CET 00:00:00 - 14/08/2009

قرأنا لك

عرض: عماد توماس
يتناول هذا الكتاب الذي نستعرضه خلال هذا الأسبوع والصادر عن مكتبة الأسرة حديثًا، للكاتب "محمد شفيق غربال" علاقة مصر بالمجتمعات ومدى حرصها عبر التاريخ على إقامة جسور اتصال معها، ويتتبع التغير الاجتماعي الذي طرأ عليها في مختلف العصور بداية من العصر الجليدي ومرورًا بالعصور الفرعونية واليونانية والرومانية والإسلامية حتى العصر الحديث.
كتاب تكوين مصر ويرى المؤلف أن التفاعل الحادث بين مبدأ الاستمرار ومبدأ التغير هو الذي يكّون مادة التاريخ كما يرى أن مصر هي هبة المصريين، وليست هبة النيل كما أكد "هيروديت" حيث أن النيل هبة طبيعية طائشة تحتاج إلى الإنسان كي يرودها وينظمها ثم يستفيد منها، ويؤرخ الكتاب لدور الحكومات المتعاقبة منذ العصر الفرعوني في تشكيل المجتمع المصري والوحدة المصرية، ويتوقف كثيرًا لدى دور الفرد في بناء هذا التشكيل حيث أن الإنسان بحكم أنه كائن اجتماعي لا يستطيع أن يبلغ الكمال الروحي الذي يسمو إليه إلا بالاختلاط بالآخرين والتأثير فيهم والتأثر بهم.
ويؤكد المؤلف أن حضارة مصر ظلت حضارة مجتمع ريفي خلال آلاف السنين من تاريخها، ويعرض طراز تلك الوحدات الحضارية في مصر القديمة والعصور التي تلتها وانتقال عاصمة الدولة إلى أكثر من مكان.
ثم يعرض الكتاب علاقة مصر ببني إسرائيل والحضارة الهيلينية والعصر المسيحي، والفتح الإسلامي، وكذلك علاقتها بالغرب.
المؤلف: محمد شفيق غربال في سطور:
• أول مؤرخ مصري تولى منصب كرسي أساتذة في قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة، وكان عضوًا بمجمع اللغة العربية والمجمع العلمي المصري.
• تم اختياره عام 1951 لعضوية لجنة من اثني عشر مؤرخًا من أبرز مؤرخي العالم ليكونوا مستشارين لليونسكو في شئون تاريخ العالم.
• توفى سنة 1961.
* مصر هبة المصريين:
اتخذ المؤلف حديثه في الفصل الأول "مصر هبة المصريين" لتأكيد أن "تكوين مصر" كان من صنع جماعة من الناس -المصريين- وليؤكد أن نتاج هذا الخلق -مصر- من صفات الشخصية والرسوخ والانفراد بالذات، هذا النتاج أثر بدوره في تكوين المصريين، مصر كما يرى المؤلف أرض شكلتها الطبيعة وشكلها الإنسان شيئا له ذاتيته وأهميته، وهي وطن مجتمع من بني الإنسان تربط بعضهم ببعض روابط مادية وأدبية، إنها وطن مجتمع مغاير لمجتمعات بشرية أخرى.
يقصد غربال بالمصري كل رجل يصف نفسه بهذا الوصف، ولا يحس بشيء ما يربطه بشعب آخر. ولا يعرف وطنًا لع غير هذا الوطن مهما كان أسلافه غرباء عن مصر في واقع الأمر.
* الاستمرار والتغيير في تاريخ مصر:
يتفق "غربال" مع "كار" في قوله عن التفاعل الحادث بين المبدأين المتقابلين –الاستمرار والتغيير- يكوّن مادة التاريخ، فما يبدو في التاريخ مستمرًا لا يخلو أبدًا من تغيير خفي دقيق. وما من انقلاب مهما كان فجائيًا ومهما كان عنيفًا استطاع أن يقطع تمامًا صلة الاستمرار بين الماضي والحاضر.
ويشير غربال إلى حقيقة طريفة، هي أن كل ما لدينا من معلومات عن حال مصر وموقف مصر إنما من مصدرها جانب واحد، جانب أجنبي فإن الإغريق واليهود ومَن إليهم من الغرباء هم الذين رووا عن المصريين ما رووا، وكانت الصورة التي رسموها صورة شعب متجهم عبوس عنيد محافظ يكره كل ما هو غريب عنه.
ويؤكد غربال أن المسيحية عندما جاءت لمصر خلصت الروح المصرية مما شابها من قتام وعبوس وصلابة، واعتناق المصريين للمسيحية ثم الإسلام، حرر الإنسان من رق الخرافة والعبودية لغير الخالق ومع ذلك فإن الفرد المتحرر لم ينل الحرية التي تتيح له فرض اكتمال شخصيته، فقد بقى التمييز والتفرقة ما بين الحاكم والمحكوم قائمًا.
* الحكومة والمجتمع في مصر:
يتفق "غربال" مع تعريف المجتمع بأنه "نسيج من العلاقات الإنسانية المتداخلة أو المتفاعلة بعضها مع بعضها الآخر" ويعرف الحكومة بأنها "ممارسة السلطة من جانب صاحب السلطان، ووكلائه أو مندوبيه، لتنظيم تلك العلاقات أو التفاعلات في مجتمع ما".
ويرى غربال أن هناك ارتباط وثيق بين أوضاع الحكم وأغراضه في مجتمع معين، وبين ما يعتنقه أعضاؤه من آراء ومعتقدات عن أصل مجتمعهم. فإذا اعتقد قوم مثلاً أن مجتمعهم هو من صنع الآلهة عندئذ يكون للإلهة أو سلالة الآلهة السلطان الأعلى عليهم، ويكون زمام الحكم في أيديهم، هذه كانت عقيدة المصريين القدماء عن أصل مجتمعهم، وهكذا كان السلطان والحكم في هايدى الملوك الآلهة وسادت في مصر بعد اعتناق أهلها المسيحية مذاهب أخرى، وتغيّرت تبعًا لذلك مدلولات كلمتي المجتمع والحكومة.
* مصر والعهد القديم:
يرى المؤلف أن كتب العهد القديم قد عملت هي أيضًا في تكوين مصر وأن كان ذلك على نحو خاص بها، ويسرد أثر الثقافة اليهودية على مصر في عهد الملك سليمان من خلال الصلات التجارية بين البلدين، فكانت مركبات الحرب والخيل أهم صادرات مصر، كما أننا نشاهد نفوذ مصر في ازدياد المظاهر الملكية عند اليهود، وترجع فخامة العمارة وأبهتها في عصر سليمان بعض الشيء إلى محاكاته المصريين، فشكل المعبد ذاته في مدخلة والعمودان البارزان القائمان كالمسلتين أمام المدخل وكذلك الأسدان القائمان على عرش سليمان، كل ذلك يحمل الطابع المصري، ويؤكد غربال أن نظام ملك سليمان كان منقولاً عن الإمبراطورية المصرية الكبرى.
* مصر والمسيحية:
يؤكد غربال على أن تكوين مصر يدخل فيه عنصر مسيحي مهم كل الأهمية ليس لأن المسيحية عقيدة فريق من أبنائها فقط، لكن لأن المسيحية في عالم مسيحي هي التي كونت النظرة الروحية لأبنائها كافة.
ويشير المؤلف إلى دلائل سرعة انتشار المسيحية في مصر بين المصريين هو ترجمة كتب العهد الجديد إلى اللهجات القبطية السائدة في البلاد. بالإضافة إلى الكتابات الدينية الغير رسمية، كـ (سير العذراء وروايات تتعلق بموت المسيح).
فالمسيحية قد لاءمت في مصر بين خصائصها وبين خصائص الدين القديم، فمعظم المصريين تحولوا للمسيحية عند منتصف القرن الرابع، ويرد ذلك غربال إلى أنهم "خلقوا لأنفسهم دينًا قوميًا من المسيحية ولقحوا هذه الديانة ببقايا معتقداتهم القديمة وأمالها".
ويشير أيضًا غربال أي تكوين اللغة القبطية بمعونة من اليونانية بألا نغفل الفن القبطي الذي يعبر عن الخصائص الدينية لمصر المسيحية بالإضافة إلى نشأة حياة الرهبنة وعبقرية تنظيم الرهبنة على يد "باخوميوس".
* مصر والإسلام:
يقول محمد شفيق غربال أن جيوش الخلافة غزت مصر سنة 640 بعد الميلاد، وقطعت العلاقة التي كانت تربطها بالإمبراطورية الرومانية الشرقية، وبذلك أصبحت مصر جزءًا من دار الإسلام إلا أن العملية التي أصبح بها المصريون مسلمين يتكلمون العربية تمت بالتدريج، إذ جاء انتشار الإسلام عن طريق اعتناق سكان البلاد المسيحيين الإسلام تدريجيًا وتماشى انتشار اللغة العربية مع انتشار الإسلام جنبًا إلى جنب إلا أن انتشار اللغة العربية كان أشمل وأتم من انتشار الديانة لأنها لغة الشعب في ذلك الوقت المسلمين والمسيحيين على السواء.
ويرى المؤلف أن صرح الحياة الثقافية في مصر بدأ في الاهتزاز والتخلخل عندما دق الغرب باب مصر في نهاية القرن الثامن عشر بحملة جيش من الغزاة الفرنسيين.
* مصر والغرب:
يرى المؤلف أن الاحتلال الفرنسي الذي كان قصير المدى، بيد أن نتائجه وعواقبه كانت بعيدة الأثر في التاريخ المصري، إذ كان هذا الاحتلال حافزا لولاة مصر في البدء على عملية عمارة وإنشاء بوسائلهم وطرائقهم الخاصة.
ثم يعرج المؤلف على الاحتلال البريطاني لمصر، مستشهدًا بعبارة كرومر "بقدر معلوم" وهي سياسة الاحتلال البريطاني أن يكون للمصريين نصيب من كل شيء بقدر معلوم، نصيب من الاستقلال، ومن الصلة ببريطانيا، ونصيب في السودان، ونصيب في الحكم الشخصي، ونصيب من الرقي الثقافي والاقتصادي.
* أخر الكلام:
خير طريق يسلكه اليوم مسلمو مصر ومسيحيوها على السواء لكي يفهموا أنفسهم هو أن يعملوا على فهم الإسلام والمسيحية على حد سواء.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق