : كانت الأميرة جويدان أسيرة (سحر) الكتابة الأدبية ، فكانت تقرأ الواقع بعين الأديب ، الذى يرصد وقائع الذل فى مجتمع (لا إنسانى) ليكون التوق إلى المجتمع الإنسانى ، ولعلّ ما ذكرته عن الحرب بين تركيا وبلغاريا أنْ يكون مؤشرًا على نزعتها الإنسانية ، فعندما استقبلتْ مصر الهاربين من الحرب ، وكان أغلبهم من المسلمين ، كتبتْ عن تلك التجربة ((ولكن كان منهم المسيحيون واليهود ، ولكنى كنتُ أعمل على إسقاط الفوارق الجنسية والدين ، حتى لا يظن أحد منهم أنه مُـفضــّـل على غيره ، أو أنّ له حقوقــًا أكثر من الآخرين)) وعندما استقرّ الهاربون فى قصر رأس التين بالإسكندرية كتبتْ ((بدأتْ العائلات الراقية تفصل نفسها عن العائلات الدنيا)) فكان تعليق جويدان ((متى تزول هذه الفوارق ؟ أليس الناس كلهم سواء ؟ ألا توجد وسيلة تـُجرّد الإنسان من هذه القيود غير الخوف أو الموت؟)) (مذكرات الأميرة جويدان – دار الهلال ، ودار المدى – من ص23- 30)
رابعـًا : تعود أهمية هذه المذكرات إلى أنّ صاحبتها قرأتْ تاريخ الخلافة الإسلامية بعـُمق المؤرخين الثقاة ، الذين يتــّـفق تأريخهم مع ما ذكرته عن استغلال الخلفاء المسلمين لرجال الدين ، الذين كانوا يعملون بلا أجر فى بداية الإسلام ، إلى أنْ جاء معاوية بن أبى سفيان فدفع الأجور لهم . وأنّ معاوية بنى قصرًا فى دمشق خصـّـص فيه جناحـًا ل (حريمه) أما ابنه يزيد فكان همه اللهو، وكان أول خليفة شرب الخمر جهارًا ، وبالغ وأكثر من شراء الجوارى وبناء القصور لهنّ ، ليتمتع بهنّ وحده . وأنّ الخلفاء من بعده اهتموا باللهو، فكان كل منهم يبز الثانى فى إقتناء الجوارى ، ويتباهى ويفتخر بعددهنّ . ولا يعنيه من أمور الدولة إلاّ أنْ تكون لذته موفورة (من 75- 76)
وعن الخلافة العثمانية كتبتْ ((إنّ الباحث المُـتعمّـق فى أعمال السلاطين العثمانيين ، لا يرى فى أعمالهم أظهر من الخنق والشنق والتسميم والإغراق والحبس)) وكلهم ((سواء فى العسف والظلم . وأنّ إبراهيم الأول كان عبدًا لشهواته، فكان مقامه فى (الحريم) على الوسائد الناعمة وحوله النساء والغلمان)) وعن وضع الجوارى البائس كتبتْ مُـندهشة عن المرأة التى ((تصبر على آلام الحمل وهى تعلم أنّ ابنها سيـُـقتل عقب ولادته)) (ص77، 80)

وعن السلطان بايزيد كتبتْ أنه ((أول من وضع (مبدأ) قتل الأخ ، وجرى السلاطين من بعده على هذه (السُـنة) ومن عجب أنّ هذه الجريمة تستند إلى إفتاء المفتى الذى يأبى إلاّ أنْ يستند على القرآن ويستوحى منه فتواه فيقول ((إنّ حياة هؤلاء الإخوة قد تؤدى إلى الفتنة ويقول القرآن ((الفتنة أشد من القتل)) ولم يكتف السلاطين بتقتل الإخوة ، بل كانوا يقتلون أبناء بناتهم وأبناء أخواتهم (المعلومات التى ذكرتها أميرة جويدان عن سلاطين الخلافة العثمانية، وجدتها مُـطابقة لما ورد فى الموسوعة العربية المُيسرة)
وعن سليمان الأول كتبتْ أنه عندما كان وليًا للعهد راق له الفتى اليونانى ، الذى صار فيما بعد إبراهيم باشا ، الذى كان مُـخلصًا لسيده ، ومع ذلك أمر السلطان بخنقه. ففى الوقت الذى علا فيه شأن إبراهيم ، علا فيه أيضًا شأن جارية اسمها (روكسلان) وكانت آية فى الجمال ، وساءها أنْ يُـشاركها فى الاستئثار بالسلطان ، فما زالتْ تسعى حتى أغرتْ السلطان بقتل إبراهيم ، ولم يقف تأثيرها ع
لى السلطان عند هذا الحد ، بل جعلته يقتل ابنه مصطفى لأنه من امرأة غيرها (من 77- 79)
وعندما احتفل مراد الثالث بختان ابنه ((أقيمتْ الأفراح خمسة وخمسين يومًا ، أنفقتْ فيها الملايين وحضرها مندوبون من جميع الدول ، وأقيمتْ القصور لسكنى الضيوف ، من ملوك وأمراء وهـُـدمتْ أحياءٌ بأكملها ليُـقام فيها الاحتفال ، واتجهتْ أنظار العالم إلى قطعة جلد ستــُـقطع من طفل . وبعد أنْ شـُـفى الغلام أهداه أبوه جارية من أجمل الجوارى مُـكافأة له على احتمال الألم)) (من 77- 80)
ورغم أنّ سلاطين آل عثمان كانوا يستمتعون بالجوارى بالتطبيق لقاعدة (ملك اليمين) المنصوص عليها فى القرآن ، فإنّ الشيىء المُـدهش فى رصد الأميرة جويدان أنّ ((الجوارى فى مصر لسنَ أداة للتمتع واللهو) (ص83) وأكثر من ذلك دأب أغلب الخلفاء المسلمين (من بعد الخلافة العباسية حتى الخلافة العثمانية) على انتخاب الزوجات من الجوارى (ص70) أما لو حدث الاستثناء وجامع السيد جاريته وحملتْ منه ثمّ نسيها ، فإنها لا تستطيع أنْ تبوح بسرها لأحد ، فإذا تجرّأتْ واشتكتْ فإنّ مصيرها قبل الشكوى أفضل من مصيرها بعد البوح (ص 85) وفى صياغة مـُـكـثــّـفة كتبتْ ((لقد تغلغل الفساد فى الحريم الشرقى من جميع النواحى ، وهو فى وسط لا يمكن أنْ يُساعد على تربية الأطفال لما يعيشون فيه من جراثيم (أخلاقية) وكتبتْ مُـتسائلة ((لا أفهم كيف أنّ رجلا يملك قليلا من رقة الذوق يستطيع الاعتداء على هذه المخلوقات المسكينة ؟ لو كنتُ باشا لما رضيتُ الاستمتاع بأشباه النساء اللائى يتوارثهنّ الأقرباء بعضهم عن بعض)) (ص70)
وإذا حدث وضاجع السيد جاريته وحملتْ منه ، فماذا يحدث ؟ كتبتْ الأميرة جويدان ((قضى السيد ساعة لهوه وانتهى . والجارية تظل رهينة الخوف من العين الرقيبة ، ولا تستطيع أنْ تبوح بسرها لأحد . ولمن تبوح ؟ ربما لجارية مثلها ، وهنّ أخوات فى الشقاء ، أخوات فى الضعف ، أتبوح لأحد الأغوات ؟ ولكنهم جبناء لا يستطيعون شيئــًا . وهكذا تظل المسكينة فريسة الخوف وهى تعلم أنّ سرها سيُـفتضح يومًا ما . هل تــُخبر سيدها ؟ ها هى أخبرته. سيُـحيلها إلى (الهانم) التى لها أولاد ولا يعجبها أنْ يكون هناك أولاد من غيرها ، يشاركون أولادها فى الاسم والميراث . وهنا ينصبُ على الجارية غضب الهانم مزدوجـًا : غضبها بصفتها زوجة وغضبها بصفتها أمًـا))
يترتب على غضب (الهانم) المزيد من القسوة ، فهى تحبس الجارية فى غرفة وحيدة معزولة عن أى إنسان . وعن تجربة عاشتها الأميرة جويدان كتبتْ ((أعرف قصة جارية حبستها سيدتها وأمرتها أنْ تحيك (ناموسية) فكانت كلــّما حاكتْ جزءًا قطعته السيدة بحجة أنه (خطأ) وتـُرشد الجارية إلى (الصواب) ويكون هذا الإرشاد دائمًا مصحوبًا ببعض الكلمات (البذيئة) والرفصات والقرصات ، فإذا جاء اليوم الثانى وفعلتْ الجارية حسب الإرشاد ، اكتشفتْ السيدة (خطأ) جديدًا ، وفعلتْ بها ما فعلته فى اليوم السابق)) (ص85) أى أننا أمام ذات العقوبة التى وقــّـعتها الآلهة على (سيزيف) فى الأساطير الإغريقية : رفــْـع الحجر إلى أعلى الجبل ، ثمّ النزول به إلى أسفله إلى ما لا نهاية ، كرمز للتعذيب وللعبث أو اللا جدوى ، وذلك رغم فارق المغزى فى سبب العقوبة على (سيزيف) وعلى (الجارية) ورغم جهل الجارية وسيدتها بالأسطورة.
لذلك لم يكن غريبًا على (الأميرة جويدان) ذات الوجدان الإنسانى النبيل أنْ تكتب ((لا أستطيع أنْ أفهم كيف تنازل سلاطين آل عثمان (جميعهم) عن الحرص على صفاء دمائهم ؟ واختاروا سيدات غير راشدات ليكنّ أمهات لأولياء عهودهم ؟ وأضافتْ ((بينما يمتاز (حريم) السلطان فى الأستانة بما ورثنه من بيزنطه من مظاهر الأبهة والعظمة , فإنّ الحريم (من أصول تركية) لا يظهر عليهنّ أى شيىء من مجد الفراعنة))
وعن الفارق الحضارى بين الأميرة جويدان وزوجها كتبتْ أنه ((كان لا يفهم شغفى بالقراءة والمُـطالعة. ورأى مرة كتابًا فى يدى فقال لى : ما هذا الحيوان ؟ (ص88) وعندما أرادتْ أنْ تتعلــّم اللغة العربية وتدرس تاريخ الإسلام ، تتلمذتْ على يد الأستاذ (هس) وكانت تـُـقابله وهى تضع غطاءً على رأسها. ولكن مَنْ فى القصر طلبوا منها أنْ تـُغطى كفيها أيضًا ، حيث لا يجوز أنْ تمد له يدها عارية. فكان تعليق جويدان فى مذكراتها ((عجبًا.. المُعلــّم لا يحق له أنْ يرى يدى ، وهو الذى يرى نفسى كلها ، أليس هو الذى يرى روحى ؟ هنا علمتُ أنّ القوم إنما يُريدون أنْ يجعلونى عبدة لتقاليد جامدة نشأوا عليها ولم يُـفكــّروا فيها)) (ص89)
وصل التوتر مداه عندما جلس الخديو أمامها والمدفأة بينهما ليقول لها ((صوتك كان غريبًا على أذنى كأنه صوت لا أعرفه. رجل وجد نفسه مدفوعـًا للاعتراف لزوجته بالخيانة. هل يشعر حقــًا بضغط الجريمة على نفسه ، فيُريد أنْ يُـخفــّـف عنها بالاعتراف ؟)) فكان تعليق جويدان ((وظلــّـتْ النار تشتعل فى الموقد ، وإذا بيدَكَ تقبض على يدى . فى هذه اللحظة عدتَ أنتَ كما أعرفه. فى نظرك انتهى الموضوع بالقص (أى اعترافه بالخيانة الزوجية) أما فى نظرى فقد ابتدأ كل شىء . وأنا إذا ابتدأتُ فلا توجد نهاية)) (ص33)
مزجتْ الكونتسة المجرية (زوجة الخديو عباس حلمى الثانى) التاريخ بالواقع ، والموضوعى بالذاتى . وبعد الانفصال عام 1913 ، وفى صياغة شاعرية وصفتْ الأميرة لحظة من لحظات تأزم العلاقة بينها وبين الزوج (بعد اعترافه بخيانته) الذى لم يتقـدّم خطوة واحدة ليقترب من ثقافتها ، المُـختلفة عن ثقافته ، وعن بيئتها (المجرية) المُـختلفة عن بيئته أو حتى يقترب من وجدانها فكتبتْ ((لا أريد أنْ أرى ولا أنْ أسمع ولا أنْ أفكــّر أكثر من ذلك . وليتَ النسيان يكتنف هذه الليلة . فتحتُ الباب المؤدى إلى غرفة نومى ، وقع نظرى على الخاتم فى إصبعى ، إنه خاتم من زفير وعليه اسمك))
ولعلّ تلك الخاتمة ، بهذه الصياغة الأدبية / الشاعرية ، تــُوضح – كما أرى – أنها رفضتْ الاستمرار مع هذا الخديو، أسير عصور الظلمات الإسلامية التى لم تــُبدع شيئــًا ذات قيمة إنسانية ، وكان كل (إبداعها) هو إقتناء (الجوارى) والغلمان للاستمتاع (بهم) و(بهنّ)
نقلا عن الحوار المتمدن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع