CET 00:00:00 - 19/07/2009

مساحة رأي

بقلم: د. عاطف نوار
بينما كنت أنقب عن أعمدة المواطنة مُزيلاً عنها رمال التطرف رافعًا من فوقها ركام الفكر الإرهابي.. قادني التنقيب إلى الأساس.. الأساس الذي يحمل هذه الأعمدة، كان أساسًا صلبًا قويًا.. لم تستطع أثقل المعدات وأقواها على إحداث خدش فيه.. وقف صلبًا أمام محاولات زعزعته أثارت قوته وصلابته رغبة قوية في نفسي لأكتشف مادته الصلبة هذه.. وبعد جهد جهيد توصلت إليها.. إنها نوع فريد من المواد الصلبة الثابتة فلا يتأثر بدرجات الحرارة العالية ولا الظروف المناخية القاسية ولا بأية تيارات من أي نوع سواء كانت هوائية أو إعصارية أو غيرها.
بحثت وبحثت عن هذه المادة فوجدت أنها ترسبت ورسخت على مر العصور وحتى الآن بل وتزداد رسوخًا وصلابة بمرور الأزمان.. ظللت ابحث عنها إلى أن اكتشفت أنها "الفكر المستنير".. حينئذ كان تعجبي إذ ما هي علاقة الفكر المستنير بالمواطنة؟ وما هي مكانته حتى يصبح أساسًا لأعمدة المواطنة؟!
لم أُفكر طويلاً.. فالجواب الصواب كان واضحًا، فالمواطنة هي علاقة بين المواطن والوطن والدستور هو علاقة بين الوطن والمواطن، ولابد من عقل مستنير يشرع الدستور بما يحقق المواطنة كاملة للمواطن في وطنه.. كما يلزم لتثقيف المواطن وتوعيته ثقافة واعية معتدلة نابعة من مفكرين مستنيرين يقودون الوطن ومواطنيه نحو حضارة سامية ترفع شأنه بين أوطان المسكونة.. فلا حضارة بدون مواطنة سليمة كاملة ولا مواطنة صحيحة بدون فكر مستنير. 

ومن ثم كانت العلاقة الوثيقة بين المواطنة والفكر المستنير. وعلى هذا عزيزي القارئ فنحن بصدد علاقة طردية، إذ كلما زاد الفكر المستنير قويت المواطنة وثبتت أعمدتها وارتفع قدر المواطنين بلا استثناء.. كما أن هناك علاقة عكسية تؤكد العلاقة السابقة .. إذ كلما زاد الفكر الإرهابي المتطرف الشرير خارت المواطنة وانهارت أعمدتها وتفشى التمييز والتناحر بين المواطنين، فالفكر المستنير يطلق عنان حرية العقيدة.. يقنع صاحبه بقبول الآخرين على اختلاف عقيدتهم ومذاهبهم.. يوجه الجميع نحو هدف واحد هو صالح الوطن ومصلحته.
الفكر المستنير يضبط ميزان العدل بين المواطنين مساويا بينهم في الثواب والعقاب في التبرئة والاتهام في السجن والإفراج.. الفكر المستنير ييسر على صاحبه ومن حوله جميع أوجه الحياة دينيًا واجتماعيًا وعمليًا فيسلك في جميع طرقه بسلاسة ويسر دون تعقيد وعسر.. الفكر المستنير دائمًا يستند للمنطق واضعًا كل أمر تحت مجهر التعقل المزود بعدسات الحكمة والإفراز فيكون الثمر في قرارات سديدة فريدة وتشريعات فاصلة عادلة. 

الفكر المستنير يدفع صاحبه للتفكير في الصالح العام مفضلاً مصلحة وطنه على مصلحته موقنًا أن نجاح وطنه هو نجاح له وارتقاء بلاده هو رقي له.. الفكر المستنير أساسه الحوار البناء وطرح الرأي والرأي الآخر للوصول إلى أفضل النتائج.. أما الفكر الإرهابي الشرير فعلى النقيض تمامًا، فهو يضع صاحبه موضع السُخرة وكأنه عبدًا ذليلاً له.. يقيد حرية العقيدة مُحددًا إقامتها في جانب دون الآخر.. مُجبرًا صاحبه وعبده على كراهية الآخرين بل وحمل العداوة اللدودة لهم إلى حد قتالهم وإهدار دمهم واستحلال مالهم.. يسخر صاحبه لتحقيق هدف واحد هو صالحه ومصلحته المادية ضاربًا عرض الحائط بمصلحة الوطن وصالح مواطنيه.
أما عن ميزان العدل، فالفكر الإرهابي المتطرف يمتلك ميزانًا له كفة واحدة وحيدة يسخرها للعمل من أجل فئة دون الأخرى مشعلاً نار الفتنة بين فئات المواطنين ملقيًا المواطنة في آتون الحقد والكراهية.. الفكر المتطرف الشرير ييسر على صاحبه جميع أوجه الحياة ويعسرها على من حوله مقحمًا إياهم في حلقة مفرغة من المحرمات والخزعبلات مُثقلاً كاهلهم بأعباء مادية ونفسية تعرقل حياتهم وتضر مستقبلهم.. الفكر الإرهابي الشرير دائمًا يستند للخيال ملقيًا كل أمر أسفل مجهر الأوهام والإيهام المزود بعدسات الرعونة والحماقة والعنف فتكون النتيجة ثمارًا جافة ذابلة من القرارات الطائشة والأحكام الظالمة.

الفكر المتطرف الخطير يُجبر معتنقه على النظر لصالحه فقط بل و العمل على ضرر الوطن والإساءة له وطرح مصلحته وكرامته أرضًا تحت الأقدام.. الفكر المتطرف الخطير أساسه البنادق والسيوف وطرح كل من يخالفه في الرأي في قبو الكفار وأعداء الله تمهيدًا لإراقة دمه واستحلال ماله معلنًا عجزه عن إقامة الحُجة والرد بالبرهان.
تُرى عزيزي ما هو الفكر الواجب إتباعه والمنهج الجدير باعتناقه؟؟ الفكر المستنير بقوة رأيه وحصافة منطقه وحكمة قراره وعدالة حُكمه وسمو أهدافه في إقامة وطن قوي متحضر يحتضن مواطنيه في أمن وسلام ورخاء؟ أم الفكر الإرهابي المتطرف الشرير الخطير بهزالة رأيه وانعدام منطقه وحماقة قراره وجور حُكمه وانحطاط أهدافه في إقامة وطن منقسم متخلف يعيش مواطنيه في بُغضة وتناحر محققًا هدفه الأسمى "فرق تسد" تاركًا مواطنيه يتقاتلون منفردًا بخيره وخيراته.  
تحية إجلال واحترام لأصحاب العقول المستنيرة ومعتنقي الفكر المستنير.. تحية إجلال واحترام للدكتور سيد القمني صاحب العقلية الناضجة الحائز على جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية عن جدارة واستحقاق لما أثراه من فكر مستنير وآراء بناءة.

إن هذه الجائزة تاج ليس على رأس القمني فحسب بل على رأس كل مفكر مستنير.. إن هذه الجائزة إعلان صريح ورسالة مضيئة للعالم أجمع أن مصر وطن متحضر ثري بالفكر المستنير رافض للفكر المتطرف الخطير.. تحية إجلال واحترام للعلمانيين الأحرار في مساندتهم للفكر المستنير المتمثل في القمني مبشرين كل من يعيش في مصرنا الحبيبة بقرب مجيء النهار.. منتقدين الحملة المسعورة من المستفيدين من تخديم الدين انتهازًا لمصالحهم ووجاهتهم الاجتماعية وسلطانهم على العقول، معلنين أن الساحة ستشهد مئات مثل القمني تعلموا منه وأخذوا مكانهم في صفوف المدافعين عن المواطنة والمواطن والوطن.. تحية إجلال واحترام للمتنورة عفاف السيد نائب رئيس القلم الدولي في تصريحاتها المستنيرة أن التهديد الفكري يهدف إلى إسكات الفكر حيث استورد جماعة من الظلاميين أصحاب دعاوى التكفير كل ما هو ضد الإنسان متاجرين بالمجتمع والوطن كله.

عزيزي القارئ.. العقل زينة، فالعقل المستنير يزين صاحبه بالآراء البناءة الجديرة بالاحترام.. لذا فلابد من أن نرسى أساسات الفكر المستنير في عقولنا وعقول أولادنا وعقول من حولنا لنصل بوطننا إلى مواطنة كاملة أساسها الفكر المستنير ولهذا الحديث المستنير بقية.

bolapavly@yahoo.com

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق