CET 00:00:00 - 23/08/2009

مساحة رأي

بقلم: د. ميشيل فهمي
بمناسبة قدوم شهر رمضان المعظم أهدي التهاني مقرونة بأطيب التمنيات للإخوة المسلمين المصريين، وفي نفس الوقت أهدي جميع الإخوة المصريين (مسلمين وأقباط) هذه المقالة الفريدة.
كلُنا يعرف ما تسعى إليه جماعات متطرفي الإسلام مؤيدين بعتاولة شيوخ الفضائيات والفتاوى الـ "تيك آواي" Take Away Fatwa من تأصيل وتأجيج الفتن الطائفية لغرض ما في نفوسهم لتحقيق أهداف ومبادئ الإسلام السياسي وليصب في نفس الوقت لصالح جيوبهم...، فعملوا جاهدين على أسلمة جميع مظاهر الحياة بمصر المحروسة بغرض الفرقة والتفرقة وعزل أقباط مصر عن وكنهم وإشعارهم بدونيتهم عن مواطنيهم من المسلمين، انسياقًا لمخطط شيعي إيراني مجوسي بهدف زعزعة أمن وأمان وتماسك شعب مصر المحروسة الهش، معتقدين أنه بتوالي ضربات الفتن الطائفية سيتحقق لهم المطلوب.

وازداد الأمر في العقود الأخيرة باستعمال الإسلام كوسيلة ناجحة للربح والتربح والنجاح التجاري بجني وحصد الأموال باستعمال اسم الإسلام أو مشتقاته العقائدية أو التشريعية كأسماء لمحلات تجارية كبرى مثل (التوحيد والنور) و (الإيمان) و (الإخلاص) و (مكة) و (المدينة) و (الصفا)...الخ.
ولما كان الهدف هو التجارة الداخلية والخارجية للاستفادة من العولمة يصبح اسم الشركة "إسلامكو"، وتنتشر محلات الملابس الأنيقة بأزيائها وألوانها وجواهرها البراقة باسم "الحجاب" أو الزي الإسلامي أو "المايوه" مُطلِقين عليه اسمًا موائمًا لأهدافهم وهو: (لِباس البحر الشرعي) الذي يبرز قسمات الجسم مثل باقي "المايوهات" غير الإسلامية لكن المهم الأهم هو الاسم الشرعي الشكلي المظهري، وتكثر إذاعة الشرائط الدينية في المحلات العامة إما للقرآن الكريم أو للحديث أو شرائط الوعظ والإرشاد من مشايخ الفضائيات أو الدعاة الجدد الذين أصبحوا يظهرون بمجلة "فوربس" العالمية على قوائم أغنياء العالم، وبتلك المظاهر يحرصون على إضفاء جو إسلامي على الأسعار الملتهبة لتِجارتهم وسلعهم ذلك بغرض محو الشك في غلوها والمغالاة فيها، فالمسلم لا يغش ولا يحتكر ولا يستغل.

ونافست شركات المحمول في وضع أغانٍ إسلامية والأذان كألحان مميزة مثل أغاني وألحان مشاهير المطربين والمطربات خاصة الشباب منهم، كما تخصص قاعات للصلاة للنساء والرجال في أحد الأدوار بأغلب المولات Malls التجارية. ويخصص أصحاب العمارات الشامخة "البدروم" كمصلى حتى يتمتعون بالإعفاء من العوائد والضرائب العقارية، بالإضافة إلي أن إضفاء الجو الديني على سوق العقارات يُشِرع بيع شققها بالأرقام ذات الستة أصفار على اليمين، ويلبس معظم الباعة والبائعات الزي الإسلامي إقتداء بأصحاب المتاجر، الجلباب الأبيض. ويتبع السنة العادية بإطالة الذقن وقص الشارب أو الحجاب من تنميص الحاجب.
وتأخذ بعض المنتجات أسماء إسلامية مثل بلح مكة، وعطر الرسول، والتين والزيتون ورمان الجنة ملء سلسبيل..الخ. وتخصص محلات العطارة قسمًا للعلاج بالأعشاب طبقًا لتعاليم الطب النبوي، والعسل (فيه شفاء للناس) وتوضع بعض الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية كيافطات للمحلات لجذب الزبائن باستعمال الوازع الديني. 

وفي الأفراح الإسلامية تحمل المصاحف بين أيدي الأطفال بالملابس الإفرنجية السوداء و"البَابِّيُّون" حول العنق أمام الزفة مع الشمعدان وتُرش عليه الورود وحبات الملح، مع ضرورة تواجد الراقصة الشرقية  اللولبية في مقدمة الزفة، وتذكر أسماء الله الحسنى في بداية حفلات الزفاف وعزاء الموتى وأعياد ميلاد الأطفال كوصلة غنائية يٌستهل بها الحفل حتى تحل البركة على الجميع.
ويوضع لفظ "إسلامي" لوصف كل شيء يُراد ترويجه وتسويقه صرف النظر عن جودته أو حتى صلاحيته للاستخدام مثل: الزراعة الإسلامية، التجارة الإسلامية، الصناعة الإسلامية، التعليم الإسلامي في المدارس الخاصة، المواصلات الإسلامية لفصل الرجال عن النساء بصرف النظر عن أسعارها ومستوى خدماتها. ويخرج الحاج من منزله محرمًا ويعود محرمًا بعد الحج، ويأخذ لقب "حاج" ينادى به في الأسواق، فتكون له الأولوية في المعاملات التجارية وتقوى ثقة العملاء به.
ولا ننسى أن تلك الأيدلوجية الظاهرية والإستراتيجية التنفيذية قد حققت مليارات الجنيهات للشركات التي ابتدعت تلك المظاهر أمثال شركات أشرف السعد، والريان.. الخ

وتمتلئ القنوات الإعلامية بمشايخ الفضاء بأرديتهم البيضاء وذقونهم السوداء للحديث عن الإسلام الشرعي والعبادات وضرورة التمسك بحرفيتها دون التعرض لمصالح الأمة من منطلق العمل بالنقل وإبطال العقل، وضرب الحائط بالانتماء للوطن حيث لا وطن شرعي إلا أمة الخلافة الإسلامية، ومن هنا ترسخت المقولة الطظية الشهيرة.. وتُطَعَم إعلانات التهنئة ببعض الآيات والأحاديث وتتوالى التهنئة بقدوم الشهر الكريم واسم المهنئ وشركته وبضاعته ونصب موائد الرحمن على أبواب المتاجر فيطعم الجائع والفقير من ناحية وتكثر الزبائن من ناحية أخرى.
في الظاهر التدين، وفي الباطن الربح والتجارة والمكسب دون الخسارة، ولا فرق في هذه الممارسات بين الطبقات الاجتماعية الدنيا والمتوسطة والعليا.

الدنيا لأن الدين غذاؤها، عزاؤها وأملها. والوسطى لأن الدين هو القانون والنظام وهو ما يرعاه الشارع الإسلامي الجاهل والمٌجهَل دينيًا وما ترعاه أيضًا الطبقة الوسطى باعتبارها القائمة على الأمن والاستقرار. أما الطبقة العليا فترعاه كغطاء شرعي للثروة والفساد والاحتكار والاستغلال، والحٌجِية الشرعية هنا هي أن  الأرزاق مقدرة من قبل، وليست من كسب الفقراء بالحلال أو من احتكار رجال الأعمال وفسادهم بالحرام.
والعجيب أنه في مصر يزدهر القطاع الخاص على حساب القطاع العام بدعوى العولمة، وفي نفس الوقت تزداد الحمية الدينية والتمسك والمحافظة على البِدعّ الإسلامية المذكورة لأن كل منهما يُغَذي الآخر ويدعمه، تحت مظلة أن (الدين كغطاء شرعي للربح، والربح كغطاء شرعي للدين) كلاهما من عند الله فالله هو الهادي والموفق وهو الرازق والعاطي، وما من مولود يُولد إلا ورزقه معه.
والعجيب في الأمر أن كل تلك المظاهر الغريبة والمستحدثة علي المجتمع الإسلامي المصري الُسني والمعروف بوسطيته الإسلامية، تتم تحت سمع وبصر كافة الجهات الأمنية والقانونية والمؤسسات والوزارات الحكومية وفي أغلب الأحيان بِرضاها لأنها لا تُحرك ساكنًا في مواجهتها، رغم أنها تضرب المواطنة المصرية في مقتل وتدوس بالأقدام على كل النصوص التي جاءت به في خصوص المواطنة، فتم نشر وتقنين ما يسمى بالمظاهر التالية وهي على سبيل المثال فقط لا الحصر لضيق الحيز المُتاح:

•التعليم الإسلامي (الأزهر وجامعته وكلياته ومعاهده، والمعاهد والمدارس الإسلامية الخاصة).
•الطب الإسلامي (الحبة السِوداء... جناح الذبابة.. بول الناقة.. الحِجَامة والندامة... هل يداوي الرجل المرأة أو المرأة الرجل - الرقى بالقرآن والمعوِّذات).
الاقتصاد الإسلامي (يُدَرس بالجامعات المصرية وله أساتذته المتخصصون) البنك الإسلامي (بنك فيصل والبركة..و..و...).
•الزي الإسلامي (الأفغاني, والحِجَازي والباكستاني.. للرجل والمرأة، الشورت الرياضي الشرعي، المايوه النسائي الشرعي).
• الطعام الإسلامي (الطعام الحلال الإسلامي... القِرَى: طعام الضيفان - التحفة: طعام الزائر - الخرس: طعام الولادة - المأدبة: طعام الدعوة - الوليمة: طعام العرس - العقيقة: طعام المولود في يومه السابع - الغديرة: طعام الختان - الوضيمة: طعام المأتم -  النقيعة: طعام القادم من سفره -  الوكيره: طعام الفارغ من البناء..).

• الدعاء الإسلامي (دعاء الدخول إلي الأسواق – دعاء الركوب للمواصلات بما فيهم خطوط شركة مصر للطيران.. ودعاء ركوب المصاعد والمترو...، ثم دعاء الدخول علي الزوجة، وفيه يردد الداعي المؤمن:  اللهمَّ إن قضيت مني في هذه الليلة خليفة فلا تجعل للشيطان فيه شركًا ولا نصيبًا ولا حظًا واجعله مؤمنًا).
• الهاتف الإسلامي: وفيه يكفر المؤمن بقولة آلو التي اعتاد عليها البشر منذ أن أخترع الكافر الزنديق (أليسكاندر جراهام بل) الهاتف عام 1876 لكن الاستخدام الإسلامي للهاتف هو استبدال لفظة: آلو بـ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته في بداية التهاتف وفي نهايته، ثم الهاتف الإسلامي تحت خط رقم 107 وهو خاص بإصدار الفتاوى عن طريق الهاتف وتابع لدار الإفتاء.

•المواصلات والبلاجات الإسلامية: وهي الفصل التام بين الرجال والنساء في هذه المجالات لدرجة أن الرجل إذا صادف واضطر الركوب في وسيلة مواصلات. وخاف على نفسه الفتنة وبدأ الشيطان يغريه بالفتنة وخاف على نفسه وجب عليه النزول فورًا مهما أدي ذلك إلى تأخره عن عمله أو مصنعه لأن الحرص على دينه أهم من كل ذلك.
كل هذا جانب، وجانب مشاركة الحكومة المصرية مُمَثلة في وزارة المواصلات في هذه الظواهر المستفزة  جانب آخر، وذلك عن طريق ابتكارها واختراعها وتطويرها للسكك الحديدية في صورة، ابتكار (القطار الإسلامي) وهو قطار مرسى مطروح حيث قررت سكك حديد جمهورية مصر العربية إيقافه اعتبارًا من 18 أغسطس لاعتكافه طوال شهر رمضان المعظم ولأنه ينقل الكافرين الفاسقين إلى البلاجات المختلطة فيها الرجال بالنساء، عكس قطار الإسكندرية الشرعي لأنه ينقل غالبية رجال الأعمال وأساتذة الجامعات وغيرهم...
خط سكة حديد يُلغي بالكامل بينما نحاول صرف مليارات الجنيهات لإنشاء خطوط جديدة.. ولا عزاء للتخطيط بالمحروسة.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٦ صوت عدد التعليقات: ٢٤ تعليق