الأقباط متحدون - الخليفة المنتصر بالله..واضطهاد الأقباط في عهده
أخر تحديث ٠٠:٥٨ | الخميس ٢٣ سبتمبر ٢٠١٠ | ١٣ توت ١٧٢٧ ش | العدد ٢١٥٤ السنة السادسة
إغلاق تصغير

الخليفة "المنتصر بالله"..واضطهاد الأقباط في عهده


بقلم: جرجس بشرى
الشخصية التي نتناولها اليوم، وهي شخصية الخليفة "المنتصر بالله"، تُمثّل نموذجًا مُصغرًا من نماذج اضطهاد وقمع الخلفاء المسلمين لأقباط "مصر" في بلدهم، ويقول العلامة القس "منسى يوحنا" في كتابة "تاريخ الكنيسة القبطية": إنه بويع الخلافة سنة 1036م، بعد "الظاهر بن الحاكم"، وفي أيامه اتنف بعض الأقباط الدين الإسلامي، وحدث أن أحد كبار موظفي الأقباط كان له ولد عاص فطرده من بيته لخروجه عن طاعته، فاعتنق الإسلام، وكان خاله "جرجس أسقف"ميساره" فوعظه كثيرًا لكي يرجع إلى دينه فلم يرجع فحرمه من ميراث أبيه، ولكنه بعد مدة عاد إلى ديانته وترهّب في دير القديس "ميخائيل" باسم "نيقام "أي التائب"، وترآى له فيما بعد أن يكفّر عن جحوده للمسيح بإعلان ايمانه أمام الناس الذين كانوا يعرفونه وقت إسلامه، فانطلق إلى "القاهرة" واجتمع بهم وهو بلباس الرهبنة، فاغتاظوا منه وانهالوا عليه ضربًا، وألقوه في السجن؛ فسعى والده لدى القاضي ودفع له رشوة ليفتي بإخراجه فافتى القاضي بإمكانية خروجه إذا تظاهر بالجنون، ويقر الأطباء عنه إنه مجنون أمام شهود. فأقنعه أبوه بضرورة إتباع تلك الطريقة للتخلص من السجن فأعطاعه، وخرج أبوه ليدعو الأطباء.

إلا أن أحد الرهبان تمكّن من الوصول إليه في السجن ووبّخه على ما عزم عليه من إتباع الطريقة المشينة لشرف المسيحية فعدل عما نواه، ولما تقدّم الأطباء ليفحصوه، اعترف بايمانه بالثلاثة الأقانيم، فاغتاظ منه الشهود، وقدّموا عنه تقريرًا للقاضي فأمر بقطع رأسه، فسيق إلى مكان يدعى"رأس الجسر" والجماهير تتبعه بكثرة من مسلمين ومسيحيين. وقبل إعدامه عرض عليه الضابط المكلَّف بذلك الاعتراف بالإسلام، ووعده بأن يهبه مقابل ذلك الحصان الذي كان راكبا إياه، ويرفعه الخليفة إلى أسمى الرتب، فأجابه الشاب: لا تتعب نفسك مع من يتأكد أن كل مجد العالم لا يساوي شيئًا يسيرًا من ملكوت السموات الذي يرغب الحصول عليه"، فتقدّم إليه الجلاد وسيفه يلمع في يده، وهدده قائلاً: إن لم تنثن فهذا السيف الحاد يقطع حبل حياتك بعد ثوان. وأراد أحد المؤمنين أن يغطي عينيه كي لا يجزع رهبة الموت، ولكن لم يتمكن من ذلك؛ لأن الجند منعوه، فناداه باللغة القبطية قائلاً: "تشجع يا جندي المسيح فإن ملاكًا أراه فوق رأسك، وبيده إكليل جهادك"..ثم تحوّل الشاب إلى ناحية الشرق وجثا على ركبتيه وصلى ومد عنقه للجلاد، فأطاح عنه رأسه، وسلّم جسده لأهله بناء على أمر الخليفة ودفن بجوار كنيسة الملاك "ميخائيل"، وبعد ذلك حضر البابا "خيرستوذولو" الطريرك، ودفنه في الكنيسة بكل احترام.
 
 اضطهاد  الأقباط
ويقول القس "منسى يوحنا" في كتابه "تاريخ الكنيسة القبطية": إنه كان لـ"المستنصر" وزيرًا ضعيف الرأي سيئ التدبير يُسمى "محمد البازوري"، كان شديد الكراهية للمسيحيين عمومًا والأقباط خصوصًا؛ لميل الخليفة إليهم، فكان يترقب فرصة للإيقاع بهم فاتيحت له عندما أبلغه عدو لهم إنهم شيدوا كنائس جديدة؛ فأمر بهدمها، وبقفل جميع الكنائس المسيحية في القطر المصري، فثار المسيحيون وكادت تقع الفتنة لولا أن الخليفة قبض على ذلك الوزير ونفاه إلى جهة "تانيس" بأقصى الوجه البحري، وبعد ذلك قتله؛ لأنه كان يهيج المسلمين عليه، بإشاعته عنه إنه يمكّن الأقباط من الترأس على المسلمين، وذلك لأن الخليفة كان يعرف جيدًا أمانة الأقباط ونشاطهم في عملهم فثبّتهم في وظائفهم رغم قيام المسلمين عليهم، وطلبهم منه أن يخلعهم من وظائفهم. وحدث إنه إرضاءً لخاطر المسلمين خلع مئات وعشرات الأقباط من وظائفهم، مما تسبب في ارتباك الأعمال، فالتمس المسلمون بعد ذلك أن يعيدهم إلى وظائفهم فعادوا مبجّلين.
 
كما أصدر المستنصر بعد ذلك أمرًا- قصد به إرضاء خواطر المسلمين- يقضي بهدم كنائس الوجهين القبلي والبحري، واُنيط ذلك برجلين مسلمين هما "أبو الفرج البابلي" للوجه القبلي، و"ناصر الدولة" المكّلف بهدم كنائس الوجه البحري، والذى كان أكثر قساوةً، فتخرّبت كنائس "دمنهور" وأُقفلت سائر كنائس الدلتا. وفرض على الأقباط ضريبة سبعة آلاف دينار في نظير صبره على قفل الكنائس، ولكنه بينما كان جادًا في ذلك، وقع من على حصانه بغته فقُتل لساعته، وبموته كف الاضطهاد عن الأقباط.

 

أما أقباط "الإسكندرية" فكانوا في حال أسعد لحسن أخلاق واليهم، فإنه لم يكد يتلقى أمر الخليفة بضرورة دفع الأقباط ستة آلاف دينار حتى أخطر الإكليروس به، وطلب منهم أن يُخفوا كل ما يوجد بالكنائس من الأمتعة الثمينة. ولما جاءت جنود الوالي في الصباح لسلب الكنيسة لم يجدوا فيها غير الحصر والستائر. وكتب للخليفة يعتذر عنهم بإنهم فقراء لا يقوون على دفع المبلغ، واقترح عليه إنقاصه إلى ألف دينار فقط فقبل الوالي، فجمع النصف من الأقباط والنصف الآخر من الأروام. 
كما أخذ رجال الخليفة جميع مفاتيح الكنائس، ولم يعط للبطريرك إلا مفاتيح كنيسة واحدة، وقيل أن رأس يوحنا المعمدان كانت محفوظة عند الأقباط فخبأوها حينئذ خشية أن تصل إليها أيدى الناهبين.
 
وحدث أن جاء إلى "مصر" عرب "بني هلال" من بلاد "نجد"، وكان عددهم عظيمًا جدًا، وبموجب أمر أميرهم "حسن بن سرحان" وقائديهم "دياب بن غانم"، و"سلامة بن رزق" المشهور بـ"أبو زيد"، عبروا النيل، وأخربوا كل الأديرة وقتلوا رهبانًا كثيرين، وأُصيبت البلاد بجوع شديد، أعقبه وباء مهلك، فتضافرا على جلب الشقاء على السكان حتى أن أهالي مدينة "تانيس" هلكوا جميعًا من الجوع بما فيهم "ميخائيل" أسقفهم، ولم يبق منهم سوى مائة نفس.
الأقباط يطلبون معونة من ملك النوبة، وخشية "المستنصر" من ملك الحبشة 
ولما اشتد الحال، طلب الأقباط من "جرجس" ملك النوبة أن يمدهم بما يفرج كربهم،  فأمدهم بمؤونة أرسلها مع بعض الرسل، ولكن "ناصر الدولة" الوزير أرغمهم على العودة بما معهم من مؤونة.
كما حدث أن امرأة قبطية كانت تملك عقدًا يبلغ ثمنه ألف دينار، فاستبدلته بكيس دقيق. وخوفًا من إنه لا تصل به إلى منزلها استأجرت قومًا يحمونها بالسيوف، حتى بيتها، ولما صارت قريبة منه، رآها الجائعون فهجموا عليها واختطفوا الكيس بين أيديهم، وأخذ كل منهم ما تمكن من اختطافه، ولم تتحصل المرأة إلا على ما يكفي رغيف واحد، فصعدت به على سور المدينة وصاحت بإن هذا الرغيف كلفني ألف دينار، فوصل الخبر إلى مسامع الخليفة فألزم التجار بصرف ما عندهم للجائعين، فانصرف الكرب.
 
كما استعان الخليفة "المنتصر" بـ"بدر الدين الجمالي" الأرمني ليرد عنه غارات الأعداء. وقيل أن "بدر الدين" هذا كان مسيحيًا. ومع إنه كان يميل للمسيحيين، إلا أنه لم يظهر الميل إليهم.
 وروى المؤرخ "أبو المكارم" إن "الجمالى" مات مسيحيًا لكونه دُفن في "البساتين" بـ"حلوان" بجوار الكنيسة الأرمنية. ولما هدأت الأحوال كلف الأقباط بتنظيم الدواوين وتشكيلها على هيئة جديدة، وعهد إليهم ضبط الحسابات، وتحصيل الأموال؛ فتحسنت الايرادات وبلغ مقدارها ضعفي ما كان عليه من قبل. وبعدها عاد "المستنصر" إلى قوته، فاضطهد الأقباط كما اضطهدهم الحاكم، وأمرهم بلبس الزنار الأسود، وفرض الضرائب على أفرادهم، وكاد يستمر في طغيانه لولا خوفه من أن يغتاظ منه ملك الحبشة.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter