الأقباط متحدون - هل هم عنصريون وهل نحن إرهابيون؟
أخر تحديث ٠٧:٢١ | الجمعة ٢٩ نوفمبر ٢٠١٣ | هاتور ١٧٣٠ ش ٢٠ | العدد ٣٠٢٥ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

هل هم عنصريون وهل نحن إرهابيون؟


أكتب عن فرنسا وعينى على مصر. فالقضايا التى تشغل الفرنسيين ليست بعيدة عن القضايا التى تشغلنا. فإن لم تكن هى هى فالمناخ الكونى الذى يثيرها والتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى تقف وراءها تؤثر فى مصر وفى فرنسا وفى العالم كله.

نحن مثلاً لا نواجه فى مصر مشكلة العنصرية التى تشغل الفرنسيين فى هذه الأيام، كما تشغل الإيطاليين والألمان والأمريكان وغيرهم، لكننا نواجه فى المقابل مشكلة التطرف الدينى وما ينتج عنها من مصائب. الخلط بين الدين والسياسة، والإرهاب، والفتنة الطائفية، واستبعاد المرأة، والعدوان على الحريات.

ولقد يبدو أن العنصرية شىء والتطرف الدينى شىء آخر. والواقع أنهما شيئان مختلفان لو نظرنا لكل منهما منفصلا عن الآخر وبعيداً عن المناخ الذى نشأ فيه. فالعنصرية موقف مبنى على نظرية تزعم أن بعض الأجناس أفضل وأرقى من بعضها الآخر. وقد نشأت على أساس هذا الزعم الباطل تيارات فكرية وأحزاب سياسية ساقت العالم إلى الكوارث التى عرفها فى الحرب العالمية الثانية، ومنها الفاشية فى إيطاليا والنازية فى ألمانيا، فضلاً عن الجماعات والمنظمات الأمريكية التى شنت على السود الأمريكيين حرباً متصلة لم تخف حدتها إلا فى الأعوام القليلة الماضية، وعن اليمين الأوروبى المتطرف الذى ورث النازية والفاشية ونشط فى العقود الأخيرة مستغلاً خيبة الأمل فى الأحزاب اليسارية والنظم السوفيتية التى فشلت فى الوفاء بوعودها وانهار معسكرها بعد أن انهارت الامبراطوريات الاستعمارية، وتركت للأوروبيين فى عقر دارهم ميراثاً كان عليهم أن يتحملوه، وهو هذه الملايين من الأفارقة والعرب والآسيويين الذين استقروا فى فرنسا وألمانيا وإنجلترا وبلجيكا وهولندا، وأصبحوا يتمتعون - نظرياً على الأقل - بالحقوق التى يتمتع بها المواطنون الأوروبيون الأصليون ويزاحمونهم فى كل مجالات حياتهم، ومنهم من يتجاوز الحد ويخرج على قوانين البلاد فيزود الأحزاب العنصرية كـ«الجبهة الوطنية» فى فرنسا و«القوة الجديدة» فى إيطاليا بأمثلة تستثير بها الجمهور وفيه الجائع والعاطل والجاهل، وبحجج تستند لها هذه الأحزاب فى حملتها على الأجانب وسياستها العنصرية الصريحة والضمنية. هذا المناخ الذى أفرز هذه التيارات العنصرية فى أوروبا وفى الغرب عامة ليس بعيداً عن المناخ الذى أفرز جماعات الإسلام السياسى التى نشأت متحالفة مع القوى الغربية الاستعمارية أو منشقة عليها. ولابد أن نتذكر هنا أن تنظيم القاعدة نشأ فى أحضان المخابرات الأمريكية فى الحرب التى شنتها الولايات المتحدة على الوجود السوفيتى فى أفغانستان قبل أن ينفصل عنهم وينقلب عليهم، وكما نشأت تنظيمات إرهابية أخرى فى الحرب التى شنها العنصريون السلاف على مسلمى البوسنة، بعد أن تفككت يوغوسلافيا الاشتراكية وأصبحت دولاً مختلفة.

ولو أرسلنا النظر بعيداً إلى عشرينيات القرن الماضى فسوف نرى أن جماعة الإخوان المسلمين ارتبطت نشأتها وسيرتها كلها أشد الارتباط بالأحداث والتطورات التى شهدتها منطقتنا، وشهدها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الأولى إلى يومنا هذا. ففى نهاية هذه الحرب أعلنت بريطانيا على لسان وزير خارجيتها وعدها بمساعدة الحركة الصهيونية فى إقامة وطن قومى لليهود فى فلسطين. وبعد هذا الوعد بسنة واحدة اشتعلت الثورة المصرية ضد المحتلين الإنجليز ونجحت فى تأسيس دولة وطنية وإقامة نظام ديمقراطى تحت الشعار العلمانى العقلانى «الدين لله والوطن للجميع» وبعد ذلك بسنوات قليلة نجح مصطفى كمال أتاتورك فى إقامة جمهورية علمانية فى تركيا على أنقاض خلافة آل عثمان الموروثة عن عصور الظلام. وفى أعقاب ذلك نشأت جماعة الإخوان فى مصر لتكون ملجأ للقوى المحافظة المهزومة التى خسرت معركتها مع زعماء النهضة وأنصار الدولة الوطنية والنظام الديمقراطى، لكنها ظلت تشن هجماتها ضد مشروع النهضة المصرية فى ظروف الثلاثينيات والأربعينيات التى انحاز فيها الغرب الرأسمالى والشرق السوفيتى للمشروع الصهيونى الذى لم يعد مجرد حلم توراتى، بل أصبح حلا سياسياً لمشكلة العداء للسامية واضطهاد اليهود فى أوروبا الفاشية والنازية.

وقد اتفقت فى هذا الحل مصلحة اليهود والصهيونيين الساعين لإقامة وطن قومى لهم فى فلسطين ومصلحة المستعمرين الغربيين الذين رأوا تحت ضغط الحركات الوطنية العربية أن يرحلوا عن المنطقة، لكنهم قرروا أن يحولوا فلسطين عن طريق المشروع الصهيونى إلى مسعمرة غربية دائمة وقلعة حصينة ترعى مصالحهم فى المنطقة. وكما صنعوا فى فلسطين صنعوا فى الهند التى حولوها إلى دولتين إحداهما للهندوس والأخرى للمسلمين. وقد كان هذا الخلط المفضوح بين الدين والسياسة الذى لم يتورع عنه المستعمرون الغربيون - رواد العلمانية! - حجة ساعدت الإخوان فى خلطهم المماثل وفى دعوتهم لإحياء الخلافة وتطبيق الحدود!

هل نكون مبالغين إذا قلنا إن المشروع الصهيونى هو النموذج الذى أوحى للإخوان، ومن بعدهم آيات الله فى إيران، بأن ينهجوا على مثاله وينسجوا على منواله؟ كما أنه النموذج الذى يطمح الأمريكيون، خاصة، لتكراره فى دولة المرشد التى يشجعون الإخوان على إقامتها ليضعوا فيها أيديهم على مصادر الطاقة، ويحاربوا بها دولة الآيات، ويجعلوها حلا إسلامياً سعيداً للقضية الفلسطينية.

القضية الفلسطينية قضية وطنية وليست مشكلة لاجئين، والقضية الوطنية لا تحل إلا بعودة الشعب إلى وطنه المغتصب. أما اللاجئون فيمكن توطينهم حيث يوجدون الآن فى الأردن ولبنان وسوريا. وهذا هو الحل الذى تستطيع أن تقدمه دولة المرشد التى تقوم على أساس آخر غير الأساس الذى تقوم عليه الدول الحديثة.

الدول الحديثة دول وطنية تبنى وجودها وتسن قوانينها على أساس المواطنة، أى بمشاركة أبناء الوطن جميعا على اختلاف أصولهم ودياناتهم وطبقاتهم الاجتماعية فى تأمين وطنهم والدفاع عن أرضه والتعاون فى تمدينه وتعميره وتحقيق السعادة فيه لكل أبنائه. أما دولة المرشد فتقوم على أساس العقيدة الدينية التى تصبح لصاحبها انتماء يتراجع معه الانتماء الوطنى أو يجد فيه تعويضاً عنه. لأن أرض الله واسعة. وفى دولة المرشد يمكن أن تصبح سيناء تعويضاً مناسباً للاجئين الفلسطينيين عن فلسطين. فإذا قلنا لهم «مصر للمصريين» قالوا طظ! ومادام هذا الحل السعيد يرضى الإخوان ويرضى حماس فهو الحل الأمثل عند الإسرائيليين والأمريكيين، الذين يمكنهم فى المقابل أن يجزلوا للإخوان العطاء! وقد استطردت فى الحديث عن جماعات الإسلام السياسى تحت إلحاح ما نواجهه فى مصر وفى منطقتنا. لكنى أردت بهذا الاستطراد أن أوضح ما قلته عما يشغل العالم ويشغلنا عن مشكلات تبدو متباعدة مختلفة، لكنها تحدث فى مناخ واحد وتعود لأسباب مشتركة، فإن تمثلت عندنا فى صورة وتمثلت عند غيرنا فى صورة أخرى فذلك راجع لتعدد المواريث واختلاف الظروف المحلية.

التطرف الدينى فى مجتمعاتنا يختلف بالطبع عن التطرف الوطنى فى المجتمعات الأوروبية. لكن التطرف واحد. والجماعات والأحزاب التى تستخدم الدين وتتاجر به عندنا لا تختلف عن الجماعات والأحزاب التى تتاجر بالوطن وتستخدم الدين أيضاً فى فرنسا.. وإذا كان التطرف عندنا يتمثل فى التمييز الطائفى واضطهاد الديانات الأخرى، فالتطرف الوطنى فى أوروبا يتمثل فى اضطهاد الأجانب والملونين بالذات.

والسؤال: هل الأوروبيون جميعاً عنصريون؟ وهل نحن جميعاً إرهابيون؟

والإجابة فى المقالة القادمة!

نقلا عن المصرى اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter