الأقباط متحدون - وجهك الغضوب ضرورة.. «رسالة للسيسى»
أخر تحديث ٢٢:١٣ | السبت ٣٠ مايو ٢٠١٥ | ٢٢بشنس ١٧٣١ ش | العدد ٣٥٧٦ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

وجهك الغضوب ضرورة.. «رسالة للسيسى»

 مفيد فوزي
مفيد فوزي

 مفيد فوزي

أخى الرئيس السيسى، ابن مصر البار بعائلته الكبيرة «مصر»، وعائلته بالانتماء «القوات المسلحة»، وعائلته الصغيرة «أسرته الفاضلة»، لم أجد كلمة أخاطبك بها أكثر من «أخى»، فأنت شقيق كل المصريين، ولم أسترِح للكلمة التقليدية الشائعة وهى «سيدى» الرئيس، وأنا من جيل يحترم القامات

والهامات ولا يعبر أدب التخاطب خصوصاً وأنا أتحدث فوق الورق- عبر رسالة منشورة لرئيس الجمهورية، ولست حريصاً على إرضائك كل الوقت لأنى صادق فيما أقول، ومعيار الصدق يقرره قارئ السطور إن كان مكتوياً- مثلى- بحب هذا البلد، فأنا مصرى قبطى بالجغرافيا والتاريخ وفى قلبى

وصدرى كلام، أنا- مثلاً- لدىَّ انطباع أنك تشعر بحالة من الشجن ولا أقول الحزن، لأنك راقبت تغيراً في أخلاق المصريين، فلعلك لم تتوقع حين قبلت المسؤولية أنها ثقيلة ثقيلة إلى هذا الحد.
 
صحيح أنك «قدها وقدود» ولكنك بشر ولست «طرزان ولا سوبر مان»، أحياناً يفاجئك الناس بسلوكيات رديئة، وتغضب وتخفى غضبك، أنت رجل عسكرى كنت «تطل» على المدنيين من شرفة القوات المسلحة، وشاءت الأقدار أن تأتى في ملف مصر لتطرد محتلاً ومختلاً جاء يعبث بمصر، يومئذ

كان الأمل ملء رئتيك وكان حلمك «مصر قد الدنيا» كنت أراك عاطفياً في أحاديثك وإن تمنيت في أعماقى أن «تشكم» البعض حين يستدعى الأمر، أنا لا أنكر عليك تحضرك الإنسانى في التعاملات، فأنت حاكم لقرابة 90 مليوناً، إننى أراك في مناسبات كثيرة محاطاً بالشباب وأرى السعادة بادية على

ملامحك، ربما لأن هؤلاء الشباب مازالوا بنفس النقاء ولم يتلوثوا أو ينخر في أجسادهم سوس الانتهازية، أعلم أنك «محصَّن» ضد النفاق ولديك حاسة شم قوية للنفاق، ولا أخاف عليك من الوقوع في كمائن النفاق، وحين أراك مع طبقات أخرى من المجتمع، أراك مواسياً لأمهات الشهداء، عطوفاً على أولادهم، وأراك مداعباً للإعلاميين وإن تمنيت أن يسمعوا منك بصراحة ملاحظاتك، فالإعلام «كتيبة» تقف معك في المواجهة في الصفوف الأولى وهذه الملاحظات الصادرة من مشاهداتك هي «قناعات» رئيس بالآثار النفسية التي تبثها الشاشات، ولست أدرى لماذا تحجب ملاحظاتك وأنت القائل إن

عبدالناصر كان «محظوظاً بإعلام وقف معه»، أظن أنك غضبت وكتمت عنا غضبك يوم الاستقالات الجماعية لطيارى مصر. وأظن أنك غضبت وحجبت هذا الغضب يوم «التراشق والتلاسن» في حزب الوفد، وكعادتك جمعت كل الأطراف ونزعت فتيل الاشتعال، يومها قلت لنفسى ما لم تسمعه أنت «الراجل بيتصدم من النخب السياسية وتعارض المصالح».
 
أنت الآن تتعامل مباشرة مع المدنيين بأطيافهم وأذواقهم ومشاربهم وأطماعهم وطموحاتهم، أنت الآن تتعامل مع بعض الشباب الذي نسى نفسه من فرط الاهتمام المباشر به والضوء المفاجئ، فتحولوا إلى زعماء! أنت مسؤول عن رفع سقف التطلعات وغابت- عفواً- عنك خطورة هذا السقف، فالكل يطالبك ويعرف أن البلد في أزمة ولا يكف عن الطلب دون خجل، الناس الذين لا يعرفون الطريق إلى الشاشات يدخلون كهف الصمت ويهمسون: «كل شىء

كما هو، لم نتقدم سوى بضعة أشبار»، يهمسون: صار في الشارع المصرى بعض الأمان ولكن الخوف قائم، يهمسون: التوحش في الغلاء وطلب الرشوة وفى التعاملات وفى المحليات وسرير المستشفيات، وأعلم أنك من خلال التقارير الصادقة والعرض الأمين عليك تحيط بتفاصيل الصورة.
 
لابد أن يرى الناس غضبك مهما كنت حليماً، لابد أن أسمع صوتك مهدداً وزيراً ومحافظاً أو رئيساً لشركة أو إعلامياً يتلاعب بمشاعر الناس، أريد- أحياناً- أن أرى تكشيرة السيسى، في كثير من الأحيان كنت أسأل سيد علم الاجتماع د. سيد عويس وهو محيط في فهم المصريين وأحوالهم عن فكرة أن

«المصرى يخاف مايختشيش»، فكان يقول إن المصرى دأب على الخوف من السلطة في مجتمع نيلى وزراعى، ومن نتوءات شخصية المصرى أنه «مكابر» ولا يختشى ولا يلين إلا أمام «العين الحمرة»، وفى تفسير آخر قال إن «الغرامة مؤلمة ولكنها تربى سلوكاً»، وفى نفس السياق سمعته يقول: «الليونة المطلقة مع المصريين مفسدة، لابد من الشدة وربما العصا»، وأنا لا أطالب رئيس جمهوريتى أن يمسك بالعصا ولا بالشراسة كما طالبه جهاد

الخازن إنما بالحزم وبالتكشيرة التي كانت تلازم عبدالناصر في مواقف صعبة، ولأن الأحداث تستدعى من الذاكرة ما غطت عليه ثورتان، فإننى أتذكر أن مبارك أمر محافظ أسوان بوقف صفقة بيع في أسوان تورط فيها وزراء وأعلنها بغضب، وسافرت لأحقق ظروف الصفقة، ولكن الأيادى عبثت

ومنعت عرض البرنامج «حديث المدينة» فاستعنت بالرئيس الذي أمر بإذاعته كاملاً، يومها تعلمت أن داخل مؤسسة الرئاسة تيارات فوقية وتحتية لابد للرئيس أن يفهم أصلها وفصلها، أتذكر أيضاً أن مبارك اتصل بمدير مكتب المعلومات د. مصطفى الفقى آنذاك، وقال له بصوت كالرصاص «كنت

لحظتها أزور الفقى في مكتبه»: قول للمحافظ اللى نازل يحضر فرح ياخد أول طيارة ويرجع يشوف السيول اللى مدمرة البلد! وقد نقل مصطفى الفقى بكياسة نص أمر مبارك وسافر المحافظ في نفس الليلة عائداً للمحافظة، ولست أقارن ولا أعقد أي مقارنات بين حاكم وحاكم، فلكل حاكم ظروفه وأسلوبه

وشخصيته، أطالب السيسى بأن يتخلى عن تهذيبه وأدبه أمام الفساد والانغلاق الذهنى والإهمال وصور البلطجة الإدارية، لا أطلب منه أن يمسك بخرزانة وراء المسؤولين، ولكن في أحوال مصر الآن، نحتاج بجوار القانون إلى «الإقالة المسببة» و«الفصل» وإحاطة الرأى العام بالأسباب، ولا أريد أن يفهم السذّج أنى أريد من الرئيس «البطش» و«المقصلة»، ومع ذلك فظروف مصر لا تحتاج للبلسم والمراهم ولزقة البرد وشيح العطار، وقد تحتاج للبتر والجراحة.
 
إن من المهم كرجل عسكرى شهدنا لك بقمة التضحية بحياتك في زمن المحتل المختل أن تقرب العقول المصرية الكبيرة من عقلك للشورى أحياناً والتبصير أحياناً أخرى، وما خاب من استشار. من المهم أن تعرف وأنت رئيس مصر شيئاً من «الموسوعة المصرية» عن كيف يواجه المصريون القهر؟

إنهم يواجهونه بالنفاق «اللى يتجوز أمى أقول له يا عمى»، ولما يخرج الحاكم «أطلع له لسانى»، يواجهون القهر بالشكوى، يواجهون القهر بتبرير الانحراف «علشان لقمة الولاد وربنا شاهد». يواجهون القهر بالهجرة المؤقتة وليس الدائمة، ويواجهون القهر بالثورة عندما يفيض الكيل من غير أن يتوقع الظالم!
 
النقطة الأخيرة في خطابى المنشور علناً هي كيف تكون حذراً ألف مرة مع «الأجواء غير الصحية»، إنها تبدأ من الداخل «المتدمّر» قبل الخارج «الممول»، إنها تبدأ بالتحريض غير المباشر عليك على مواقع التواصل التي باتت تمثل رأياً عاماً لا يستهان به، أضف إلى ذلك زرع شجيرات الضجر

العام بالصورة قبل الصوت والتأثير على فئة ليست قليلة يسهل تضليلها، وأن لقاءاتك الشهرية مفيدة، فقط: اغضب واشخط في مسؤول مهمل. تملك أن تقيل شخصية عامة وأنت جالس بهدوء، اجعلنا نشعر أنك قادر أنت وحكومتك على «الأذى» للإهمال فيروس مصر الأشهر ولكنك تسامح مرة وربما اثنتين وفى الثالثة تشوط!! إنه الأذى المشروع ودونه نسقط.
 
أخى السيسى: ظهيرك من شعب مصر هو «عزوتك» وكل ما أطالبك به أن تظهر القوة في موضعها، أنت متعاطف مع ذوى الاحتياجات، تؤمن بقدرتهم على العطاء، وهناك من هم «ليسوا ذوى احتياجات» ولكنهم فاقدو «البصيرة والسمع»، يحتاجون إلى علاج من نوع آخر، لا يدركون أننا إما

أن نكون أو لا نكون، إن في بطون الحس الشعبى يقال «يابخت من بكانى وبكى علىَّ ولا من ضحكنى وضحك الناس علىًّ»، نعم: وجهك الغضوب ضرورة.

أخوك مفيد فوزى

كاتب مصرى

نقلا عن المصرى اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter