CET 00:00:00 - 12/07/2009

مساحة رأي

بقلم : د. نجيب جبرائيل
"اضطهاد من نوع آخر"
"شحته صابر جرجس" فلاح بسيط من قرية "القراقرة" مركز منيا القمح شرقية لا يملك من يومه شيئًا سوى قوته وحوالي قراط ونصف أدخرها على مدى نصف قرن من الزمان لتكون مأوىَ له ولأولاده تقيهم عصف الحياة من حرها وبردها وما عسى أن يأتي به الزمان من أيام صعبة.
أراد "شحته" أن يبني بيتًا صغيرًا له ولأولاده على تلك المساحة فتقدم بأوراقه إلى مجلس مدينة ومركز منيا القمح فتمت المعاينة ثم قيل له بأنك متهم بتبوير أرض زراعية فقدم للمحاكمة فقضت محكمة جنح منيا القمح ببراءته في الجنحة رقم 13155 لسنة 2007 جنح منيا القمح   ثم عاد وتقدم بأوراقه ثانيًا للحصول على رخصة بناء واستمرت رحلة عذابه مع الزراعة والري والكهرباء وحماية الأراضي وأخذ موافقتها جميعًا وسانده في ذلك حكم البراءة التي حصل عليه وأخيرًا حصل على الترخيص رقم 4453 لسنة 9/1/2007 من مجلس مدينة منيا القمح لبناء منزل مكون من دورين ففرح هذا المواطن البسيط.
وأخذ يجمع شحتة ما تبقى له من أموال واقترض من كل صوب وحدب لكي يوفر ثمن الأسمنت والحديد والرمل وشرع في البناء بإقامة بعض الأعمدة الخراسانية والثملات وهنا قامت القيامة "لا.... أنت هتبني كنيسة لأن مش معقول مساحة 217 متر هيتبني عليها بيت" وقامت لي المسئولين هذه النزعة الشيطانية التي تخرجهم عن عقولهم وتستحضر لديهم شيطان بناء الكنيسة فقامت الأجهزة الأمنية بوقفه عن استكمال البناء رغم خسارته من أسمنت ورمل وحديد!!

وراح "شحته صابر جرجس" يبحث عن المجهول لعله يجد مَن يسانده لحل مشكلته بعد أن أوصدت الأبواب أمامه فليس هو بالرجل الغني أو الواصل حتى يستطيع أن يًنهي مشكلته، فهو فلاح بسيط لليس له سوى أن يتضرع لله بعد أن ملأت الدموع عينيه واستطاع الوصول إلى منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان -والتي أشرف برئاستها- وعرض علينا أوراق مشكلته والتي وجدناها مستندات جميعها رسمية ومستوفاة قانونيًا ومن أجل لجاجة هذا الرجل المسكين والذي ليس له مَن يسمعه أو يعول شكواه قررت على الفور تشكيل وفد من المنظمة برئاستي والمديرة التنفيذية "ليليان مجدي" ومدير فرع القليوبية الأستاذ "أشرف ناشد" وتوجهنا جميعًا صبيحة الخميس الموافق 9/7/2009 إلى رئاسة مركز ومدينة منيا القمح وتقابلنا مع نائب رئيس مجلس المدينة الأستاذ "عزت أحمد البحر" وهو الرجل المسئول عن المباني والرخص وجرى بيننا وبين هذا المسئول الحوار التالي ننقله كما هو  بالأمانة والصدق:
مسئول مجلس المدينة: السلام عليكم........ خير ماذا تطلبون؟
رئيس المنظمة "د. نجيب" : صباح الخير أنا جاي أعرف الرجل دة اللي اسمه شحته أنتم معطلين رخصته ليه رغم أن أوراقة كلها مضبوطة؟
مسئول مجلس المدينة:  لا إحنا مش معطلين حاجة لكن أكيد في أوراقه حاجة ناقصة وإحنا بنتعامل مع كل المواطنين بالمساواة مفيش فرق بين مسيحي ومسلم، قال هذا حينما استشعر أن المواطن صاحب الشكوى شحته صابر جرجس مسيحي الديانة.
رئيس المنظمة: لما تكون أوراقه مضبوطة وأنتم معطلين رخصته وأنت مش معطلين حاجة  يبقى إيه السبب يا ريس؟
مسئول المجلس: لا مفيش أي سبب.
رئيس المنظمة: لا أنا هاقول لك السبب وأقصر عليك المسافة، بصراحة أنتم معطلين الرخصة وبترفضوا السماح له بالبناء لأن الرجل دة مسيحي وأنا جبتهالك بكل صراحة.
المسئول عن المجلس: لا طبعًا، أنا معنديش فرق بين المسيحي والمسلم لكن يمكن تكون هناك جهات تانية معطلة الموضوع.
رئيس المنظمة: جهات تانية يعني إيه....... هل تقصد أمن الدولة؟
مسئول المجلس: يمكن..... أنا معرفش.
رئيس المنظمة: يعني عندك مليون مواطن في محافظة الشرقية يعني كل واحد منهم عايز يبني بيت لازم ياخد موافقة أمن الدولة؟
مسئول المجلس: "ملحوظة" ضغط على زرار مكتبه وقال هاتولي المهندسة ماري مديرة التنظيم، وهنا حضرت سيدة في الثلاثين من عمرها ففاجئها مسئول المجلس أنتي يا ماري  مهندسة مسيحية عندنا هل في فرق بين مسيحي ومسلم؟
المهندسة مارى: لا طبعًا يا ريس.
رئيس المنظمة: وبكل جرأة.. معلش يا بشمهندسة... أنتي مسيحية جبانة،، يعلم الله إنني قلت هذه العبارة بالظبط، واستطرد رئيس المنظمة قائلاً لها: لأن لو ماكنتيش كدة مكنش هذا المواطن شحته جرجس تعطلت رخصته حتى الآن.
م. ماري: ابتسمت قائلة: أنت عارف إني مقدرش أعمل حاجة ثم استدارت موجهة الكلام إلى مسئول المجلس.. ما أنت عارف يا ريس أن في جهات عليا داخلة في الموضوع دة.
رئيس المنظمة: جهات عليا ضد هذا المواطن البسيط أمال لو كان هذا الرجل ذو مركز أو حيثية هامة كان مين هيدخل في هذا الموضوع؟!!
مسئول المركز لرئيس المنظمة: أنا عايزك في غرفة لوحدنا، فدخلت ومعي زميليَّ ليليان وأشرف وقال لنا بالحرف الواحد "المجلس هنا موافق على الرخصة وملهوش أي ذنب لكن لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها" وأنا لي سقف وعارف حدودي. حسام بيك في أمن الدولة هو اللي موقف هذا الموضوع وأنت عارف إن أنا مهما يكون مركزي هاعمل إيه لكن أنا مقتنع أن هذا الرجل له حق مائة في المائة.
رئيس المنظمة: العبارة وصلت والرسالة وصلت تمام، يعني أنتم ما عندكوش مشكلة لما يقوم الرجل دة باستكمال المباني بكرة.
مسئول المجلس: لا إطلاقًا وأنتم منظمتكم محترمه واسمع أنها بتدافع عن كل مواطن مظلوم بصرف النظر عن دينه أو جنسه وأنا شفتكم بتدافعوا عن قضايا الأطباء المصريين بالسعودية وعن سكان الوراق وعن حاجات كثيرة.
رئيس المنظمة: شكرًا وألف شكر وأرجو أن تكون عضوًا معنا في المنظمة فأخذت منه صورة شخصية لأضمه إلى المنظمة وأرسل له كارنيه المنظمة وقلت له سوف أذهب فورًا للمبنى المجاور والذي يبعد عدة أمتار عن مبنى مجلس المدينة وهو مبنى مباحث أمن الدولة وهنا كان الحديث بيني وبين أحمد بك ضابط مباحث أمن الدولة على النحو التالي:
أحمد بك ضابط مباحث أمن الدولة: صباح النور يا دكتور نجيب "طبعًا قد أرسلت له الكارت الشخصي الخاص بي مع العسكري".
رئيس المنظمة: أنا عايز أعرف مين السبب في وقف ترخيص الفلاح البسيط "شحته صابر جرجس"؟؟ مجلس المدينة قال لي أنه معندوش أي مانع؟
أحمد بك: لا طبعًا مفيش مشكلة عندنا وعلى العموم أنا هبحث هذا الموضوع.
رئيس المنظمة: لا يا أحمد بك من غير ما تبحث الموضوع، الموضوع واضح وباين أنتم وقفين الترخيص لأن الراجل دة مسيحي وخايفين أنه يبني كنيسة.
أحمد بك: لا إحنا كلنا واحد وأنا الانتيم بتاعي ضابط اسمه ميشيل ومبنفترقش عن بعض.
رئيس المنظمة: الكلام دة أنا سمعت منه كثير، أنا ها أقول لك باختصار شديد الرجل دة له حق ولو ما كنش له حق وورقه مضبوط ما كنتش جئت معه ولو أن الرجل دة استمر حاله على كدة لمدة أسبوعين أنا هاجي ومعايا مائة عضو من منظمتي الحقوقية وعدد من الصحفيين والقنوات الفضائية وسوف أسجل بالصوت والصورة قيام الأمن أو أي جهة مسئولة بمنعه عن البناء لأن ورقه مضبوط لازم يأخذ حقه كمواطن مصري وعيب تكون صورتنا وحشة برة وجوة، دة رجل فلاح لا قوة له ولا سلطة ثم هل ليس لديكم القدرة وأنتم أعلى جهاز أمني في البلاد لتتحققوا من أن هذا الرجل سوف يبني كنيسة أم بيت.....  دة معقول.
أحمد بك: حضرتك ابعتلي يوم السبت بعد بكرة حد من المنظمة وأنا سوف انهي هذا الموضوع.
رئيس المنظمة: شكرًا وسوف أتابع ما سوف يحدث ولازم الرجل دة ياخد حقه.

انتهى الحوار مع المسئول المحلي والأمني وبقيت دلالات هامة يجب أن نستخلصها من هذا الحوار وهي على النحو التالي:
1- إن ما حدث مع هذا الفلاح البسيط المواطن شحته صابر جرجس يمكن أن يحدث بل يتكرر بصفة مستمرة مع البسطاء من أقباط مصر في أريافها وصعيدها.
2- أن الموضة والنغمة السائدة الآن حينما يريد قبطي بناء بيت أو تعليته ليضم أولاده يتهم بأنه يبني كنيسة ويمنع من البناء وهذا ما حدث مع أبونا عبد القدوس في عزبة بشرى وفي المنيا وسمالوط وفي منيا القمح وفي سوهاج ولديَّ العديد من تلك الحالات.
3- كيف لجهاز كبير مثل جهاز أمن الدولة يغيب عنه وعن آلياته الخبرة والتحقق مما يرد من إشاعات أو وشايات كاذبة بأن فلان المسيحي لم يقصد من الرخصة إلا بناء كنيسة.
4- ثم هل بناء كنيسة في هذا اللغط وهذا المنع ألا يعتبر أن مجرد المنع في حد ذاته وتداول كلمة بناء كنيسة كما أنها من المحظورات والموبقات هل يعتبر ذلك في حد ذاته ازدراء للديانة المسيحية وللمسيحيين إذ أن ذلك تعبير اعتبر سبة وجريمة فهل يحدث ذلك عند بناء آلاف الزوايا في البيوت وكذا آلاف المساجد.
5- ألا يعتبر حرمان المواطن أيًا كانت ديانته من حقه السكنة والمأوىَ رغم توافر استحقاق هذه الشروط، ألا يعتبر أن ذلك هو نوع آخر من الاضطهاد المنهجي لأن الاضطهاد قد يصبح له أشكال أخرى تارة بالاعتداء وتارة بالحرمان وتارة بالمنع وتارة بالتعنت وتارة بالتطويل والتسويف وأخرى بالنسيان وأخيرًا باليأس وفقدان الأمل.
6- ثم نأتي إلى ما قد كتبناه سابقًا ليتأكد اليوم "هل ما زال الأقباط في ذهن الحكومة"؟؟
7- إنني أطالب كل مَن تعرّض لهذا الموقف ومازال يتعرض أن يوافينا بمشكلته عبر البريد الالكتروني الخاص بنا أو الحضور لمقر المنظمة 115 شارع شبرا لكي نضع سجلاً كاملاً أمام السيد رئيس مبارك لما يحدث للأقباط في صعيد مصر وأريافها من انتهاك لحقوق إنسانيتهم في صور اضطهاد منهجي ومنظم.
رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان
Nag_ilco@hotmail.com

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٥ صوت عدد التعليقات: ٩ تعليق