الأقباط متحدون - وذهبنا إلي القبر المُقدس
أخر تحديث ٠٥:٤٠ | الاربعاء ٢٥ فبراير ٢٠١٥ | ١٨أمشير ١٧٣١ ش | العدد ٣٤٨٤ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

وذهبنا إلي القبر المُقدس

بقلم: ليديا يؤانس
بعد 12 ساعة طيران وصلنا مطار تل أبيب،   الجو رائع جداً يُذكرنا بطقس مصر الجميل المعتدل،   لقد تركنا خلفنا الثلوج والجو القارص البرودة حيث كندا معظم أوقات السنة مغلفة بالثلوج،  بدأنا نتخفف من الملابس الثقيلة وهيأنا أنفسنا للإستمتاع بجو صيفي حار.

ليس المُهم تل أبيب ولكن المُهم تطأ أقدامنا الأماكن التي تقدست بقدمي المسيح،  ونستنشق نسمات الهواء التي تعطرت بأنفاسه ومازالت،   لأنه الحي القدوس حيث السماء كرسي الله والأرض موطئ قدميه.

لا نستطيع صبراً،  نريد سحابة تحملنا إلي حيث هذا العبق الروحي التاريخي،   وقف أحد سائقي الميكروباصات ينظُر إلينا،  نحن بالتأكيد أجانب بالنسبة له،   إقترب مننا فتطاير إلي مسامعه جزء من حديثنا،  إنفرجت شفتاه بإبتسامة مُتهللة،  أنتم مصريين؟  نعم،  كان علي وشك أن يأخذ كل واحد مننا بين أحضانه،  مصر أغلي بلد علي قلوبنا نحن الفلسطينيين،  نحن لا ننسي محبة مصر وفضلها علينا ووقوفها بجانبنا سنيناً طويلة،   من شدة فرحته بنا خُيل إلينا  أنه سوف يحملنا علي كتفه بدلاً من ركوبنا سيارته،   عايزين تروحوا فين؟  وهو ده سؤال يا أبو عرب!   أه فهمت علي القدس القديمة طبعاً،  رفض أحمد أن يركب معه ركاب آخرين سوي نحن المصريين فقط،  في الطريق قال أنه يُعتبر فلسطيني من الدرجة الأولي حيث أن السلطات الإسرائلية تسمح للفلسطينيين من الدرجة الأولي بالعمل في الأماكن التي بها اليهود، وأيضاً في أماكن إقامة الفلسطينين.

وصلنا القدس  القديمة،  ووصلنا أحمد إلي فندق نوتيردام،  التي  كانت في الأصل دير وتحولت إلي فندق راقي نظيف ولكن الغرف ليس بها أى نوع من الكماليات،  فقط سرير ودولاب وحمام،  حاولنا أن ندفع أجرة مُجزية لأحمد لنعوضه عن عدم أخذ ركاب آخرين معنا وجعل التوصيلة قاصرة علينا نحن الثلاثة المصريين،   ولكنه رفض بشدة أن يأخذ مننا ولا شاقل واحد عرفاناً منه بالتقدير والمحبة لمصر.

وضعنا الحقائب بالفندق،  وسألنا  نُريد أن نذهب إلي القبر المقدس،  قالوا تقصدون كنيسة القبر المقدس!   أنها تقع في قلب البلدة القديمة من القدس،   خمسة دقائق من الفندق سيراً علي الأقدام وتكونون علي بوابة المدينة.

وصلنا بوابة المدينة وكأننا علي أعتاب قلعة يلتف حولها العديد من البوابات ربما حوالي 6 بوابات أو أكثر،  كل بوابة مملوكة لدولة أو طائفة من الطوائف المسيحية،   وأيضاً توجد بوابة للمسلمين،   وبوابة مملوكة للأقباط الأورثوذكس.
علي البُعد شاهدنا كنيسة عتيقةً رائعةً ليست ضخمة،  عرفنا لتونا أننا علي بُعد 10 دقائق من كنيسة القيامة،  أو كما يطلقون عليها كنيسة القبر المُقدس "Church of the Holy Sepulcher"  وهذه الكنيسة تعتبر من أقدس وأشهر الكنائس المسيحية علي مستوي العالم،  لأنها إتبنت علي جبل الجلجثة الذي صُلب فوقه المسيح،  وتم دفنه بقبر يوسف الرامي الذي أصبح قبر المسيح،  ولذا سُميت بكنيسة القبر المقدس،  وعلاوة علي الأهمية الدينية واللآهوتية للكنيسة إلا أنها تُمثل تزاوجاً معمارياً فريداً بين المدارس الفنية المُختلفة خاصة الشرقية والغربية،   أشرف علي بنائها زينوبيوس المهندس العربي السوري.
طول الكنيسة نحو80 متراً، وعرضها 66  متراً، وكان بالكنيسة 13 بئراً تتجمع فيها مياه الأمطار.

يُقال أن الكنيسة إتبنت في المكان الذي كان فيه معبد للإلهه أفروديت،   فلقد سمح رؤساء اليهود للوثنيين ببناء هذا المعبد فوق الجلجثة وهو المكان الذي شهد صلب يسوع المسيح لكي يطمسوا معالم المنطقة التي شهدت هذا الحدث العظيم.

في انجيل معلمنا لوقا تقول الآية (33:23) "ولما مضوا به إلي الموضع الذي يدعي جمجمة صلبوه هناك مع المذنبين واحداً عن يمينه والآخر عن يساره."
يري البعض أن كلمة "جمجمة" مُترجمة عن الآرامية "جلجثة"  وقد سُميت هكذا لأن شكلها المستدير يشبه جمجمة الأنسان،  أو لأنها كانت المكان الذي يقومون فيه بالصلب وبالتالي كثرت بها جماجم المصلوبين.
ولقد جاء في التقليد أن الموضع دُعي "جمجمة"  لأن فيه قد دفن آدم رأس البشرية،   وكأن الصلب قد رفع علي مقبرة آدم حيث تحولت جمجمته إلي تراب خلال فسادها وقد صُلب المسيح بين اثنين أثمة يُمثلان فساد العالم،   وجاء صلب المسيح  لينقذنا من خطية آدم وخطايانا الفعلية.

قبل أن نصل للكنيسة لفت إنتباهنا شكل المباني التي ذكرتنا بحي الصاغة وخان الخليلي والمناطق الأثرية القديمة التي عندنا بمصر،  فتجد المنازل صغيرة وقديمة جداً مُتراصة بجانب بعضها،  مبينية من الحجارة البيضاء التي يرجع تاريخها لمئات السنين،  المحلات تحت المنازل يملك معظمها الفلسطينيين،   ولا تجد أي من اليهود في هذه المنطقة سوي الكاميرات الإسرائيلية في كل مكان بالمنطقة،  تجد أيضاً السلالم الضيقة المبنية بالحجارة بين المنازل وكأنك تجتاز في دهليز أو صاعد علي جبل.

وصلنا الكنسية وفي الواجهة،  تستطيع مُشاهدة برج الأجراس وقد تهدم الجزء العلوي منه في القرن ال 16 وتم ترميمه في القرن التالي.

تجد علي اليمين دير مارابراهيم للروم الأورثوذكس حيث يقول التقليد،  أن ابراهيم أبو الأباء جاء إلي هذه الصخرة ليقدم ابنه اسحق ذبيحة للرب كما أمره،   وتجد بالدير مذبحاً،   وشجرة عالق بفروعها خروف كما رآه أبونا ابراهيم. 

أيضاً علي اليمين كنيسة ماريعقوب للأرمن وكنيسة الملاك ميخائيل للأقباط،   ويوجد درج يؤدي إلي كنيسة  "سيدة الأوجاع"  وعلي اليسار توجد 3 كنائس مُكرسة للقديس يعقوب والقديس يوحنا والشهداء الأربعين.

أخيراً سَندخُل كنيسة القيامة،   وإذ بهم يمنعوننا من الدخول،   إتضح أن هناك تعليمات من الأساقفة الذين يخدمون بالكنيسة، بأنه يجب علي الزائرين إرتداء ملابس محتشمة سواء للرجال أو النساء،   ويجب أن تضع النساء إيشاربات علي رؤوسهن،  المشكلة أن نادر كان مُرتدياً شورت ويجب تبديله ببنطلون،  ولذا قررنا أن نذهب وفي الغد نرجع من أول اليوم لزيارة الكنيسة وخصوصاً ان الوقت قد تأخر وكنا في شهر رمضان وحان موعد الإفطار.
محلات كثيرة تُقدم المأكولات العربية وتفترش الموائد علي الأرصفة،   جلسنا علي إحدي الموائد ونظر إلينا صاحب المطعم بعد أن رأي الصُلبان التي نرتديها وقال،   ممكن تنتظروا 10 دقائق لحين موعد الإفطار،  أجابت ليلي،  طبعاً سننتظر لأننا نُريد أن نحتفل بالإفطار معكُم،   إرتسمت علي وجه الرجل علامات السعادة والتقدير والمحبة.

في الصباح الباكر ذهبنا إلي كنيسة القبر أو كنيسة القيامة،  علي اليمين من مدخل الكنيسة تجد سلماً يحملك إلي كنيسة الجلجثة علي إرتفاع 5 أمتار عن الأرض،  وهذه تنقسم إلي كنيستين صغيرتين، واحدة تُدعي كنيسة الصلب تجد فيها المرحلتين العاشرة (تعرية يسوع من ملابسه) والحادية عشر (صلب يسوع)،   وفوق الهيكل الذي في صدر الكنيسة تجد صورة ليسوع المصلوب وعلي جانبيه القديس يوحنا وأمه العذراء مريم،  ويفصل هذه الكنيسة عن كنيسة الجلجثة هيكل صغير للعذراء أم الأوجاع وعمودان ضخمان.

أما تحت الهيكل وجدنا قرصاً مفتوحاً يشير إلي حيث وضع صلب يسوع،  وتسمح لنا هذه الفتحة بإدخال اليد ولمس الصخرة،  وهذا الموقع يعبر عن المرحلة الثانية عشر من درب الصليب،

نزلنا من كنيسة الجلجثة فوجدنا علي اليسار حجر من الجير الأحمر مُزين بالشمعدانات الضخمة والمصابيح وعرفنا أن هذا هو الحجر الذي قام يوسف الرامي بوضع الرب يسوع عليه لتكفينه ودهنه بالطيب قبل دفنه.

ونحن نتابع سيرنا بالقرب من الفسيفساء الذي علي الواجهه وجدنا سلماً صغيراً يؤدي إلي دير الأرمن فوجدنا قبه صغيرة تغطي حجراً مستديراً يقال عنه حجر المريمات الثلاثة اللواتي تبعن يسوع من الجليل ليخدمنه (المجدلية، مريم أم يعقوب ويوسي، وأم ابني زبدي).

إتجهنا ناحية اليمين ومررنا بين عمودين ضخمين لنصل إلي القبر في منتصف الكنيسة،   تزينه الشمعدانات الضخمة وهذا هو موقع المرحلة 14 من درب الصليب حيث وضع يسوع في القبر.

 قبة القبر المقدس وتُدعي "ANASTASI" وتاريخ بناؤها يرجع إلي حقبة قسطنطين،  وتعرضت للدمار والترميم علي مدي العصور وكان آخر ترميم لها في عام 1997. 

ينقسم البناء من الداخل إلي غرفتين، الخارجية عبارة عن دهليز لإعداد الميت ويقال لها كنيسة الملاك،   أما المدخل الصغير المغطي بالرخام فهو الباب الحقيقي للقبر الأصلي الذي وضع فيه يسوع وتم غلقه بالحجر بعد دفنه.

يوجد أيضاً العديد من الكنائس حول القبر المقدس وهُم:
كنيسة صغيرة للأقباط خلف القبر من أيام الصليبيين، كنيسة للسريان الأورثوذكس،  كنيسة للروم الأورثوذكس، كنيسة الأباء الفرنسيسكان، كنيسة القربان المقدس.
علي اليسار من كنيسة القربان توجد مغارة بها ثلاثة هياكل، الأول علي اسم لونجينوس الذي طعن يسوع بالحربة ليتأكد من موته.
الثاني سُمي كنيسة إقتسام الثياب،  وذلك حينما أخذ الجنود ثياب يسوع وقسموها أربعة أقسام بينهم أما قميصه فلم يقتسموه.  أما الهيكل الثالث فهو كنيسة القديسة هيلانة أم الأمبراطور قسطنطين التي كان لها الفضل في البحث عن صليب المسيح وحينما وجدته طلبت من ابنها الأمبراطور بناء هذه الكنيسة،  واستمر البناء حوالي 10 سنوات (325-335 م) والتي عرفت باسم كنيسة القبر أو كنيسة القيامة وهذا هو الموضع الفعلي لصلب المسيح فوق الجلجثة.
علي اليمين نجد سلماً يؤدي إلي مغارة "العثور علي الصلبان" وهي تمثل المكان الذي وجدت به الصلبان الثلاثة. 

يقول التاريخ أن الكنيسة تعرضت للحرق سنة  614 م   حينما غزا الفُرس بيت المقدس بقيادة الملك خسروا الثاني.
بعد أن استردها البيزنطيين سنة 630 م   رممها الأمبراطور هرقل.
أستولي العرب علي القدس سنة 638 م   ولكنها نجت من التدمير والخراب.
في سنة 1009 م  أمر الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله بهدم الكنيسة وقال "فليصر طولها عرضها وسقفها أرضاً" وهجموا عليها ودمروها وخربوها.
في سنة 1048 م   رممها البيزنطيين  في عهد الأمبراطور قسطنطين الرابع مونوماخوس.
بعد قيام الحروب الصليبية سنة 1096 م   أخذت بيت المقدس وتم ترميم الكنيسة في 1099 م   ثم حدثت ترميمات بعد ذلك عبر التاريخ.

من الطريف أن مفتاح الكنيسة منذ أكثر من ثمانية قرون وحتي اليوم بيد عائلتين مقدستين هما آل جودة (آل غضيه) والعائلة الثانية أنسباؤهم،  ويقال أنهما مسلمين،  تقوم هاتان العائلتان بمهمة فتح وغلق الكنيسة.

من الطريف أيضاً أن ليلي كانت عاملة عملية في رجلها قبل هذه الرحلة بشهر،   وكانت معها شنطة طبية كاملة بكل المستلزمات الطبية التي تساعدها علي المشي والحركة،   ولكن شكراً للرب وببركة هذه الأماكن المُقدسة لم تستخدم أي علاج أو وسيلة طبية بالرغم من كم الأماكن التي قمنا بزيارتها والتي تعتمد كلها علي السير لفترات طويلة.

أحبائي أدعوكم للقيام بهذه الرحلة المُمتعة وأخذ بركة هذه الأماكن وخاصة كنيسة القيامة،  وأيضاً أخذ بركة خروج النور المقدس من قبر المسيح في يوم سبت النور الذي يسبق أحد عيد القيامة،   وإن كنا نحن إفتقدنا مشاهدة وأخذ بركة النور المقدس،   حيث أن رحلتنا لم تكن في خلال فترة الإحتفالات بالقيامة.
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter