الأقباط متحدون - أوغسطين
أخر تحديث ٠٠:٢٢ | الخميس ٢٨ اغسطس ٢٠١٤ | مسرى ١٧٣٠ ش ٢٢ | العدد ٣٣٠٤ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

أوغسطين

قام بعرض الكتاب : ماجد كامل
من اصدارات المركز القومي للترجمة وضمن سلسلة "عقول عظيمة " صدر حديثا كتاب "أوغسطين " لجارث ب .ماثيوز ؛وترجمة أيمن فؤاد زهري ؛أما عن المؤلف ؛فهو فيلسوف أمريكي ولد بمديينة "بيونس أيرس " في الأرجنتين عام 1929 ؛وتخرج في "فرانكلين كوليبدج " وتابع دراساته العليا في جامعة هارفارد حتي حصل علي الماجستير عام 1952 ؛ ثم الدكتوراة عام 1961 ؛ وعمل بعدها مدرسا للفلسفة في جامعة "فرجينيا " و"مينسوتا " ؛حتي أستقر أخيرا في جامعة "ماساتشوتس " في الولايات المتحدة ؛ وله مؤلفات عديدة عن "سقراط " و"أرسطو " كما حرص علي الاهتمام بدراسات الطفولة .ولقد توفي في 17 أبريل 2011 عن عمر يناهز 82 عاما . أما عن القيمة الفكرية لأوغسطين ؛ فهي كما يذكر المترجم أبمن فؤاد زهري "لاهوتيا منقطع النظير ؛ومدافعا عنييدا عن العقيدة المسيحية ؛وفيلسوف اخلاقيا ؛كان مذهبه يقوم علي التوفيق بين المسيحية والأفلاطونية ؛ ويبرهن علي وجود الله ؛ ويري في الحب ؛حب الله وحب الإنسان ؛أحسن دافع يدفع إلي صنع الخير والفضيلة ؛ لقد كانت مؤلفات أوغسطين هي الينبوع الذي فاضت عنه تيارات متنوعة في الفكر المسيحي ؛ فهو اللاهوتي الذي صاغ لاهوت الكنيسة الكاثولوكية حتي عصر الاصلاح الديني ؛ ولقد وصل تأثير أوغسطين إلي العصور الحديثة حتي أننا نجد بين الفلاسفة المحدثين والمعاصرين من تأثر بفلسفة أوغسطين " . ولقد سجل أوغسطبن حياته بالتفصيل في كتاب هام وشهير له بعنوان "الاعترافات " كان ومازال واحدا من أهم الكتب في أدب السيرة الذاتية Autobiography . ولقد ولد في عام 345م لأم مسيحية تدعي "مونيكا " وأب وثني يدعي "باتريكيوس " ولقد تلقي تعليمه في مدينة قرطاج ؛غير أنه أشتهر بحياة اللهو العبث ؛ حتي أنه أتخذ لنفسه عشيقة ؛ولدت له أبنا أسمه " أديوداتوس " ولقد حرص أوغسطين في كل كتاب "الاعترافات " علي تسميته ب"أبن خطيئتي "ولقد سافر أوغسطين إلي روما لدراسة وتدريس فن الخطابة ؛ ثم أستقر في مدينة ميلانو ؛ وهناك تعرف علي أسقفها ويدعي " أمبروز؛وأستمع إلي عظاته حيث وجد فيها معينا لا ينضب من العلم والثقافة ؛حيث قال عنه في كتاب "الاعترافات " " لقد بدأت أحبه ؛ لا لأنه معلم يعرف الحقيقة ؛ إذ كانت ثقتي في الكنيسة معدومة وقتئذ ؛بل لدماثة خلقه ونبل مشاعره .فواظبت علي الحضور إلي كنيسته والاستماع بشغف إلي عظاته التي يلقيها علي المصلين ؛لا لأنه تنسجم مع مقاصدي وأفكاري آنذاك ؛بل استوثاقا من فصاحته ؛ ومما إذا كانت مهارته في الخطابة تستحق كل هذه الشهرة الواسعة التي طبقت الخافقين ؛فوجهت جل اهتمامي إلي القالب الذي صاغ فيه عظاته" .وبالفعل ؛وبفضل عظات "أمبروز " بالاضافة إلي عدة عوامل أخري ؛آمن اوغسطين بالمسيحية وتعمد في يوليو عام 386م ؛وهو في الثانية والثلاثين من عمره ؛ وعاد إلي بلاده وصار كاهنا في قرية صغيرة بمدينة "هيبو "(وهي قرية عنابة بالجزائر حاليا ) وبعد وفاة أسقفها ؛صار هو أسقف المدينة ؛وواظب علي الوعظ والخطابة وتأليف الكتب ؛وترك لنا ثروة ضخمة من الكتب والعظات والرسائل تعتبر كنوزا في التراث الإنساني العالمي ؛ حتي توفي في عام 430 سنة .
ولقدعرض المؤلف للعديد من القضايا الفلسفية التي كتب فيها أوغسطين ؛مثل "مشكلة الشر " "ثنائية النفس والبدن " ؛ الإيمان والعقل " ؛ علم الله المسبق وحرية الإرادة ؛ الكذب ؛السعادة ...... الخ . فعن مشكلة الإيمان والعقل ؛ يعتبر أوغسطين أول فيلسوف مسيحي حاول أن يؤكد علي أهمية العقل في حياة المؤمن ؛وهو الذي رفع شعار "آمن ؛ كي تعقل " وفي الفصل الثالث من كتابه "حرية الإرادة " حاول أن يصيغ البرهان علي وجود الله علي النحو التالي :-

1- إذا كان شيء أسمي من أنفسنا الناطقة بحيث لا يوجد ما هو أسمي منه ؛فيلزم أن يكون هذا الشيء هو الله
2- وبما أن الحقيقة أسمي وأفضل من أنفسنا الناطقة
3- فأنه يلزم إما ان تكون الحقيقة هي الله ؛وإما أن يكون الشيء الأسمي من الحقيقة هو الله
4- وعلي هذا فأن الله موجود
والمعروف عن القديس "أوغسطين " أنه من رواد التفسير الرمزي في دراسة الكتاب المقدس ؛ وعندما تصدي لتفسير ستة أيام الخليقة كما وردت في سفر التكوين ؛قال عنها " يحسن بنا كلما أستطاع العلماء أن يبرهنوا بالدليل القاطع علي حقيقة تتعلق بظاهرة طبيعة ما ؛ألا نبرزها في هيئة تتعارض مع النصوص المقدسة ؛أما حينما يبسط هؤلاء العلماء في مؤلفاتهم أمرا لا يوافق الكتاب المقدس ؛فلا يجب أن نتتردد ساعتها في أن نقر ببطلانه ؛وأن نبرز أيضا هذا البطلان بكل الوسائل الممكنة وعلي هذا النحو ينبغي أن نحتفظ في أنفسنا بمكان للإيمان بإلهنا ؛ينبوع الحكمة وموطن الحقائق كلها ما ظهر منها وما بطن ؛حتي لا يضللنا الإطناب في مزاعم فلسفة كاذبة أو تخيفنا خرافات دين زائف " . ولقد أستشهد العالم الإيطالي جاليليو ؛ بهذه الفقرة من أجل الحصول علي دعم كنسي من الكنيسة الكاثولوكية للاكتشافات العلمية التي توصل إليها . وفي فصل تالي من الكتاب بعنوان مشكلة الشر " فلقد كانت المشكلة الكبري التي أرقت "أوغسطين" طويلا ؛وعطلت إيمانه بالمسيحية هي قضية إذا كان الله كلي الجود والصلاح ؛ وكل خلائقه طاهرة ؛فمن أين آتي الشر إلي العالم ؛والحل الذي توصل إليه أوغسطين بعد جهاد طويل أن وجود الشر في العالم راجع إلي حرية الإرادة الإنسانية ؛فمادام الإنسان خلق عاقلا حر ومريدا؛ومناط أمره في يده ؛ فمن هنا فهو مسئول عن أفعاله ؛وفي الكتاب الثالث من محاورة أفوديوس ؛يقول أوغسطين " مادام الله قد خلقني ؛فإنني لا أستطيع أن أقوم بأي عمل صالح إلا بإرادتي الحرة . فمن الواضح تماما أن الله بوصفه الخير الأسمي قد أنعم علي بالإرادة الحرة من أجل تحقيق هذه الغاية . وإذا لم تكن الحركة التي تصبو بها الإرادة إلي هذا الشيء أو ذاك حرة وفي نطاق قدرتنا ؛فلن نستحق أن يسدي إلينا الثناء عندما نقوم بالأعمال الصالحة ؛أو اللوم حينما نقترف علي الضد من ذلك " . وشرف الإنسان هو حريةالذي يميزه عن باقي المخلوقات هي الحرية ؛وهو في ذلك يقول " لما أن فرسا ضالا هو أفضل من حجر لا يضل ؛ مادام الحجر لا يملك من أمره حركة ولا إدراكا ؛فإن الكائن الذي يخطيء بملء إرادته الحرة هو أفضل من الكائن الذي لا يخطيء البتة لأنه يفتقر إلي الإرادة الحرة " . وفي نص آخر قال فيه " لو لم يخطيء أحد في هذا العالم ؛ لصارت الدنيا ملأي فقط بالكائنات الخيرة . ومع ذلك فإن التسليم بحدوث الخطيئة ليس معناه أن الكون كله ملؤه الخطيئة ؛طالما أن العدد الأكبر من الأجسام يسير بطبيعته وفقا للنظام الذي جبل عليه " .

أيضا من القضايا التي أهتم بها "أوغسطين " قضية الكذب ؛وخص بها رسالتين من مؤلفاته ؛ الرسالة الأولي بعنوان "في الكذب " وكتبها عام 395م ؛أي نفس السنة التي صار فيها أسقفا لهيبو ؛ والرسالة الثانية بعنوان "ضد الكذب " وفي هاتين الرسالتين أكد "أوغسطين " علي رفضه وكرهه للكذب ؛ ففي الفصل الثالث من الرسالة يقول " إن الشخص الذي في حديثه ينطق بالكذب لا يكون كاذبا إن كان يعتقد ؛أو علي الأقل يظن أن ما يقوله هو الصدق بعينه ؛ ذلك أن الكاذب هو شخص يحتفظ برأي في خلده ويصرح بغيره سواء بالكلمات أو بوسائل التعبير الجسدية الأخري كالايماءة والإشارة . ولهذا السبب يقال أن للكاذب قلبا ذو وجهين ؛ذلك أنه في تفكيره يجمع بين رأيين ؛رأي يتمثل في هذه المعرفة التي يدرك أو يعتقد بأنها صادقة ومع ذلك لا يصرح به ؛ورأي آخر يكمن في تلك المعرفة التي يدرك أو يعتقد بأنها كاذبة ؛ ولكنه يصرح بأنها هي الحق " . ولقد تعرض أوغسطين للشخص الذي يعتقد آراء خاطئة أو فاسدة ؛ ولكنه لم يعتبره من ضمن الكاذبين ؛ وهو في ذلك يقول "الشخص الذي في حديثه ينطق بالكذب معتقدا أنه الحق فمن الجائز أن يقال عنه إنه قد أخطأ أو تسرع فيما يقول فيما يقول ؛بيد أنه ليس من الإنصاف قط أن يقال عنه إن كاذب ؛ ذلك لأنه لم يقصد البتة أن ينطق بالكذب أو يخدع أحدا ؛بل أنه هو نفسه ضحية للخداع والتضليل " .

الفصل الأخير من الكتاب بعنوان "السعادة " فلقد عني "أوغسطين " بقضية السعادة عناية كبيرة ؛ ولقد خصص لها فصلا كاملا في كتاب " الرد علي الأكاديمين " كما كتب رسالة بعنوان " في الحياة السعيدة "كذلك أيضا الفصل العاشر من كتاب "الاعترافات " نذكر منها قوله "ليس التوق إلي السعادة أو نشدانها يختص بي وحدي ؛ولا بزمرة من الناس بل أن جميع الناس يريدون أن يكونوا سعداء .والحق أنه لم ما لم نكن نعرف السعادة حق المعرفة لما تمنينا أن نكون سعداء بمثل هذه الرغبة العارمة والإرادة الثابتة . ولكن من أين تتولد تلك السعادة التي نتوق إليها ؟ وما هي ؟ ". ويجيب أغسطين عن هذا السؤال بقوله مناجيا ربه " السعادة الحقيقة هي أن يجد الإنسان لذته فيك ولأجلك وبسببك . وأما اللذة الحقة فلا يبلغها الكافرون بنعمتك ؛ذلك لأنهم لا ينشدون إلا اللذات الزائفة ".

ويضيف أوغسطين سببا هاما للسعادة الإنسان هي أن يحصل علي ما يريده وفي نفس الوقت يكون هو خير له " ولقد سجل هذا الرأي في أحدي كتاباته حيث قال " ليس ثمة شك في إننا جميعا نريد أن نحيا حياة سعيدة . ومن ذا الذي يمكنه أن ينكر هذه القضية ؛حتي من قبل أن تتردد علي مسامعه . ومع ذلك فالسعيد في نظري وصف لا يقال علي الشخص الذي لم يحصل علي ما يحبه أيا كان ؛ ولا علي الشخص الذي يحصل علي ما يحبه ويصبوا إليه لو كان فيه ضرر لنفسه ؛بل عندما يكون خير الإنسان هو عينه ما يحبه ويمتلكه في وقت واحد . ..... وعلي هذا يحسن بنا إذا أردنا أن نحيا حياة سعيدة أن نحصل علي ما هو خير لنا ".

نشر بجريدة القاهرة بتاريخ 31 ديسمبر 2013
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter