بقلم د. مراد وهبة | الثلاثاء ٢٨ يناير ٢٠١٤ -
٢٤:
٠٨ ص +02:00 EET
بقلم د. مراد وهبة
حرف «الواو» فى عنوان هذا المقال هو الحرف السابع والعشرون من حروف الهجاء، وهو يأتى على أحد عشر وجها، ومن بين هذه الأوجه «الواو الفارقة» وهى التى تميز ما قبلها وما بعدها، ولهذا يقال عنها أيضاً واو المغايرة. وبناء عليه يمكن القول بأن واو المغايرة فى عنوان هذا المقال تدل على أن البابا فرنسيس، رئيس الكنيسة الكاثوليكية، لا علاقة له بالأصولية الدينية. وقد شغلتنى هذه المسألة منذ أن تم انتخاب البابا فى مارس ٢٠١٣ إثر استقالة البابا بنديكت السادس عشر بسبب شيخوخته. ولكن شيخوخته لم تكن مفاجئة، إذ هو مولود فى ١٦ إبريل عام ١٩٢٧. إذن ثمة سبب آخر. فما هو؟ أجيب فى إيجاز بأن الفكر اللاهوتى للبابا بنديكت يدور حول إحياء التراث لمواجهة هموم العصر، إلا أن هذه المواجهة ليست ممكنة إلا بتغيير تلك الهموم بفضل القوة الإلهية الكامنة فى التراث. ومعنى ذلك أن الكنيسة، فى نهاية المطاف، محكومة بتراث قادر على التحكم فى مسار العصر. والبابا فى هذه الصياغة متأثر بفكر القديس أوغسطين، المؤسس للعصور الوسطى. إذن هذه صياغة أصولية ليس فى إمكانها التحكم فى إدارة ذلك المسار.
والسؤال إذن:
ما البديل؟
أجيب عن هذا السؤال على هيئة قصة جديرة بأن تُروى. عندما كنت طالباً بالسنة الثانية بقسم الفلسفة بجامعة فؤاد الأول (القاهرة) فى عام ١٩٤٤ كنت أذهب إلى مكتبة معهد الآباء الدومنيكان لقراءة المؤلفات الفلسفية وكان وقتها الآب قنواتى، مؤسس ومدير معهد الدراسات الشرقية للآباء الدومنيكان، واستمرت العلاقة الحميمة بيننا إلى أن مات فى ١٩٩٤.
وفى ١٠ إبريل ١٩٨٦ تسلمت رسالة من الآب كارييه، سكرتير المجلس البابوى، يعرب فيها عن رغبة المجلس البابوى للثقافة بالفاتيكان برئاسة الكاردينال بوبار فى عقد مؤتمر مشترك بين المجلس والجمعية الفلسفية الأفروآسيوية، التى كنت وقتها مؤسساً ورئيساً لها، وقد كان، إذ انعقد المؤتمر فى أكتوبر ١٩٩٠ تحت عنوان «ثقافات فى صراع أم فى حوار». وجاء فى كلمة الافتتاح للكاردينال بوبار أن «هذا المؤتمر المتفرد يعتبر لحظة فريدة فى التاريخ، وعلى الأخص فى الشرق الأوسط وأوروبا، وأن التفكير العلمى ينبغى أن يكون ملازماً للحوار بين الثقافات والأديان والشعوب، وأن علينا البحث عن عوامل الصراع بين الجماعات البشرية وعن حلول لها مستندة إلى العقل والعدالة والمحبة والأخوة». وهذه العبارة إن دلت على شىء فإنما تدل على أن الكاردينال بوبار يقف ضد الأصولية التى تقر عدم إعمال العقل فى النص الدينى وفى الأمور الدنيوية ومن بينها الأمور العلمية. ولكن ليس معنى ذلك أن كرادلة الفاتيكان هم على غرار ذلك الكاردينال. فقد كان رئيس «مجمع عقيدة الايمان» هو الكاردينال جوزيف راتسنجر الذى أصبح فيما بعد البابا بنديكت السادس عشر. واللافت للانتباه أن هذا المجمع مماثل لديوان التفتيش فى العصور الوسطى الذى كان مكلفاً بتكفير كل مَنْ يخرج عن العقيدة الكاثوليكية. وفى كتابه المعنون «الكنيسة والمسكونية والسياسة» (١٩٨٧) يقول «إن الحقيقة تكمن فى الإيمان ولا تكمن فى العقل لأن الإيمان هو الذى يستدعى العقل ويدفعه إلى النور، ومهمة العقل بعد ذلك تقوم فى التعرف، وهو فى الإيمان، على شرط وجوده. ومعنى ذلك أن العقل لا وجود له إلا فى الإيمان وبالإيمان. ومعنى ذلك أيضا أن البابا بنديكت أصولى على الأصالة.
والسؤال إذن:
هل ثمة علاقة بين البابا بنديكت واستقالته المفاجئة والقول بأن تياراً حاداً فى الفاتيكان أصبح على وعى بضرورة التحرر من الأصولية بقيادة البابا فرنسيس.
أستعين فى الجواب عن هذا السؤال بعبارة وردت فى حوار البابا مع الآب أنطونيو سبدارو، رئيس تحرير المجلة اليسوعية المتميزة «المدينة الكاثوليكية» فى ١٩ سبتمبر من عام ٢٠١٣ قال: «ينبغى أن تكون الدعوة إلى السلام هى محور العظة الدينية، وأن الرسالة الرعوية يجب ألا تنشغل بفرض عقيدة على المجتمع، إنما يجب أن تنشغل بما هو أساسى فى العقيدة وهو الذى يلهب قلب الإنسان الفرد، والله نفسه يتجه إلى الفرد. وهذا هو صميم تعليم السيد المسيح». إذن الرسالة الرعوية، فى رأى البابا، ترفض أن تكون مصدراً للتشريع الدنيوى، وهو بذلك يقف ضد الأصولية. وأظن أن شيئا من هذا القبيل كان هو السبب فى اختيار مجلة «تايم» البابا فرنسيس ليكون شخصية العام ٢٠١٣. ومع ذلك فمن اللازم التنويه بأن البابا فرنسيس لا يقف وحيداً فى الكنيسة الكاثوليكية. فالبطريرك المارونى بشارة الراعى قد صرح فى ٩/ ١/ ٢٠١٤ قائلاً: «إن المصيبة إذا جعلنا لبنان لوناً واحداً وهو ليس كذلك لأنه ليس أحادياً. وهذه هى قيمة لبنان فى المنطقة العربية». وهو يقصد بـــ«اللون الواحد» الدين الواحد. وأظن أن المنطقة العربية مصبوغة باللون الواحد. وإذا أردت مزيداً من الفهم فاقرأ المادة الثانية فى دستور مصر لعام ٢٠١٤ والتى تنص على أن «الإسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع».
وإذا سارت الأمور على النحو الذى يدعو إليه بابا الفاتيكان وعلى النحو الذى تنص عليه المادة الثانية فى دستور مصر فإن الحوار يمتنع بين العالمين المسيحى والإسلامى.
نقلا عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع