بقلم : مدحت بشاي
medhatbe@gmail.com
في الفترة الأخيرة من الزمن المباركي ، سألوا الدكاترة أسامة الغزالي حرب وحسام البدراوي وعبد المنعم سعيد وهالة مصطفى وغيرهم من أصحاب الرؤى الوطنية والخبرات السياسية وقضوا أعماراً في البحث والتنظير والقراءات الواعية لتاريخ البلاد والعباد ، وهمه همه اللي عرفوا الناس يعني إيه ديكتاتورية وفاشية والحكم الشمولي والاستبدادي والشفافية والعقد الاجتماعي والعدالة الاجتماعية .. إلى غير ذلك من آلاف المصطلحات وفي مقدمتها " الإصلاح من الداخل " والتي أكدوا بمقتضى فكرتها أنهم أعضاء في لجنة سياسات جمال مبارك لأن وجود المصلح السياسي في مطابخ صنع القرار ضرورة تاريخية وأمانة حملها لهم الظرف التاريخي وتحدي أصعب من ثرثرة الببغاوات في مؤتمرات الأحزاب الورقية وفضائيات الزعيق والنميمة ..
هكذا أقنعونا وبرروا لأنفسهم ولمن استبشعوا وجودهم في بيت السلطان وابنه وحواريه ، بينما ابن السلطان كان يتباهى بوجودهم كورود مطيبة للأجواء ، وكمحلل سياسي لدعم التقدم نحو تحقيق التوريث !!
عبر حديث للدكتورة هالة مصطفى رئيس تحرير مجلة الديمقراطية أجرته معها الإعلامية باسنت موسى عام 2008 على صفحات الموقع الشهير " الحوار المتمدن " ، كان السؤال : تصريحاتكم بالاستقالة من الحزب الوطني قوبلت ببعض التحليلات التي تقول أن الحزب الوطني لن يتأثر بخروج أحد من النخبة لأنه حزب قائم على الكتل الضخمة الموجودة في المراكز وقيادات الحزب في المحليات والمشايخ والعمد ؟ وكان رد الكتورة هالة : تعرضت لهجوم غير نقدي بالمعنى السليم من بعض الأعضاء بالحزب واللغة التي تقترب من السفاهة السياسية التي استخدمها هؤلاء أكدت لي أننا لا نعرف كيف نختلف في أحيان كثيرة فنهدم دون وعى ، لكن ما أود الإشارة إليه أن هناك فرق بين الإصلاح والحسابات الانتخابية بمعنى أن النخبة هي التي ترسم خطة الإصلاح كما أن النخبة طوال التاريخ المصري هي التي صنعت النهضة ومازالت أسماء هؤلاء عالقة بأذهاننا كقاسم أمين وطه حسين ولطفي السيد وهؤلاء كانوا من النخبة وأي حزب يحتاج للنخبة كما يحتاج للكتل الشعبية لكنه لا يقوم فقط على تلك الكتل .
وهنا تبرر الدكتورة وجودها بأنها تشارك في رسم خطة الإصلاح ، وكأنها لاتعرف نوايا وأهداف وتركيبة أهل البيت السلطاني بغرفه الحزبية و النيابية والتنفيذية ، وتؤكد على ضرورة وجود النخبة مستدعية أدوار طه حسين وقاسم أمين ولطفي السيد في مقارنة غريبة لأن زمن هؤلاء كانت البلاد ترزح تحت نير احتلال ، وهو مايبرر الوجود السياسي والنخبوي ضرورة في كل المواقع ..
أما الدكتور أسامة الغزالي حرب عو لجنة سياسات جمال مبارك فقد قال : إن الإنقسام بين من يسعون للإصلاح ومن يقاومونه في المجتمعات الوطنية, ليس انقساما أفقيا بين حاكمين ومحكومين, وإنما هو بالأحري انقسام رأسي يشمل الحاكمين والمحكومين معا, بمعني أن قوي الإصلاح يمكن أن تكون موجودة في داخل المؤسسات الحاكمة, مثلما يمكن أن توجد خارجها في الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني .. الخ. والأمر نفسه ينطبق علي القوي المقاومة للإصلاح والتي يمكن أن توجد في داخل وخارج المؤسسات الحاكمة. فهناك في المجتمع, خارج إطار المؤسسات الحاكمة قوي لا تؤمن بالديمقراطية, أو لا تعطيها الأولوية
! ومجيء الإصلاح علي يد قوي من داخل المؤسسات والأحزاب الحاكمة, ظاهرة عامة, وربما كانت أبرز مظاهرها المعاصرة, عمليات الإصلاح والتغيير الشامل التي عرفتها دول الكتلة الشرقية في تحولها تجاه الديمقراطية, بما فيها الاتحاد السوفيتي (أو روسيا) نفسها ! وفي هذه الأخيرة مثلا, جري الإصلاح الليبرالي علي يد قيادات وعناصر كانت هي نفسها أعضاء وكوادر في الحزب الشيوعي السوفيتي. ولا يغني عن وجود القوي الداخلية الساعية للإصلاح, أي ضغط أو تدخل خارجي مهما كانت قوته .. بل إن هذا الضغط يمكن أن يولد بذاته رد فعل معاكسا, أو أنه يمكن أن يستغل من جانب القوي المعادية للإصلاح لتشويه الدعوة الإصلاحية باعتبارها تدخلا خارجيا مرفوضا ! ... والحقيقة أن ما حدث بعد ذلك على الأرض كان فيه الكفاية للرد على طرحه .
وفي زمن الإخوان يقول د. رفيق حبيب الرجل الثاني في حزب الحرية والعدالة قبل أن يقدم استقالته : إن الرئيس محمد مرسى يتبع سياسة دمج الدولة فى عملية التغيير والإصلاح، فلا يجعل تلك العملية تأتى من خارج الدولة، وكأنها ضدها، بل يعمد لجعل عملية التغيير والإصلاح تخرج من داخل الدولة، من خلال فتح المجال أمام القيادات القادرة على تجاوز أداء الماضى من داخل جهاز الدولة.كما أن هذه السياسة تساعد على إحداث المصالحة بين الدولة والثورة، وتنهى مرحلة الخصومة بين الدولة والقوى الإسلامية، خاصة جماعة الإخوان المسلمين، على أساس أن مرحلة الخصومة السياسية انتهت بنهاية النظام السابق، وأصبح من الضرورى فتح الباب أمام قيادات جهاز الدولة؛ لتتبنى دورًا جديدًا لها، بالطبع دون تورط فى الفساد أو أى جرائم؛ لأن الثورة ليست ضد الدولة ولا ضد العاملين بالدولة، حتى إن كان النظام السابق قد استغل الدولة فى مواجهة المجتمع...
إصلاح من الداخل .. إصلاح بالطول والورب .. أي إصلاح منتظر من النخبة التي قبلت بأحزاب دينية والوقوف بعتبات فندق الموالسة للسلطان وقبول بعضهم مناصب أهداها لهم سلطان أراها مثلت علاملت سوداء في تاريخهم وتاريخ وطن ما كان ينتظر منهم تلك المواقف المخزية ؟!!
وأكتفي بتلك الرسالة حررها د. وسيم السيسي .. يقول ، لقد طلب أمير المؤمنين من أبى العلاء المعرى أن يكون ناصحاً، ومشيراً له، فرفض أبوالعلاء برسالة فيها: قالوا عنى عالم والقائل بهذا هو الظالم، وأمير المؤمنين يأمر للكسير «المكسور» بالجبر، كيف يأمر بإخراج ميت من قبر؟! فلما سأله تلاميذه: لماذا رفضت هذا المنصب الرفيع؟ قال: توحد فإن الله ربك واحد وابعد عن عشرة الرؤساء!! لعل نكبة البرامكة فى العصر العباسى الأول كانت ماثلة أمام عينيه! ...هذه رسالة قصيرة أوجهها للدكتور سمير مرقس.