CET 14:28:27 - 27/01/2010

مساحة رأي

بقلم: منير بشاي
بعد أن ألتزم الرئيس مبارك الصمت إزاء أحداث فرشوط وديروط وأبو فانا والإسكندرية وغيرها من عشرات الأحداث الدامية لاعتداءات مروعة على أقباط مصر، بات واضحًا أن طريقته المفضلة في التعامل مع هذه الحوادث هو تجاهلها، لعل الزمن يكون كفيلاً بأن يضعها في طي النسيان.
ولكن الاعتداءات ضد الأقباط لم تتوقف ولم تنسى فقد تصاعدت إلى درجة لا يمكن السكوت عليها وتعدت كل الخطوط الحمراء التي لا يقبلها قبطي مهما كان متسامحًا وصبورًا. عندما يصل الأمر إلى القتل العشوائي لمصلين في يوم عيدهم وهم خارجين من كنيسة، فإن الأمر يكون قد أخذ أبعادًا خطيرة وغير مسبوقة لا يمكن السكوت عليها. وعندما حاول الرئيس مبارك إتباع سياسته المعهودة وهي الصمت فإن الأقباط لم يسمحوا له بذلك في هذه المرة. ولأول مرة قامت الاحتجاجات داخل مصر وخارجها وارتفعت أصواتهم تدوي في كل سماء في قارات العالم الخمس، وانهالت على مصر الإدانات من الحكومات ومنظمات حقوق الإنسان مطالبين الرئيس الصامت أن يتكلم.

وأمام هذه الضغوطات أضطر الرئيس مبارك أخيرًا أن يتكلم. ولكن مثل طريقته المفضلة في الصمت أستعمل طريقته المميزة في الكلام والتي تتلخص في: لوم الطرفين ففي خطابه بمناسبة الاحتفال بعيد الشرطة قال أنه لن يتهاون مع من يحاول النيل من الوحدة الوطنية أو الإساءة إليها... من الجانبين. وأضاف: أننا نواجه أحداثًا وظواهر غريبة على مجتمعنا... ويدفعها الجهل والتعصب.. ويغذيها غياب الخطاب الديني المستنير من رجال الأزهر والكنيسة. ثم أضاف بلهجة حاسمة: أنني أقول لأبناء الوطن من الجانبين... بعبارات لا تحمل اللبس والتأويل... أننا سنواجه أية جرائم أو أفعال أو تصرفات تأخذ بُعدًا طائفيًا بقوة القانون وحسمه.

شكرا يا سيادة الرئيس أنك تكلمت أخيرًا ولكن صراحة لا أفهم كيف تلوم الطرف القبطي في حوادث العنف الموجهة ضدهم؟ هل من مصلحة الطرف الضعيف، الذي هو المجني عليه في جميع هذه الحوادث، أن يقترف جرمًا يكون هو ضحيته؟ وإذا كانت هذه هي قناعتك فلتقل لنا كيف ساهم الطرف القبطي في هذه الاعتداءات؟ هل قاموا باعتداءات استفزت الطرف الآخر؟ أو هل قاموا باعتداءات ثأرية ردًا على ما وجه ضدهم؟ فلتفصح لنا يا سيادة الرئيس عن تفاصيل هذه كلها. أما بالنسبة للخطاب الديني الإسلامي فالجميع يعرف التحريضات التي يتلقاها المواطن المسلم من أئمة الجوامع في خطب الجمعة. وكيف يخرج المسلمون نتيجة ذلك في ذلك اليوم بالذات ليرتكبوا معظم اعتداءاتهم. فهل هناك دليل على أن الكنائس تلقى عظات مماثلة في خطابها العنيف على الشعب القبطي في يوم الأحد أو أي يوم آخر وهل نتج عن هذا أي أعمال عنف؟

ويبدو أن عدوى الخطاب الديني المتطرف قد أصابت أيضًا الجهاز القانوني في مصر. وأن سياسة لوم الطرفين مطبقة أيضًا فيه  فقد سمعنا كيف أن النيابة قد قبضت على عددًا كبيرًا من الأقباط ضمن المقبوض عليهم في أحداث ليلة عيد الميلاد في نجع حمادي. والمرء لا يملك إلا أن يتساءل ما الداعي إلى القبض على هؤلاء الذين هم جزء من الطرف المجني عليه وليس الطرف الجاني؟ أي جرم قد ارتكبوه؟ إلا إذا كان الهدف كما في المرات السابقة هو استخدامهم كأداة للمقايضة للإفراج عن الجناة الحقيقيين عندما تظهر الدولة بدور المتسامح الذي لا يفرق بين عنصري الأمة فتأمر بالإفراج عن الجميع بدون تمييز ولا محاباة!!
لوم الطرفين يبدوا أنها عبارة غير حيادية توحي بالعدل المزيف. ولكن هي في الحقيقة الظلم بعينه إذا كانت تستخدم كمبرر في لوم المذنب والبريء معًا. وهذا ينطبق عليه حكم الله في الكتاب المقدس: مبرئ المذنب ومذنب البريء كلاهما مكرهة عند الرب (أمثال 17: 15)

لوم الطرفين هو علامة تجارية مميزة لنظام الرئيس مبارك كجزء من سياسة الموازنات المتبعة. وقد نجحت في بقائه في السلطة الآن إلى ما يقرب من ثلاثة عقود ولا يبدو أن هناك نية في نهايته. والطريقة التي أتبعها الرئيس مبارك من البداية والذي رأى بعينيه الرئيس السابق يسقط أمامه مقتولا لأنه قام بإجراءات راديكالية عنيفة لم يقبلها الشارع المصري، فكانت سياسة الرئيس مبارك هي الخطوات الصغيرة المحسوبة. وكان دائما يتفادى مواجهة التيارات الإسلامية الإرهابية إلا في حالة الاضطرار القصوى عندما تمس هبة الدولة أو عندما تهدد مصالحها الحيوية.
ومن أجل ذلك رأينا وزارة الداخلية تحاول دائما أن تتجنب القبض على الإرهابيين إلا إذا اعتدوا على أحد رجال الدولة أو قتلوا السواح الأجانب. وعندما كانت تقبض عليهم كانت تقوم بعمل برامج استتابة أو تعهدات أو اتفاقات مع قياداتهم يخرجون بمقتضاها من السجون.
أما الاعتداءات على الأقباط فلم تكن تحظى يوما باهتمامات الدولة أو تسبب لها أي انزعاج. وكان موقف الدولة دائمًا إما الصمت أو إصدار البيانات التي تلوم فيها الطرفين والقيام بمحاكمات صورية لا يدان فيها أحد.
وفي ظني أن سياسة الرئيس مبارك في لوم الطرفين ستستمر إذا أستمر الطرف القبطي كالضعيف الذي لا يسبب له صداعًا وأعتقد أن الرئيس كان دائمًا يراهن على أن الأقباط طائفة مسالمة صبورة تحتمل الضيم ولا تثور ضد الظلم.
ولكن أحداث الأسابيع الماضية قد برهنت أن الرئيس مبارك قد خسر الرهان.  وان الأقباط لن يسكتوا منذ الآن على الظلم لأن للصبر حدود.

Mounir.Bishay@sbcglobal.net

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١١ صوت عدد التعليقات: ٤ تعليق