CET 00:00:00 - 14/07/2009

مساحة رأي

بقلم: نبيل المقدس
تُعلن شركة مصر للطيران أن يتوجه السادة ركاب الطائرة 777 المتوجهة إلي نيويورك إلي الكاونتر بداخل الصالة متمنية لهم رحلة سعيدة ... 
خلاص يا بنتي وردة هتسيبينا أنا وبابكي ... أبدا يا ماما باسمة أنا لا أنسي فضلك عليّ أبداً و بلاش الدموع دي يا ماما باسمة ... خذي بالك من بابا ... مالهوش حد إلاّ انتِ . مع السلامة يابنتي سيبي ماما باسمة تفرغ الدموع أمامك أحسن ... باسمة هي أمنا كلنا ... أدخلي انتِ وزوجك لآزم تكونوا جوة قبليها بساعتين علي الأقل ... وإتقطفت مني وردة عشان تعيش في حديقة تانية ... حديقتها الخاصة ومملكتها الخاصة ... ورجعت أنا وزوجي وإبننا باسم ... وسرحت بخيالي وأنا في العربية وإفتكرت يوم ما أخذت والدتي إلي إحدي الحدائق العامة لكي أهوّن عليها فراق أخي الذي تركها هي وأبي وأنا لكي يهاجر إلي أستراليا ... كنت جالسة علي كرسي تحت الشمسية أنظر إلي المجهول الذي ينتظره كل فرد فينا ... رأيت فتاة في عمر التسع سنوات تسقط من علي السلم الموجود في الحديقة , وبصفتي طبيبة أسرعت إليها لكي أتعامل معها في أي ضرر يحدث لها ... وفعلاً فقدت الوعي , وأخذت أعمل ما في إستطاعتي , وبدأت تفوق تدريجياً ثم أخذتها في حضني وجلست بها علي الكرسي بجوار والدتي ... وأخذت أقبلها وسألتها عن إسمها وكان ردها لي ... وردة ... قلت لها انتِ أحلي وردة في الدنيا , وإذ أسمع صوت يقول لي ... فعلاً هي أجمل وردة ... تلفتُ إلي مصدر الصوت وإذ أري شاب يقول لي : الناس أبلغوني علي ما قـُمتي به من إهتمام ورعاية نحو إبنتي , ووجدت وردة تنسلت من حضني وترتمي في أحضان والدها والذي عرفني بنفسه بأنه يعمل في المُحاماة , وتحت إلحاح وردة جلس معنا علي الترابيزة , وفهمت منه أنه فقد زوجته والتي هي في نفس الوقت والدة وردة .

تعلقت بي وردة و وكانت تأتي إلي بإستمرار وشعرت من جهتها بحب غريب ... هل هو حب شفقة أم حب فعلاً أمومة ... لاحظ والدها نسيم أنها إرتبطت بي جداً ... سألني مرة عن سبب عدم زواجي حتي الآن وقد تعديت الـ30 سنة , عرّفتهُ انني لا أميل إلي الزواج التقليدي ... قال لي " انتِ بتحبِ وردة , أجبته طبعا ً ... قال لي ما تيجي تعيشي معاها علي الطول ... ضحكت وقلت له : هات من الآخر . قال لي نتجوز ... وفعلا تم تحديد الفرح ... وفي أثناء مراسم حفل الزفاف وبالصدفة العجيبة وقعت من جيبه صورة لسيدة جميلة ... تلعثم وقال لي : دي صورة المرحومة والدة وردة ... ووجدتُ الدموع تسيل علي خدوده , وقال لي : بصراحة أنا لسة مازلت لا أستطيع أن أنساها ...  ثم أخذت القرار الفوري معه قبل دخولنا إلي منزل الزوجية  أن كل واحد منا ينام في حجرة مستقلة , وإخترت أنا  حجرة النوم مكانا لي أنا ووردة ... أما هو فقد إتخذ حُجرة المعيشة مكاناً له. 

لآ أنكر كان زوجاً مثالياً ... لم يقصر من ناحيتنا بشيء ... كان يكثر من الفسح ويختار أرفع الأماكن لكي نقضي فيه الأجازة ... لا يبخل عليّ بشيء ... كان يقوم بجميع مصاريف البيت بالرغم أنني أعمل دكتورة في عدة مستشفيات ... أخذتُ وردة ملاذاً من حرماني للأمومة وعزاءً لوحدتي وتعويضا لمشاعري العاطفية والحسية... كانت لا تفارقني ولا تبتعد عني لحظة ... أحببتها جداُ وهي أحبتني أكثر وأكثر . بقينا علي هذا الحال سنتين ... ووردة بتنمو أمامي ... وتزداد إزدهاراً وجمالاً وشطارة في المدرسة ... دائماً يقدر تعبي وإهتمامي المستميت لوردة ... حتي جاء وقت مرض والدتي فإضطريت أن أترك المنزل لأيام لكي أراعيها ... لاحظت أنه دائما الإتصال بي عند والدتي بحجة السؤال عنها ... لكن كان كلامه يطفو عليه بعضاً من كلمات الشوق ... كنت أشتاق أن أسمع مثل تلك الكلمات ... فأنا كأي إمرأة لا تستغني عن كلمات الحب والإطراء والشوق ... كنت لأول مرة أسمع مثل تلك الكلمات ... كنت أسمعها فقط من التليفزيون وغيره ... الآن أسمعها موجهة لي شخصياً ... خرج مني بركان عجيب بالإحساس بالحب ... بركان لم أستطيع كبته أكثر من هذا ... قلت له : انت مالك... بتحب جديد ؟!... قال لي : أنا بأحب من أول يوم أخذتي وردة في حضنك في ليلة فرحنا ... إندهشت وقلت له وإيه سبب سكوتك السنين دي كلها : قال بشهامة ورجولة " خفت أصارحك وقتها لتفهميني غلط " قلت له : مش فاهمة قصدك  ؟! قال لي :خفت لتفهمي أني أريد  إشباع جسدي معكِ ,  قلت له : والآن أنت مع الجسد أم الروح ؟ قال لي . أنا مع الجسد المملوء روح المحبة والتضحية. أنا مع اللي بتسقي وردة وتهتم بيها ... أنا مع القلب اللي إتحمل وعاني الصدمة الكبيرة اللي واجهتها صاحبته في أحلي ليلة عمرها ... أنا مع حبيبتي  باسمة .

ألقيتُ سماعة التليفون وأخذت شنطتي ونزلت جري قاصدة البيت , لم أصبر أن أذهب إلي مكان عربيتي لكي أستقلها فإستسهلت سيارة أجرة كانت واقفة بالصدفة أمام منزل والدتي ... لم أنتظر المصعد بل ...صعدت السلالم ... فتحت الباب وجدتهُ منتظراً فاتحاً ذراعيه ... كم كنت مشتاقة إلي هذه اللحظة ... كم كنت أتوق أن أسمع همسات حبهُ في أذني تقول بحبك ... أحببته أكثر عندما عرفت منه أنه أحبني من أول يوم أخذت فيه وردة ونامت معي في حجرة النوم والتي كانت المفروض تكون لنا في هذه الليلة ... أحببت فيه رجولته وأنه رجل غير حيواني ... بل رجل إنساني بمعني الكلمة ... إحترم كرامتي ... قدّر صدمتي ... حمًل علي نفسه الخطأ , وبدأ يُعاقب نفسه بحرمانه من الحياة الطبيعية بين الزوجة والزوج ... لذلك إحترمته وزاد إعجابي به ... وكان ثمر هذا الحرمان الطويل هو إبننا باسم . 

فُقتُ من سرحاني عندما وقفت العربة أمام بيتنا ... سمعته يقول لي : بسرعة يا باسمة أنا محتاج أنفرد بيكي ... وفي حجرة النوم قال لي : المرة دي أُوُعي  تفكري فِيّ غلط ... أنا فقط أريد أن أضع رأسي علي صدرك وأبكي علي فراق  إبنتي وردة ....... .!!!!!!!!!!!!!!!! 
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١٣ صوت عدد التعليقات: ٣٤ تعليق