CET 14:32:42 - 27/01/2010

مساحة رأي

بقلم: القس فيلوباتير جميل
مبارك شعبي مصر (إش 19 : 25).
بدايةً أن تكون من شعب الله أمر حسمه الوحي الإلهي ليس في شعب بعينه ولا في أرض بعينها بل القارئ الجيد لكلمة الله سيدرك أن شعب الله ليس هو شعب بني إسرائيل حسب ما يدعون ولا هو كذلك المصريين أو مَن يسكنون شبه جزيرة العرب!!! بل كان الوحي الإلهي في الكتاب المقدس محددًا حين قال في (خر19 : 5)" فالآن إن سمعتم لصوتي وحفظتم عهدي تكونون لي خاصة من بين جميع الشعوب فان لي كل الأرض" فبركة مصر المذكورة في سفر إشعياء ليست لكل أرض مصر حسب النص بل هي لشعب الله في أرض مصر وما ورد في سفر الخروج يعطينا فكرة من هم شعب الله بالحقيقة....!!!! ومَن له أذنان للسمع فليسمع...

مصر في الكتاب المقدس:-
•تكررت كلمة مصر ومشتقاتها في الكتاب المقدس 714 مرة.. ويعد سفر الخروج أكثر الأسفار ذكرًا لها حيث ورد ذكرها 168 مرة .. وورد ذكرها في 33 سفرًا من أصل 66 سفر... وما أروع أن نذكر أن أول ذكر لمصر أتى في سياق لجوء أبينا إبراهيم لها حين حدث جوع عظيم في كل الأرض...(تك12).
•سميت حسب تعبير الكتاب المقدس (جنة الأرض) حين كان الحديث عن أرض سدوم وعمورة في (تك 13 : 10) ... والاسم القديم لها (كيمي) ومعناها الأرض السوداء نسبة لخصوبة أرضها..
أما عن مصر تاريخيًا حسب ما ورد في الكتاب المقدس وكذلك ما يتفق عليه المؤرخون من مختلف المعتقدات فيمكن الحديث عنها في النقاط التالية:

مصر مصدر الأمن والملاذ الأمين:-
•هكذا كانت مصر لرجال الله المؤمنون به ومن دخلوا معه في عهد الختان والبداية كانت من أبينا إبراهيم أب الآباء حين أتى إلى مصر قاصداً الهروب من المجاعة وكان ملاذه (تك 12 ، 13).... ومَن منّا ينسى أن مصر كانت المكان الآمن حسب التدبير الإلهي ليسكن فيها يوسف الصديق بعد أن بيع من أخوته (تك 39 : 1) .... وهكذا أيضًا سكنها أبينا يعقوب وبنيه إلى أن أتى موسى وكانت قصة الخروج الذي حمل رمزًا واضحًا لخلاص الله لشعبه من عبودية الخطية ممثلة في عبودية فرعون في ذلك الوقت..
ثم نأتي إلى النبي العظيم أرميا الذي تباركت به أرض مصر وبصلاته أهلك الله الوحوش من نيل مصر واستشهد في الإسكندرية ويعتقد أن جسده مدفون في معبد بن عزرا في مصر القديمة... وكذلك دانيال واليشع والمعمدان يحمل لنا السنكسار أخبار دفن أجساهم في أرض مصر... وهل ننسى مصاهرة سليمان الحكيم لفرعون وزواجه من ابنته...

• ميلاد المسيح له المجد والأمان في أرض مصر!:-
وهل يستطيع إنسان أن ينكر أن مصر كانت الاختيار الإلهي لتصبح مصدر الأمن والأمان للعائلة المقدسة بعد ميلاد المسيح له المجد... ليكون البكاء والعويل في أرض فلسطين في بيت لحم بسبب قتل أطفال بيت لحم ليصيروا أول من سفك دماؤهم بسبب المسيح له المجد.... هذا هو تدبير الله لمصر في ميلاد المسيح له المجد وهو بعيد كل البعد عن تدبير الشيطان في الوقت الحالي في أرض مصر حينما يستخدم أعوانه ليتحول لها البكاء والنوح ودائمًا وقت ميلاد المسيح له المجد فمن بيت لحم إلى الكشح إلى نجع حمادي... إلى.....!!!!!! ويبقى السؤال بلا إجابة مصر اللي كانت.... جرى لها إيه...؟!

مصر مصدر الشبع الدائم:-
فقد كان الجوع ممتد في كل العالم واتجهت أنظار العالم كله لأرض مصر لتصير مصر دائمًا مصدر شبع للعالم كله... والبداية كانت منذ بدء الخليقة في (تك 2 : 10، 13) حين يخرج نهر من عدن ليسقي الجنة ومن هناك ينقسم إلى أربعة فروع اسم واحد منها جيحون وهو في تفسير لسفر التكوين منسوب لمار إفرام السرياني وفي كتب الكنيسة وصلواتها نهر النيل....!!! ويقول تفسير لسفر التكوين أن نهر جيحون عندما يمتلئ من المطر ينزل في أرض مصر ويروي جميع بقاعها لأن أرضها منخفضة... فالمسيحية ترى في مصر فردوساً تعتز وتسعد به وتترنم لجماله..!!
-وقد ذكرنا كيف أتى إليها أبينا إبراهيم أبو الآباء -حينما كان الجوع في أرضه- وحينما خرج منها كانت لديه خيرات كثيرة بسبب الكرم المصري الأمر الذي تسبب بعد ذلك في المشكلة التي ظهرت بين رعاته ورعاة لوط ولم تحتملهما الأرض بسبب كثرة خيراتهما...
وكذلك تكرر الأمر مع يوسف الصديق ووقت أن كانت الأرض كلها تئن بسبب المجاعة كانت مصر هي مصدر شبع العالم كله لسنوات طويلة..!!! وقد أتى إليها أبينا يعقوب وبنيه ليسكنوا فيها لدرجة أنهم جميعًا دخلوا في عبودية فرعون بسبب كثرة خيراتها!! وهل ننسى فرعون ملك مصر وأحلامه التي فسرها يوسف الصديق وأستعد المصريين للمجاعة الآتية وقد أصبح اسم يوسف فيما بعد "صفنات فعنيح" أي مخلص العالم!!!
شبع وعطاء ومحبة ومبادئ وقيم إلهية مغروسة ورثوها عن أبيهم مصرايم هذه هي مصر اللي كانت... ويبقى السؤال بلا إجابة مصر اللي كانت.. جرى لها إيه؟!

* مصر مصدر الثقافات... وملجأ العائلة المقدسة:-
-ولدينا مكتبة الإسكندرية وجامعة الرواق التي أنشأها بطليموس الأول في عهد البطالمة لتصبح مصر والأسكندرية تحديداً موطناً للفنون والأداب والفلسفة ... ثم أتى إبنه بطليموس فيلادلفيوس (المحب لأخيه) وهو أيضاً كان محباً للحكمة وعندما علم بالشرائع والقوانين والأحكام التي أتى بها موسى والأنبياء وما فعلوه من معجزات توجه إلى أورشليم ومعه 72 شيخ ليترجموا التوراة من العبرية إلى اليونانية وأحضروا التوراة إلى مصر ثم يموت اثنان منهم ليصبح العدد سبعون فيقدمون لنا الترجمة السبعينية للعهد القديم .... وقد تمت الترجمة في موضع أصبح كنيسة فيما بعد على اسم مار مرقس في الإسكندرية.. وللأسف خربها فيما بعد الملك الكامل سنة 1219 ه ثم تحولت إلى جامع عرف باسم جامع الألف عمود...!!!

-أما أهم ما يميز مصر أنها كانت ملجأ العائلة المقدسة وقت ميلاد المسيح له المجد تحقيقًا للنبوات في (إش 19 : 1 ، 19 - 22) "وحي من جهة مصر هوذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر فترتجف أوثان مصر من وجهه ويذوب قلب مصر داخلها..... في ذلك اليوم يكون في أرض مصر خمس مدن تتكلم بلغة كنعان وتحلف لرب الجنود يقال لإحداها مدينة الشمس. في ذلك اليوم يكون مذبح للرب في وسط ارض مصر و عمود للرب عند تخمها. فيكون علامة و شهادة لرب الجنود في أرض مصر لأنهم يصرخون إلى الرب بسبب المضايقين فيرسل لهم مخلصًا ومحاميًا وينقذهم.فيعرف الرب في مصر ويعرف المصريون الرب في ذلك اليوم ويقدمون ذبيحة وتقدمة وينذرون للرب نذرًا ويوفون به. ويضرب الرب مصر ضاربًا فشافيًا فيرجعون إلى الرب فيستجيب لهم ويشفيهم".
فالقبطي حينما يسير على أرض مصر إنما يسير في خطى سيده... فمصر هي البلد الوحيد في العالم خارج فلسطين الذي سار المسيح على أرضه الأمر الذي تغنى له الشيخ الروحاني وقال.... طوباكِ يا مصر... أنت شققت قلبك.. وفي داخلك خبأت المسيح... نزل إلى عندك... ليصعدك إلى عنده... فرحت بصبوته.. وأفرحك برهبانك... لقد كانت نظرة الطفل الهارب محبوبة للمصريين.... ويبقى السؤال بلا جواب مصر اللي كانت... جرى لها إيه..؟!

* مصر والكرازة بالمسيح له المجد:- 
• بطرس الرسول ورسالته الأولى التي كتبها من بابل (وهي بابليون في مصر) "تسلم عليكم التي في بابل المختارة معكم و مرقس ابني" (1 بط 5 :13)...
• لوقا الطبيب الفنان الرسول له أيقونة قديمة للملاك ميخائيل في الإسكندرية...
• برثلماوس وهو نثنائيل الرسول وقد كرز في الواحات وبشر بالإنجيل وجسده موجود في مصر بعد استشهاده....
• سمعان القانوي أو الغيور أتى إلى صعيد مصر وكرز بها...
• القديس أبلوس السكندري وهو رجل فصيح مقتدر في الكتب خبيرًا في طريق الرب حار بالروح (أع 18 : 21 - 28) ومحبوبًا من الكثيرين حتى أن محبة كثيرين له كادت تحدث انشقاقات في الكنيسة "لأنه متى قال واحد أنا لبولس وآخر أنا لابلوس أفلستم جسديين" (1كو  3 :  4)..
•وبالطبع مار مرقس الرسول العظيم وبيته وأسرته وإنجيله وقداسه الذي كتبه ومدرسته اللاهوتية....

مصر وآباء الرهبنة وقيادة العالم لاهوتيًا:-
-فهل يمكن للعالم أن ينسى فضل هذا البلد الرائع الذي زخر بآباء الرهبنة العظام القديس العظيم الأنبا أنطونيوس أب الرهبنة في العالم كله... والقديس العظيم الأنبا بولا أول السواح والذي حفظ لنا التاريخ سؤاله الرائع عن نيل مصر!!! والقديس الأنبا باخوميوس مؤسس نظام الشركة الرهبانية.. وكذلك الأنبا شنودة رئيس المتوحدين!!! ورهبنة القديس مقاريوس.. إلى قائمة طويلة من قديسين قدموا القدوة لرهبان العالم كله فمن صحراء مصر تعلم العالم كيف ينفرد بإلهه؟!
-ثم نأتي إلى مرحلة جديدة قادت فيها مصر العالم في التصدي لأصحاب البدع والهرطقات فهل ننسى قيادة الكنيسة المصرية للعالم في مجمع نيقية والدور الرائع للبابا الكسندروس ورئيس الشمامسة أثناسيوس الذي صار فيما بعد البابا العشرون.. والقديس كيرلس الأول.. وقديسي الكنيسة المصرية العظام الذين حتى الآن يحددون للعالم كله متى يكون الاحتفال بعيد القيامة المجيد.....
هذه هي مصر الوطن الذي يعيش فينا.. وتاريخها الرائع الذي يجعلنا نتساءل في حيرة مصر اللي كانت.... جرى لها إيه؟!

أستاذ العهد القديم بكلية البابا شنوده اللاهوتية بشبرا الخيمة

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٧ صوت عدد التعليقات: ٤ تعليق

الكاتب

القس. فيلوباتير جميل

فهرس مقالات الكاتب
راسل الكاتب

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

مواضيع أخرى للكاتب

مصر اللي كانت.... جرى لها إيه؟!!!

جديد الموقع