بقلم: مادونا شاكر
تعجبت كثيراً ومازلت أتعجب من المنطق والطريقة العجيبة التى تُعالج بها مشاكلنا وقضايانا القبطية فى الفترة الأخيرة أو بمعنى أدق تخدر بها آلامنا وأوجاعنا على طريقة الصلح خير .. وعفا الله عما سلف .. ويا بخت من بات مظلوم ولا باتش ظالم .. وإلى آخر هذه الأمثال التى إندثرت منذ زمن بعيد وأصبحت موضة قديمة غير معمول بها فى الوقت الحالى .. وحجة لمن يريد أن يتهرب من تحمله لمسئولية عمل ما بتفكير أنانى لا يرى فيه سوى حقه ونفسه هو فقط ربما على حساب أرواح بشرية بريئة أو على حساب خسائر مادية لهم .. واثقاً أنه لن يحاسبه أحد على فعلته الشنعاء .. فأخذ هذا الصلح شكل من أشكال قعدات العرب التى كانت تصلح لمجتمع القبائل وبدو الصحراء ولم تعد تتماشى مع المدنية الحديثة والإيقاع السريع الذى تتقدم به الشعوب حالياً .. تنحى فيه القانون جانباً وتحول رجال القانون إلى شيوخ للقبائل مهمتهم الأساسية إتمام الصلح ودى .. خصوصاً إذا كان الطرف المجرم مسلم والمجنى عليه مسيحى .. يتم فى جلسة العرب المصطبية شرب الشاى مع حتة حنية وطبطبة على أهل المجنى عليه المسيحيين الذين لا حول لهم ولا قوة .. ودفع دية القتيل أو تقديم أكفان القاتل لأهل القتيل .. وإنتهى الموضوع وحصل خير ويادار مادخلك شر .. وتوتة توتة فرغت الحدوتة .. والأعجب من ذلك أننا قبل أن نفيق من آثار ذلك المخدر المسمى بصلح المصاطب وقعدات العرب متصورين أننا قد عملنا حسناً حقناً للدماء .. ولمينا الموضوع لكى يعيش الجميع فى محبة وسلام والظاهر للعين أن القلوب صفيت ورجعنا حبايب .. فجأة نجد أنفسنا وقد تلقينا ضربة غدر أو ضربات أشد إيلاماً من التى سبقتها فى أماكن أخرى وربما فى نفس المكان ذاته .. وبنفس الطريقة المعتادة ونفس التلكيكة والحجج والأسباب الهايفة التى لا تقنع طفل رضيع .. وهى إما خناقة بين مسلم ومسيحى بسبب عيال صغيرة .. ولا مسيحى ضرب مسلم علشان ربع جنيه وتطورت الأحداث .. أو مسيحى عاكس بنت مسلمة فقام أخوها قتله لأن المعاكسة رجس من عمل الشيطان قام بها كافر لمؤمنة .. ولا المسيحيين عايزين يبنوا كنيسة ويجرحوا مشاعر المسلمين فقام المسلمين يدمروهم عن آخرهم ويضربوهم ويكسروا بيوتهم وينهبوها ويحرقوها .. ويمسكوا بنت يتيمة مسكينة ويضربوها ضرب مبرح فى أماكن حساسة من جسمها وبعد ذلك يلقوا بها فى عرض الشارع كالجيفة العفنة ولا أحد يجرؤ على نجدتها لأنها كافرة تستحق القتل .. وكل هذا لأن المسيحيين تجرأو وفكروا فى بناء كنيسة أو فكروا يصلوا بهدوء .. ( يعنى وبعدين معاكم يا مسيحيين مش تخلوا عندكم شوية دم .. وتلايموها وكفاية تعذيب فى المسلمين حرام بجد .. لازم تشوفوا لكم حل كده ولا كده .. لحسن حقيقى فاض الكيل بالمسلمين المساكين دول .. بصراحة الحل أنكم تلبسوا طاقية الأخفى أحسن وأنتم رايحين تصلوا وأبونا كمان ياريت يلبسله واحدة علشان لا حد يشوفه ولا يسمع له حس خالص وتبقى الصلاة سوكيتى والكل يعيش فرحان ومتهنى ) .. لكن الأدهى والأمر من كل هذا وبعد هذه المهازل ومع تكرار هذه الحوادث وتلك المصائب ...لا نتعلم ولا نتعظ ولا نأخذ عبرة مما سبق سواء على مستوى القيادات الكنسية أو الأفراد المتضررين .. وإنما نعود لنخضع للضغوط التى تمارس علينا وبالطبع يتخللها مساومات ووعود زائفة براقة تزغلل العين .. سرعان ما تشرق عليها شمس النهار حتى تتبخر وتتلاشى ولا يكون لها أدنى أثر ( وتعود ريمة لعادتها القديمة ) .. فنستسلم مرغمين ونتنازل عن حقوقنا وكرامتنا ونحن خاضعين خانعين خائفين أن يتطور الحدث إلى ما هو أسوأ من ذلك وأسخم وأدل من سابقه ..
فى حين أن الكارثة كلها تكمن فى سكتنا له دخل بحماره وبلطجته وحقده وكراهيته التى لا تنتهى .. وكلما إزددنا خضوعاً وخنوعاً وإستسلاماً ولم نأخذ موقف ولو مرة واحدة نحسم بها هذه المهازل التى تنتهك فيها كرامتنا وتسلبنا حقوقنا كلما زاد التنكيل بنا وزاد العبث بمشاعرنا وإنسانيتنا وفقدنا إحترامنا لأنفسنا وإحترام الآخرين لنا .. وبدلاً من حل المشكلة تزداد تعقيداً وتصبح سداح مداح وكل من يريد أن يفعل بأى مسيحى شيئ سيفعله وهو مطمئن فلن يعاقبه أحد بل سيكون له الأجر والثواب عند الله .. وسيثاب على ذلك بقصر فى الجنة بإذن الله تعالى كما يقولون له .. لأنه يجاهد فى سبيل الله وهذا فرض على كل مسلم ومسلمة .
إذاً نحن لا نساهم فى حل مشاكلنا بل نعقدها ونلف حولها كالتائهين وندور فى حلقة مفرغة .. فما الحل إذاً ؟!! .. لا شك أن الله محبة وأوصانا بمحبة الغير وحتى الأعداء .. وأوصانا أيضاً أن نسامح الجميع أياً كانت ضعفاتهم وأخطائهم فى حقنا . .ولكن الله قال لنا أيضاً ( كونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام ) ولم يدعنا لنفرط فى حقوقنا أبداً ولم يقصد بالتسامح هو الخنوع والرضوخ والإستسلام .. وإنما قصد أن نتعامل بمحبة ممزوجة بحكمة ( أعط مالقيصر لقيصر ومالله لله ) .. وقصد أيضاً أنه لابد أن يكون لنا وقفات فى حياتنا وحدود فى تعاملاتنا لأنه إله نظام وترتيب وعلمنا أن نكون منظمين ومرتبين وليس عشوائيين فى تعاملاتنا .. فالمحبة والتسامح والسلام والإلتزام والنظام والحسم والحكمة والعدل كلها صفات يتصف بها إلهنا العظيم .. فلماذا لا نتشبه بهذه الصفات الجميلة بجانب رفضنا القاطع للظلم والمساومات الغير شريفة على حساب دماء أخواتنا وحقوقهم ؟ .. لماذا نلغى عقولنا ونساعد الأشرار على سلب حقوقنا وإلغاء وجودنا وهويتنا وشخصيتنا المصرية؟
هناك جانب مهم فى حل مشاكلنا وهو مسئولينا الكنيسيين .. أود أن أتوسل لآباءنا الأساقفة والكهنة بأن لا يتنازلوا عن حقوق أبنائهم ورعيتهم .. ويتركوهم يعبروا عن رفضهم لهذا الظلم ويتركوا لهم مساحة لكى يقولوا لا وألف لا لإهدار كرامتنا ودمائنا مقابل لا شيئ .. كما حدث فى قرية دير أبوحنس وبالإصرار حصلوا على ما أرادوا .. أرجوكم يا أبائى لا تقبلوا بهذا الصلح المشين إلا بعد أن تتحقق مطالبكم .. بعد أن ترد لأولادكم كرامتهم وحقوقهم المهدورة .. ويحاكم قاتليهم بالقانون ويستقيم ميزان العدل ونعامل كمواطنين مصريين لا كرعايا أو ضيوف أو متطفلين فى بلادنا الأم .. تشجعوا وتشددوا يا أقباط مصر وطالبوا بحقوقكم ولا ترضخوا لصلح العار الذى تضيع معه حقوقكم بالكامل أرفضوا مهما كانت الضغوط والمساومات وطالبوا بتطبيق القانون أولاً وعودة الحقوق إلى أصحابها .. إحتجوا ولا تخشوا لومة لائم ففى كل الحالات نحن مضطهدون ونعاقب على لا شيئ بإستطاعتكم أن تغيروا مجرى التاريخ طالما تملكون الإرادة .. فقط أرفضوا هذا الصلح المشين . |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|