CET 00:00:00 - 21/08/2009

مساحة رأي

بقلم: هاني الجزيري
المشكلة في عشوائية بناء المساجد وليس في تقنين بناء الكنائس
الدولة القوية هي التي تستطيع تفعيل القوانين وتنفيذها ويمتثل لها الشعب دون مقاومة، ولكن لكي يحدث هذا هناك شروط أخرى هامة يجب تحقيقها:
1- قوة الدولة تنبع من عدلها وحيادها.
2- قوة الدولة مرتبطة إرتباطًا وثيقًا بمصالح جموع شعبها.
3- قوة الدولة تتطلب تطبيق القوانين على كل الشعب دون تمييز وبلا استثناء.
وفي مصر ومنذ فترة السبعينيات ومع بداية عصر السادات بدأ التمييز الديني يظهر سريعًا وبوضوح ويستشري في المجتمع المصري، وكانت بدايته حادث الخانكة الذي يرتبط إرتباطًا وثيقًا بما نناقشه الآن وهو بناء كنيسة، ووقف السادت موقف عدائي مع الأقباط دون سبب واضح ليقول, كنيسة في الخانكة لا, إلا الخانكة! وتوالت الأحداث سريعًا إلى أن اضطر مجلس الشعب إلى تكوين لجنة لمتابعة الأحداث برئاسة العطيفي، والتي أوصت بضرورة وجود قانون لبناء دور العبادة. ولم يُنظر إلى هذا التقرير حتى الآن ومازال حبيس الأدراج!

لماذا لم يؤخذ بهذه التوصيات؟
لأن الدولة في هذه الفتره فقدت حيادها وعدلها، وتجاهلت مصالح جزء كبير من شعبها، وهنا يبرز سؤال يتجاهله كثير من المثقفين.. لماذا لم يكن هناك حاجة لمثل هذه الإجراءات فيما قبل السبعينيات؟
وهنا نعود لقوة الدولة وعدلها وحيادها.

فإذا كانت الدولة قوية ومحايدة ولا تميز بين مواطنيها سواء طبقيًا أو طائفيًا. فليس هناك مشكلة.. فحتى لو كان هناك قليل من التجاوز فيعزوه الشعب إلى المصلحة العامة, ولكن إذا كان التجاوز متكررًا والتمييز واضح والحياد غائب فهنا تحدث الفتنة خاصة إذا كان رئيس الجمهورية يساعد على الفتنة بتصريحاته غير المسئولة بقوله "أنا رئيس مسلم لدولة مسلمة"، وهو بهذا القول أخرج الأقباط من حساباته وأعطى للمتطرفين حرية الحركة وإفساد المجتمع وتفتيته. وتم استدعاء تقاليد وعادات غير مصريه لفرضها على المجتمع المصري ووصلت إلى تغيير شكل الزي والملبس وطريقة التحية وطريقة تناول الطعام وتطورت إلى تغيير النشيد القومي وإلغاء تحية العلم وانتهت بطظ في مصر ومرحبًا برئيس ماليزي ليحكمنا!

فلو كان المبدأ "طظ في مصر".. فما بالكم أيها الأقباط غاضبون، وإذا كان الترحيب برئيس ماليزي لحكم مصر.. فمن ينادي بالهوية المصرية هو عميل وخائن، ومن يقول أنا مصري يعتبر من المرتدين، ومن يجرؤ على التصريح بأنه من أحفاد الفراعنة فهو كافر. ولا تنسوا الواقعة التي حدثت في إحدى جلسات مجلس الشعب حينما تهور فتحي سرور وقال نحن أحفاد الفراعنة فهاجت القاعه وماجت ودبدب ذوي اللحى على الأرض بأقدامهم ففطن سرور إلى خطئه وأضاف ومن أصول عربية رغم أن فتحى سرور من أصول ألبانية. هذه المفردات أصبحت في هذا الزمن من دواعي الكفر والارتداد. وإذا كان رئيس مجلس الشعب ينافق هؤلاء المرتدين عن مصريتهم وعن انتمائهم فمن يستطيع الوقوف في مواجهتهم إذًا. وربما يكون يراجع نفسه فيما يقولون!، فهم يروجون لفكرة أن الإسلام وطن.
ولا ننسى أيضًا أن السادات قبل أن تنتهي حياته على يد من أخرجهم من السجون ليسمموا حياتنا أعطاهم الذريعة وأمدهم بقوه أخرى تمثلت في الألف واللام اللذين أضافهما للمادة الثانية من الدستور، ومهد لوجود الفتنه بدلاً من أن يتصدى لها.

ومنذ عهد السادات ونحن في حاجه إلى قانون موحد لبناء دور العبادة.
ما معنى هذا أو ما هو المقصود بهذا القانون؟ بالعقل كدة على رأي الأستاذ ملاك لوقا مطلوب معاملة الجامع والكنيسه بقانون واحد. وحينما ناقش المجلس القومي لحقوق الإنسان خرج بتوصية قال فيها نرجو أن تخضع كل دور العبادة من حيث صيانتها وإنشاؤها لنفس القواعد وتحظى برعايه إقتصادية وإجتماعية واحدة.
وفى وثيقة إعلان حقوق المواطنه القاهره 2007 والتي ألقاها محمد فائق مقرر عام المؤتمر والذي عقده المجلس القومي لحقوق الإنسان تحت شعار المواطنة والمساواة في المادة 32:
حث مجلس الشعب على سرعة إصدار القانون الموحد لبناء دور العبادة إذ أعده المجلس خلال دورة إنعقاده الراهنة، بحيث يخضع إنشاؤها وصيانتها لنفس القواعد وبحيث تحظى جميع دور العبادة بنفس الرعاية الإفتصادية والإجتماعية من جانب الدولة.

وعليه فهذه المادة أظهرت جانبين لتقصير الدولة وفيهما غبن على الطرف القبطي:
الأول من حيث الإنشاء والصيانة.
الثاني من حيث الرعاية الإقتصادية والإجتماعية.
الكلام واضح ولا يحتاج إلى تفسير أو شرح ولكن دعونا نسأل..
هل يحتاج المسجد إلى قرار من رئيس الجمهورية أو من المحافظ أو من أي شخص لبناءه أو إعادة بناءه أو صيانته أو ترميمه؟
هل المسجد يحتاج أصلاً إلى أي أوراق لبناءه من أي جهة رسمية أو غير رسمية؟

المسلمون يقدمون أوراقًا بعد بناء المسجد للحصول على امتيازات معينة أو إعفاءات معينة مثل الكهرباء والمياة والعوائد وغيره، ولكنهم لا يحتاجون تصاريح حتى من الحي نفسه، فالبناء يتم وفق هوى الناس. ممكن أي شخص يفكر في بناء جامع أن يشرع في بناءه فورًا وهذا يسبب مشاكل لأن أي مكان يمكن أن يتحول إلى مسجد، والطريقة الجديدة لمحاربة بناء الكنائس هي بناء مسجد في أقرب نقطه للكنيسة، ولأنهم لا يحتاجون لأي تصريح من أي جهة فهم يبنون المسجد في أقل من يوم لأنه لو الموضوع قطعة أرض فضاء يمكن بناء سور وكتابة يافطة عليها اسم المسجد وبعض الحصر وأحدهم يؤذن وأصبح الجامع جاهز للصلاة وبعدين نشوف أيه الأوراق المطلوبة على المهل والجميع سيساعد على الرحب والسعه ما دام أنني أساعد لبناء بيت من بيوت الله.
وإذا كان الموضوع دكان أو دور أرضي فالأمر أسهل.
بينما يحتاج الأقباط إلى تصريح أو موافقة كل من هب ودب لترميم دورة مياة أو إصلاح ماسورة صرف، ومن ثم يُبنى الجامع وتُمنع الكنيسة وهذا ما حدث فى عين شمس، والأمثله كثيرة على عشوائية بناء المساجد فمثلاً:
نجد أن هناك في شارع الكابلات بني جامع في عرض الشارع على الجزيرة الوسطى رغم وجود أكثر من خمس جوامع حوله.

بناء جامع النور في عرض شارع رمسيس وبجوار الكاتدرائية.
بناء مسجد في كل ميدان رئيسي للدلالة على الدولة الدينية الإسلامية.
منع بناء أي كنيسة في شارع رئيسي وأرجو تتبع هذه الملاحظة.
بناء أكثر من جامع في الوراق وفي إمبابة على حافة نهر النيل وهذا ممنوع قانونًا.
ولذلك فالمشكله ليست عند الأقباط ولكن عند المسلمين، لأن قانون موحد لبناء دور العبادة سيمنع من العشوائية المتبعة في بناء المساجد بجانب أنه سيخفف الضغوط المفروضة على بناء الكنائس وهذا في حد ذاته سيضاعف من مكاسب طرف على الآخر.

من وجهة نظر الأقباط هم يحتاجون إلى قانون لتنفيذه، وبذلك ينتهي جزء من مشاكلهم ليبدأ جزء آخر مع المحافظ ثم التقيدات في الحي، وأخيرًا لن يتم البناء بناءًا على دواعي أمنية وأيضًا الوضع الأخير في حالة تخطي كل هذه العوائق إستفزاز مشاعر المسلمين.

ومن وجهة نظر المسلمين هذا القانون سيهدر حقهم في البناء العشوائي ودون ترخيص ودون تدخل والبناء في أي مكان بجانب المزايا التي يكتسبونها من هذا البناء وبنود الإعفاءات المترتبة على هذا البناء، وأيضًا شعورهم بحريتهم وفي تقييد الغير وأن البلد بلدهم بمفردهم يبنون كيفما شاءوا ومتى شاءوا وهم بهذا يفّعلون المادة الثانية من الدستور "إن الدين الرسمي الإسلام" وأن أي شيء آخر هو من الدرجة الثانية وعليه فهم مميزون لذلك.
ولكن لماذا تسكت الدولة على ذلك:
لأنها تخشى مواجهة الموجة الدينية الحادة التي تجتاح الجميع.
لأن جزء من القيادات يفضلون هذه الموجة بل ويعضدونها.
لأنها تمنع الإخوان من الإنفراد بهذه الموجة.
ستفقد السلطة جزء هام من أسباب سكوت الشعب عليها وعلى قراراتها الخاطئة وعدم قدرتها على عمل تنمية. فليس مهمُا أن نأكل طالما نبني مساجد، وليس مهمًا أن نبني مدرسة طالما يُعاق بناء كنيسة.

هذا يفسر لنا اهتمام الأمن والقيادات السياسية والمحلية بعمل جلسات صلح عرفية حينما تكون المشكلة بين أقباط ومسلمين. وطالما المتهم مسلم فجلسات الصلح العرفية هي القانون الجديد.
ولكي لانخرج عن سياق الموضوع فلقد تقدم المستشار محمد جويلي بمشروع قانون إلى رئيس مجلس الشعب في 8/مايو/2005 بشأن بناء دور العبادة جاء فيه:
مادة1: يسري في شأن بناء دور العبادة وترميمها وتدعيمها سواء كانت إسلامية أو مسيحية أو يهودية أحكام القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء.
مادة2: تلغى كافة القرارات السابق صدورها في شأن بناء دور العبادة.
وجاء في المذكرة الإيضاحية: وحيث أن الواقع يؤكد أن نسبة كبيرة جدًا من دور العبادة سواء إسلامية أو مسيحية أو يهودية تتم دون ترخيص فإن الأمر يحتم وبالضرورة من صدور تشريع يخضعها لأحكام القانون.
ولأن كانت بعض الجهات الإدارية قد أصدرت قرارات تنظم شروط معينه لبناء المساجد وقرارات أخرى تنظم شروط بناء الكنائس فإن الأمر يقتضي وبالضرورة توحيد هذه الشروط. وهذا لا يتأتى إلا بإخضاع كافة أعمال البناء والترميم والتدعيم لأحكام واحدة ينظمها قانون قائم وهو القانون المُشار إليه.
إن إخضاع بناء كافة دور العبادة على اختلاف توجهاتها الدينية لقانون واحد أمر تحتمه وتقتضيه الظروف الحالية، خاصة وأن مصر ومنذ أقدم العصور تنعم بالحرية الدينية.

وجاء في تقرير لجنة الإقتراحات:
ثانيًا: أوضحت السيدة وكيل وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة "المهندسة فريدة عبد الرحمن" أن موضوع إنشاء وبناء دور العبادة كان يُنظم بمرسوم ملكي ثم بعد ذلك بقرار من رئيس الجمهورية وبعد ذلك تم منح تفويض للسادة المحافظين بالنسبه للتدعيم والترميم، أعقبه صدور قرار جمهوري بأن يكون هذا الأمر صادرًا من الجهة الإدارية المختصة، وفيما يتعلق بالإقتراح المعروض فإن الوزارة توافق عليه تمهيدًا لاستصدار قانون البناء الموحد وذلك للحفاظ على التراث المعماري، ولكن خضوع الموضوع إلى أحكام القانون رقم 106 لسنة 1976 سوف يستلزم إجراء تعديل في اللائحة التنفيذية للقانون لكي يضع إشتراطات لدور العبادة.

ثالثًا: أوضح العضو مقدم الإقتراح إن الدافع الرئيسي لتقديم هذا الإقتراح هو عدة أمور:
الأمر الأول أنه لا يوجد قانون خاص ينظم بناء دور العبادة ولا يعتد بما قد يذهب إليه البعض من أن القانون رقم 15 لسنه 1927 ينظم هذا الأمر فقد جاء هذا القانون خاليًا تمامًا فيما يتعلق بدور العبادة.

الأمر الثاني هو القياس على ما ذهب إليه رئيس الجمهوريه بالقرار الجمهوري رقم 453لسنة 1999 بشأن تدعيم وترميم كافة دور العبادة دون التفريق بين دار عبادة سواء كانت إسلامية أو مسيحية أو يهودية, يؤكد ذلك أن هذا القرار الجمهوري جاء لاغيًا للقرار الجمهوري رقم 13 لسنة1998 والذي كان قاصرًا على تدعيم وترميم الكنائس فقط.
الأمر الثالث أنه لمّا كان القرار الجمهوري رقم 453 لسنة 1999 قاصرًا على التدعيم والترميم فقط فقد جاء هذا الإقتراح لإخضاع بناء دور العبادة لأحكام القانون رقم 106 لسنة 1976 بتنظيم وتوجيه أعمال البناء، إذ لا يُعقل أن يتم التدعيم أو الترميم بموجب ترخيص بينما لا يتم البناء بموجب ترخيص بما يضمن سلامة المبنى من الناحية الإنشائية.
ترى اللجنه أن الإقتراح بمشروع قانون مقبول شكلاً وتوصي المجلس الموقر بإحالته إلى لجنه مشتركة من الإسكان والمرافق العامة والتعمير ولجنة الشئون الدينية والإجتماعية والأوقاف..
واللجنه إذ تقدم تقريرها إلى المجلس الموقر ترجو الموافقة على ما انتهت إليه.

هذا بجانب المشروع المُقدم من المجلس القومي لحقوق الإنسان:
مادة 1: يُعمل بأحكام القانون المرافق في شأن بناء أو تعلية أو توسعة أو تدعيم أو ترميم مختلف دور العبادة في جمهورية مصر العربية, وفيما لم يرد به نص خاص تطبق أحكام قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء الصادر بالقانون رقم 106 لعام 1976. وبما لا يتعارض مع أحكامه.

مادة 2: يُقصد بالعبارات الآتيه أينما وردت بأحكام القانون المرافق كالآتي:
1- دور العبادة: المساجد والكنائس والأديرة وما في حكمها.
2- الجهة الدينية المختصة: وزارة الأوقاف المصرية فيما يتعلق بالمساجد وما في حكمها، وبطريركية الأقباط الأرثوذكس أو الكاثوليك أو البروتستانت فيما يتعلق بالكنائس ودور العبادة الخاصه بكل مله منها، وإدارة الحاخام اليهودي فيما يتعلق بدور العبادة اليهودية.
3- الجهة الإدارية المختصة: المحافظ الكائن بدائرة إختصاصه دور العباده المُراد الترخيص بتعليتها أو توسعتها أو تدعيمها أو ترميمها.
4- المحكمه المختصة: محكمة القضاء الإداري الكائن بدائرة إختصاصها الأعمال المطلوب الترخيص بها.
القوانين جاهزة.. وكما نرى جميعًا مناقشتها ليست صعبة وأيضًا لا تحتاج إلى وقت... ولكن الخوف من المواجهة، الخوف من رد الفعل، الخوف من الطابور الخامس الذي يعمل في الخفاء وبكل إصرار على فرض واقع جديد على مجتمعنا ومؤازرة كل ما يساعد على هدم الدولة المدنية.

هاني الجزيري
h.1000000@yahoo.com

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق