الأقباط متحدون - مسيحية تصلي في مسجد
أخر تحديث ٠٩:١٨ | السبت ٢٠ يونيو ٢٠١٥ | ١٣بؤونه ١٧٣١ ش | العدد ٣٥٩٧ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

مسيحية تصلي في مسجد

مريم النقادي
مريم النقادي

صدمني خبر رحيل مفاجئ لزميل وصديق يعتز به الجميع وأصابني بالحزن البالغ فقدان الغالين دون استعداد، وما أن تلقيت خبر وفاة الناقد والكاتب الكبير إبراهيم الدسوقي حتى سألت كيف يمكنني تقديم العزاء لأهله؟

وكان جواب محدثي أن الصلاة على جثمانه ستكون في جامع سيدي جابر الشيخ، عقب صلاة الظهر وستكون هناك قاعة عزاء في المنارة بعد صلاة المغرب، وهنا سألته: هل يمكنني الذهاب للمسجد؟ فلما أجابني بنعم وأن هناك مكانًا للسيدات أيضًا، رددت عليه في الحال: سأكون معهن دون جدال.

وهكذا عقدت العزم على توديع الفقيد وتعزية أهله في الجامع طالما أنه ليست هناك موانع.

في الصباح، بدأت الاستعداد لطقوس العزاء في وطننا فجهزت الثوب الأسود كالمعتاد في مثل هذه الظروف وغطاء للشعر كي أستعمله أثناء الصلاة في المسجد وهو ما نفعله نحن الأقباط أيضا في صلواتنا لأننا تربينا على تغطية الشعر أثناء الصلاة ولن أجعل اختلاف ديانتي عذرا في عدم الاحتشام في أماكن العبادة، كما أن جميع السيدات سيكن محجبات بالمسجد ولن أسمح بأن أكون محور مشهد يلفت الأنظار ويثير الاستغراب!!.

قبل الموعد بربع ساعة، وكعادتي مع جدول مواعيدي، وصلت مسرعة الخطى، حتى وقفت بباب المسجد الرئيسي، وهنا ترددت بالدخول، فهي المرة الأولى بحياتي رغم طولها اعتدت من قبل أن أذهب لعزاء معارفي من المسلمين خلال الثلاثة أيام الأولى من الوفاة في منازلهم ولم أدخل في السابق مسجدا قط.

تلفَّتُّ كثيرًا يمنة ويسرة كي أعرف أين مدخل مصلى النساء؟ أين القاعة؟ أين النساء؟ وماذا سأفعل بالداخل؟ وانتابني التردد حتى وجدت بعض السيدات المخمرات والمنتقبات وقفن بجواري، فسألتهن: هل يمكن أن أدخل لتقديم العزاء؟ فأجابت إحداهن نعم بالتأكيد تعالي معنا، فسرت خلفهن في هدوء لباب آخر للمسجد ذي البابين: الباب الكبير يؤدي إلى سلم كبير لقاعة المسجد، أما الباب الصغير فسلمنا لردهة صغيرة وقاعة صغيرة ثم سلم للدور الثاني بالمسجد حيث مصلى النساء.

ما أن دخلت القاعة الصغرى حتى نويت البقاء بها فلم أكن أعرف أي شيء لكني سألت عن زوجة المرحوم وأخواته حتى وصلت إليهن وعزيتهن أما الزوجة فالكل أشار إلى الطابق العلوي استأذنتهن بالصعود فوافق الجميع دون تردد.

كان السلم مكسوا بموكيت خاص بالمساجد تأملت نقوشه في أثناء صعودي حتى وجدت قبل دخولي مصلية النساء أرففًا خاصة بالأحذية ففرحت جدًا بالتنازل عن حذائي الأسود ذي الكعب العالي وغير المناسب للظرف، وتركته على رف وحيد.

إلى هنا كنت قد بدأت أشعر بالألفة في وجودي في المسجد وما أن دخلت حافية القدمين مصلى النساء مع صلاة الظهر حتى رفع الأذان فدخلت ببطء شديد لأجد روحي تسبقني بالدخول ويحل في جسدي استرخاء غريب وكأنني أصعد بالروح من الجسد، وتأملت من حولي من نسوة باكيات وتعدتهن النظرة لأرى شكل مبنى الجامع من الداخل والمشربيات الخشبية في شكلها المعروف لأكتشف أن الطراز الإسلامي قريب جدًا للطراز القبطي والجامع قريب الشبه بالكنيسة تركت عيني ترى كل ما لم ترَه من قبل حتى النساء الراكعات للصلاة.. يا له من منظر فجذبتنى روحي للصلاة أيضًا.

هنا اعتراني شعور جميل لم أستغرب شيئًا مما أرى ووجدتني أذهب نحو المشربيات الخشبية والتي تشبه جدار الهيكل الخشبي في الكنسية لأصلي صلاة المسيحيين فهي كل ما أعرف وما أحفظ وبدأت في الصلاة والدعاء سريعًا وانخرطت في بكاء وكأني في حضرة الإله، وأغمضت عيني وبلغت رسالتي وانتظرت قليلا وشكرت الله.

عدت لأبحث عن زوجة المرحوم حتى التقيتها وكانت هادئة تستغفر ولكني حينما عزيتها وذكرت اسم المرحوم بكينا معًا، ربَتُّ على كتفها وقلت لها لا أريدك أن تبكي فهذا الرجل أعماله في حياته ستبقيه حيا بعد مماته، وتركتها مع نسوة جئن لتقديم العزاء.

اتجهت إلى طرف غير مزدحم داخل المصلى وعزمت على الجلوس على الأرض رغم وجود العديد من الكراسي ولما تأكدت أن لا أحد ينظر إليَّ اتخذت وضع السجود وسط إحساس طاغ بأني في معية الله، والرهبة المملؤة بالفرح تعتريني.

كنت أريد استغلال بقية الفرصة بصلاة جديدة، وطفقت أصلي وأصلي وتجاوبني دموعي عما في قلبي وأنا أصلي لله للمرة الأولى في حياتي في جامع، سكبت روحي في عدة طِلبات ثم خفضت رأسي شيئًا فشيئًا حتى اقتربت من الأرض، قائلة: يا رب ارحم كل من يعرفك وكل من لا يعرفك.

وحينما زاد بكاء السيدات حولي عرفت بوصول جسد المتوفى بالأسفل توقفت عن الصلاة، وذهبت ثانية إلى بعض المشربيات الخشبية التي لا أعرف اسمها كشبابيك أو طاقات نور وتهوية ونظرت إلى أسفل حيث الصلاة على الجثمان، والتي لم تأخذ وقتًا طويلًا ولم يكن فيها سجود ليخرج الجسد سريعًا محمولا فوق الأعناق ووراءه أحباؤه وأيضًا النسوة اللاتي كن حولي.

تركت الكل ينزل وتفحصت المكان لآخر مرة مودعة إياه تاركة تفاصيل المكان تدخل أعماقي بكل ارتياح... وتجعلني أدرك ـدون التباس أن عمق الديانات هو المحبة وأن قمة التحضر هو التآخي والتسامح.

نقلا عن فيتو


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع