بقلم: د. رشدي عوض دميان
’’ الدرس إنتهى .. لِمُّوا الكراريس ‘‘ قصيدة كتبها صلاح جاهين بعد الحادثة الوحشية التى إرتكبتها إسرائيل عندما قصفت طائراتها مدرسة إبتدائية للأطفال فى قرية بحر البقر بمحافظة الشرقية فى شهر أبريل سنة ۱٩٧٠ ، وكان صلاح جاهين - بمعنى مجازى - يطلب من كل أصحاب الضمائر فى العالم ومن كل رجال الفكر الحر الواعى أن يتعرفوا عى مدى بشاعة هذه المذبحة ، وأن يقولوا رأيهم فى الجرائم الصهيونية التى وصلت إلى حد قصف مدرسة للأطفال ؟! كما كان وكأنه يستنكر سكوت العالم على هذه الجرائم التى وصفها بأنها من فعل الشياطين ، وكان يُنْهِى كل فقرة من فقرات هذه القصيدة بأن يطلب من العالم كله أن لا يسكت ويصبر على مخططات وأفعال الأباليس قائلاً : ’’ الدرس إنتهى .... لِمُّوا الكراريس ‘‘ ، أى أن الحقيقة باتت مفهومة وواضحة ، وأنه لا داعٍ ولا معنى للإستمرار فى تجاهلها !!

بعد أربعين عاماً من حادثة بحر البقر ، يقينى أن صلاح جاهين كان سيصرخ أيضاً لكى يُلْفِت أنظار العالم المتحضر وكل من يزِن الأمور بميزان الحق قائلاً نفس الكلمات ’’ الدرس إنتهى .... لِمُّوا الكراريس ‘‘ خاصة بعد سلسلة حوادث المذابح والجرائم التى يتم الإعداد والتخطيط لها وتنفيذها فى مصر ضد سكانها الأصليين من الأقباط المسيحيين ، هذه الجرائم التى بدأت منذ الحقبة الأولى من سبعينيات القرن الماضى ، والتى بلغت ذروتها فى بداية الحقبة الثانية من القرن الحالى بمذبحة كنيسة القديسين فى الإسكندرية خلال الدقائق الأولى من إنبثاق سنة ميلادية جديدة على العالم ؟!

الآن وبعد أن تكشفت كل المخططات الشيطانية للقضاء على حقيقة إيمانية ثابتة وقائمة على وعود إلهية صادقة منذ تأسيس العالم ، هل آن الأوان لكى يعرف هؤلاء الذين يحاولون أن يحجبوا النور والعودة إلى عصور الظلام والتخلف ، وأيضاً هؤلاء الذين يسعون لإِرضاء الحكام والسلاطين فيتشدقون جميعهم بكلماتٍ جوفاءٍ لا معنىً لها ويعملون على تزييف التاريخ وقلب الموازين وطمس الحقائق ؟!
هل آن لهم أن يعرفوا أن الدرس قد إنتهى !! هل حان الوقت لكى يقرأوا ويبحثوا ويفتشوا بوعىٍ متفتح ناضجٍ وبإدراكٍ حسىٍ عاقل بدون أخْذٍ للأمور على عواهنها ، بل برَوِيَّةٍ وبِتَفَكُّر وبتفهُّم لكى يكفوا عن نفث سموم الحقد والكراهية وعن المحاولات المستمرة التى لا تنضب لإلقاء ظلال الفكر المتخلف الأسود على عقول الناس وبخاصة البسطاء منهم ؟! هل هى ساعة لكى يلموا أوراق الكراريس التى سُطِّرَت فيها الحقيقة التى يعملون ليس فقط على إخفائها ، بل وأيضاً على محوها تماماً من ذاكرة التاريخ ؟!
نعم فإن الدرس قد إنتهى بالفعل ... فهل يَكِّفُون عن القبلات الغاشة والنفاق المذموم والرياء المفضوح ؟! وهل يراجعون أنفسهم هؤلاء ممن يحملون أعلى الدرجات العلمية ، الذين طعنوا قدسية الأمانة العلمية فى مقتل ، ولوثوا محراب الفكر الأكاديمى عندما باعوا ضمائرهم وإدعوا زوراً وبُهتاناً بأن الكتاب المقدس قد تم تحريفه ، وإدعاءاتهم الباطلة وتشكيكهم فى أساس ومحور العقيدة المسيحية بدون أن يكلفوا أنفسهم بتقديم أدنى دليل على صحة ما يَدَّعُون ؟!

الدرس إنتهى .... تُرى هل هدأت نفسك يا سيادة الدكتور محمد سليم العوَّا ؟! وهل بردت نارك وقَرَّت عينك وارتاح فؤادك عندما رأيت وشاهدت نتيجة ما زرعته أفكارك الشيطانية وكلماتك الهدَّامة وإدعاءاتك الكاذبة عن الأقباط المصريين وعن كميات الأسلحة والذخيرة التى يحتفظون بها فى الكنائس والأديرة ؟! هل شاهدت شعب كنيسة القديسين فى الإسكندرية يستخدم السلاح للدفاع عن نفسه ضد التفجيرات التى قام بها كل الذين صدقوا ما رَوَّجْتَهُ من إشاعات وأكاذيب مُضَلِّلَة ؟!
ودعنى أسألك وأنت العالم المُفكر الذى يُفترض فيه أن يكون على درجة كبيرة من الأحاسيس الإنسانية المرهفة - كشيمة أهل الفكر والعلم والمعرفة - تُرى هل داعب النوم عينيك ونمت هادئ البال ، قرير العين ومرتاح الضمير بعد أن تحولت فرحة الصغار والكبار أثناء إستقبالهم الدقائق الأولى من السنة الجديدة إلى صراخ وبكاء ونحيب ، وإلى مرارة وحزن كئيب ؟!
هل تمَّلَتْ عينيك بجثث وأشلاء القتلى من الأطفال والرجال والنساء ؟! هل راقت لك أنهار الدماء التى سالت ؟! وهل طربت أذنيك لسماع صرخات الألم والأنين ، ولزفرات الموت التى تتحشرج فى صدور المجروحين ؟! هل رضيت أن تفقد أم إبنها أو إبنتها على يد قتلة وسفاحين وهم يصيــحون ويكبرون !! هل سجدت لله حمداً وشكراً على هذا النصر المُبين الذى تحقــق على أيديــهــم فى غــزوة القديسين ؟! هل تبادلت التهانى مع شركاءِك فى حملات السَّب والشتم واللعن والتحقير ؟! وأيضاً مع الشيوخ من الذين يدعون للقتل والذبح والإبادة والتكفير ؟!

السيد الأستاذ الدكتور العالم والمفكر الإسلامى ورئيس جمعية مصر الثقافة والحوار ، والأمين العام للإتحاد العالمى لعلماء المسلمين ، وصاحب العشرات من الكتب والمؤلفات والأبحاث :-
فى كلمتك الإفتتاحية على موقعك الرسمى فى الشبكة الدولية للمعلومات كتبت تقول بالحرف الواحد أن عند غيرك مما تحتاجه لنفسك أضعاف ما عندك مما يصلح لعرضه على المطالعين والمتصفحين للمواقع العلمية والثقافية ، وأن اولادك وبناتك ، وعدداً من إخوانك رأوا فى إتخاذ هذا الموقع خيراً أعظم مما تظن ، وأن هناك من قد يفيده ما فيه ، وأنه وسيلة للقاء مع الذين لا تسعفك ظروفك بلقائهم ممن تحب وأنه سبيل لتقويم الفكر وإصلاح الخطأ والعدول عنه من خلال المناقشة والبحث وتبادل الرأى .
كما تفضلت وذكرت أيضاً بالحرف الواحد قائلاً أن ( بضاعتك مُزْجَاةٌ ) أى أن موضوعاتك أو مؤلفاتك أو أبحاثك المنشورة على الموقع قليلة ، أو أنه يوجد فيها إغماضٌ ، أى لم يتم إصلاحها - وهذه التفاسير لعبارة ( البضاعة المُزْجاة ) هى بحسب ما وجده كاتب هذا المقال فى قواميس لسان العرب والصحاح فى اللغة وأيضاً فى القاموس المحيط عن معنى كلمة ( مُزْجَاة ) وكلمة ( إغماض ) - .
وقد أنهيت كلمتك قائلاً : ( .... وما كان فيه - فى الموقع - من خطأ فهو منك ومن الشيطان ) ؟!
وفى ختام الكلمة الإفتتاحية هذه تفضلت بأن تسأل الله أن ينفعك أنت وزوار الموقع كافة بما يُعَلِّمَكُم وبأن يُعَلِّمَكُم ما ينفعكُم .

وهنا أقول لسيادتك أنك حسناً قلت ، وأنك قد وفَّيْتَ وأَكْفَيْت ، فها أنت تعترف أن عند غيرك مما تحتاجه لنفسك أضعاف ما عندك ، وأن اللقاء مع الغير هو سبيل لتقويم الفكر وإصلاح الخطأ والعدول عنه من خلال المناقشة وتبادل الرأى ، كما أن الخطأ من الممكن أن يصدر منك ومن الشيطان ؟؟!!     
ودعنى أحييك على شجاعتك وعلى إفساح المجال ولإعطاء مساحة وفرصة للعقل لإصلاح الخطأ والعدول عنه ، فهل تتفضل سيادتك بمراجعة شجاعة وصريحة مع نفسك ربما تستطيع أن تُصلح وتُعَدِّل كل ما سبق وقلته عن الكنيسة المصرية القبطية الأرثوذكسية ، وبالمناسبة فإن كــلمــة ( الكنيســة الأرثوذكــسيــة ) تـعنى ( الكنيسة المستقيمة النظام ) ، أى الكنيسة التى حفظت الإيمان المسيحى القويم وحافظت عليه منذ أن تسلمته فى بداية القرن الميلادى الأول من كاروز الديار المصرية القديس مارمرقس الرسول . أمَّا عن أسلحة الكنيسة التى إستخدمتها للحفاظ على إيمانها القويم هذا فهى ليست أسلحة وذخيرة من صناعة بشرية يتم تخزينها فى الكنائس والأديرة كما سبق وصرحت سيادتك به فى أحد لقاءاتك التليفزيونية ، ولكنها أسلحة روحية - أعرف أنك على دراية بالمفهوم المقصود بها ومنها - ؟!

ولا يفوتنى أن أؤكد لك أن من أكثر الأسلحة التى استخدمت للحفاظ على إيمان الكنيسة هو دماء الشهداء وذلك منذ بداية عصر الإستشهاد عندما أصدر الإمبراطور دقلديانوس أوامره بإضطهاد المسيحيين فى نهاية القرن الثانى وبداية القرن الثالث للميلاد ، وها هو الإستشهاد قائم حتى أيامنا هذه وأنا على تمام اليقين أن سيادتك تعرف ذلك تماماً لأنك قارئٌ جيدٌ للتاريخ حتى لو لم تعترف به علناً ؟!       
السيد الأستاذ الدكتور العالم والمفكر الإسلامى ورئيس جمعية مصر الثقافة والحوار ، والأمين العام للإتحاد العالمى لعلماء المسلمين :-

الدرس إنتهى .... فـأرجو منك الإجابة على هذه الأسئلة :
• لماذا إمتلأ قلبك بهذا الكَّم من الكراهية نحو المسيحيين من الأقباط المصريين ؟!
• لماذا لا تنفك عن الهجوم والتهكم بين الآونة والأخرى على كل ما يتصل بالعقيدة المسيحية ؟!
• أما كان الأجدر بك - وأنت ترأس إتحاداً عالمياً لعلماء أفاضل - أن تناشد المسئولين فى الحكومة المصرية أن يوقفوا سيل السباب والشتائم واللعنات التى إنهالت من حناجر قوم من الغوغاء والرعاع ليس فقط تحت سمع وبصر قوات الأمن ، بل أيضاً فى حمايتهم لمحاولة النيل من قمة شامخة قلَّما يجود الزمان بمثلها ، ورمز من الرموز التى تفتخر مصر بأنه إبن من أبنائها ليتك كنت قد ساهمت فى وقف هذه المهازل من خلال قلمك وكلماتك ؟!
• لماذا لا تنتهز فرصة الأحداث القريبة ، بل وحتى البعيدة منها فى التاريخ القديم ، لتقرأ الكتاب المقدس الذى يدَّعى علماء المسلمين أنه قد حُرِّف حتى تتأكد أن جميعها قد ذُكِرَتْ فيه ، وذلك بروح إنسانية محايدة ومتجردة من الغضب ، وبعقلية العالم والباحث البعيدة عن التعصب ؟! 
• كنت قد تفضلت وقلت أن الخطأ يمكن أن يكون من الشيطان ، وأكرر قولى لك أنك حسناً قلت ، فها هى ساعة لكى تجلس مع نفسك وتحاسب هذا الشيطان الذى تمكَّن من فكرك وعقلك ، وربما يكون من شياطين الحسد والكبرياء والمجد الباطل ؟!

أخيراً أرجو أن أنقل لك قول أحد الحكماء :
’’ لا تكن مثل الذى يقف على جبلٍ عالٍ ، يرى الناس صغاراً ، ويراه الناس صغيراً . ‘‘
الدرس إنتهى .... يا كل حضرات العلماء والشيوخ الأفاضل ، ليتكم تعاودوا قراءته جيداً ؟!